بعد الحرب العالمية الثانية طاولت الحرب الباردة إيران على الفور تقريبا. ولم يكن سوى الضغط الحازم الذي مارسته الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي آنذاك ليرغم ستالين على إنهاء احتلاله لشمال إيران وإجلاء قواته عن مناطق واسعة منها.
ولولا ذلك التدخل الأميركي، لربما ظل الجزء الباقي من أذربيجان الإيرانية والأقاليم المطلة على جنوب بحر قزوين في أيدي السوفيات، بصورة دائمة.
وفي 1949 ومع بلوغ الحرب الباردة أشدها، أسست الولايات المتحدة «صوت أميركا» الذي بدأ عملياته في إيران في ذلك العام فراح يبث رسالة «التطوير الليبرالي» للإيرانيين التي تمحورت على الحداثة، وترقية الطاقات الفنية والتعددية السياسية، هذا إلى جانب مختارات رائعة من الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الأميركية المعاصرة. لكن وبسرعة، ومع توافر انطباعات بتجدد المخططات السوفياتية بشأن إيران - وهي التي تجلت هذه المرة في حزب شيوعي قوي هو حزب تودة، بدأ بث «صوت أميركا»، يتمحور حول محتوى مناوئ للسوفيات.
وفي ذلك الجو الذي شابته ريبة شديدة من نوايا السوفيات، فاز رئيس الوزراء محمد مصدق بالسلطة فكان أن همَّش الشاه الشاب وعكف على تأميم صناعة النفط الإيرانية. وقد تزامن عهد مصدق مع ذروة المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة فكان أن وجهت ضربة قاضية لعهد مصدق وعاد حكم الشاه المطلق إلى إيران.
وفي عقد الخميسنيات من القرن الماضي بدأت الولايات المتحدة تنشط مجددا في التعاطي مع الإيرانيين في مجال الدبلومسية الثقافية. وكان من الهيئات الأساسية في هذه العملية «جمعية إيران - أميركا» (ويشار إليها في هذا النص بـ «الجمعية») التي أنشئت رسميا في طهران في منتصف الخمسينيات كمنظمة غير ربحية. وقد كانت تلك المنظمة بمثابة القناة للبرامج الثقافية الأميركية في إيران برعاية وكالة الإعلام الأميركية، كما أنها فُوضت رسميا «بالترويج لزيادة معارف الأميركيين والإيرانيين بالفنون والأدب والعلوم والتقاليد الشعبية والعادات الاجتماعية والأنماط السياسية والاقتصادية لكل من الولايات المتحدة وإيران، وتطوير فهم أعمق لأوجه الشبه والتباين في أساليب الحياة الأميركية والإيرانية.»
وفي كتاب نشر لمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس «جمعية إيران - أميركا» بتاريخ 27 مايو/ أيار 1967، أشار الرئيس الأميركي وقتئذ، لندون جونسون، إلى أن الولايات المتحدة «تثمن أشمل تبادل ممكن للثقافات والأفكار بين الأمم اعتقادا منها بأن التفاهم الذي يتولد بين الشعوب جراء ذلك هو كنز مهم للسلام».
ومن خلال إسداء مشورة فاعلة للطلاب ومن خلال هيئة فولبرايت الثنائية القومية النشطة، تمكنت وكالة الإعلام الأميركية والجمعية من المحافظة على تدفق مطرد للطلاب والعلماء الإيرانيين على الولايات المتحدة فيما حضر علماء وباحثون أميركيون كثيرون إلى إيران.
وبنهاية عقد الستينيات رعت الجمعية عروضا ضمت إيرانيين مرموقين من صغار السن، وذلك لقاء عمل بمفرده لكل فنان للمجموعة الفنية الدائمة للجمعية. وفي العام 1969 انضم الرسام الأميركي جيمس جونسون للجمعية مديرا للمرئيات في الجمعية.
وقد أعد جونسون وفريقه سلسلة عروض لفنون أميركية وفارسية معاصرة وتقليدية. وفي 1971 أظهر عرض شعبي للجمعية تفاصيل هندسة معمارية من شيراز حيث استقدمت سقوفا وجدرانا ولوحات بالكامل إلى طهران وجرى نصبها وإضاءتها بصورة رائعة.
كما أن صناعة السينما الإيرانية المزدهرة في زمننا الحالي قد تكون مدينة ولو جزئيا لجذور الدبلوماسية الثقافية الاميركية. ففي 1969 - 1970، أعدت وكالة الإعلام الأميركية مجموعة من الأفلام السينمائية التجريبية وثلاثة برامج للأفلام الفنية طول كل منها ساعتان، ودعت السينمائي توم بالوزولو إلى إيران الذي قدم الأفلام وشرح مضمونها ودرَّس وسائل صناعة الأفلام لمصوري وطلاب أفلام مهتمين بهذا الفن. وكان من العروض التي لقيت إقبالا برنامج منح جوائز للدعايات التلفزيونية والذي أصبح أداة تعليمية لفنيي الأفلام المحليين. وكان من الاشكال الرئيسية الأخرى التي ركزت عليها الجمعية المكتبات ودراسة اللغات.
وفي الستينيات، كان مدرسان أميركيان متعاقدان يقيمان في طهران موفدين من واشنطن وقاما بتعليم وتدريب المدرسين وبالإشراف على الصفوف الدراسية وبإدارة المدرسة في المساحة التي قدمتها الجمعية. وأفادت وكالة الإعلام الأميركية حينها أن 100 ألف إيراني كانوا يدرسون سنويا في طهران وفي فروع الجمعية في خمس مدن إقليمية.
وحافظت الأرباح التي كانت تجنى من برامج تعليم الإنجليزية على السيولة المالية للجمعية التي ملأت جميع فصول التدريس فيها وسعت إلى اقتناء مساحات إضافية باطراد. كما أن نظام منح هادئا ساعد أولئك الذين لم يتمكنوا من تسديد الرسوم الدراسية. وفي مجتمع ذي طبقات اجتماعية محددة المعالم كانت فرص الدراسة في الجمعية بمثابة صورة شريحية عن إيران الحضرية.
وبعد الثورة الإسلامية استولى نظام الحكم الجديد على الجمعية وأنشأ معهد اللغات الإيراني على أسسها وفي مبانيها. ويقال إن المعهد يدرس الإنجليزية وغيرها من لغات إلى 300 ألف إيراني في 17 مركزا في أنحاء البلاد.
وكان من المشاريع الرئيسية الأميركية الأخرى في إيران ما يعرف بعملية إيران لبرنامج كتاب فرانكلين الذي أنشأته مؤسسة أميركية غير ربحية كانت تسعى إلى مساعدة تطوير طباعة الكتب المحلية في البلدان النامية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. وكان البرنامج في إيران، وهو الثاني في المنطقة بعد مصر، أكبر البرامج السبعة عشر حول العالم والأكثر تنوعا من ناحية النشاطات التي كان يرعاها.
وكانت بداية تمويل البرنامج على شكل منحة صغيرة من وزارة الخارجية الأميركية إلا أن مجلس فرانكلين كان خاضعا للقطاع الخاص ولهذا السبب بدأ بجمع التبرعات في الحال من مؤسسات وشركات كبرى وأفراد، إضافة الى وكالات مختلفة في البلدان النامية عينها.
وحينما أغلقت مؤسسة فرانكلين أبوابها نهائيا في 1977 بعد 25 عاما من تأسيسها بعد أن شعرت أن جزءا لا يستهان به من رسالتها قد أنجز، بيَّنت سجلات المؤسسة أنها تلقت وأنفقت 113 مليون دولار على أغراض غير ربحية وأن مصدر نسبة 65 في المئة من المجموع تقريبا كان من الدول النامية.
وبداية كان تركيز المؤسسة ينصب على المساعدة على نشر ترجمات لمؤلفات أميركية بلغات محلية. لكن، وبوتيرة متسارعة وخاصة في إيران، شمل مشروع فرانكلين مجموعة منوعة وعريضة من النشاطات الأخرى لمساعدة تطوير القراءة وتأسيس دور وعمليات نشر محلية.
ومنذ البدابة شملت القواعد التي كانت مؤسسة فرانكلين تعمل بموجبها:
1 - اقتصار استخدام الموظفين على الرعايا المحليين في المكاتب العاملة من دون وجود أي اميركيين مقيمين.
2 - اتخاذ كل القرارات بشأن النشر من قبل مواطنين محليين.
3 - مؤسسة فرانكلين نفسها لم تكن دار نشر، بل هيئة لمساعدة منظمات وشركات محلية
4 - على رغم أن مؤسسة فرانكلين وفرت بعض المساعدات المالية ولاسيما في دفع رسوم حقوق الترجمة والترجمات نفسها، فقد كان يطلب من الناشرين دفع عائدات مالية وبالتالي من وجهة نظر الناشر كانت العمليات الأقرب قدر الإمكان لعمليات النشر الاعتيادية.
كان برنامج فرانكلين باللغة الفارسية، وأكثر منه في بلدان أخرى، أشد تصميما بكثير على معالجة الكتاب من جميع جوانبه المعقدة، من كتابة المخطوطات إلى الانتهاء من الكتاب ووضعه بين يدي القراء.
وكانت هناك برامج لتدريب الكتّاب، وخصوصا المختصين في تأليف الكتب الدراسية ومؤلفي كتب القراءة العامة للأطفال؛ وكانت هناك مشاريع لتوسيع قدرة مطابع البلاد وتحسين أدائها؛ وكانت هناك خطط للتمكن من توزيع الكتب في جميع انحاء البلاد، وزيادة نسبة القادرين على القراءة والكتابة، ولإنشاء المدارس والمكتبات في القرى ولإعداد الكتب المرجعية.
وقد تم اختيار الكتب التي نشرت والتي بلغ عددها الإجمالي نحو 800 مئة كتاب، من قبل موظفي البرنامج في طهران بالتشاور مع مجموعة كبيرة من المستشارين التربويّين وغيرهم من المستشارين؛ وكان يتعين إيجاد الناشر المستعد لنشر الكتب بالنسبة لكل مجموعة.
وكان معظم الكتب عبارة عن ترجمات لأعمال كتاب أميركيين، ولكن كان هناك أيضا عدد من المصادر البريطانية، وعدد قليل من الأعمال الفرنسية، ونحو خمسين عملا أصليا لكتاب إيرانيين. وقد تعاون أكثر من خمسين ناشرا مع فرانكلين في إصدار الكتب. وجرت غالبية عمليات النشر في طهران، لكنه تم نشر بعض الكتب في تبريز وعدد قليل في أصفهان وشيراز.
وبعد 25 عاما على وجودها، قرر مدير برنامج فرانكلين للكتاب حل المؤسسة، وتم الانتهاء من هذه العملية في العام 1979، وما تبقى من موجودات الشركة (نحو 8 آلاف دولار)، قدمت إلى مركز الكتاب التابع لمكتبة الكونغرس. وقبل ذلك أعطيت أصول برنامج فرانكلين بالفارسية (التي كانت تبلغ قيمتها نحو 10 ملايين دولار) لمنظمة فارسية غير ربحية من أجل مواصلة برنامج طهران وهو ما حدث حتى استولت عليه الحكومة الجديدة في ذلك الوقت من عام 1979.
وبالإضافة إلى المركز الأميركي للدراسات الإيرانية، بدأت وازدهرت خلال هذه الفترة مؤسسات مختلفة أخرى تعمل على تعزيز التواصل الأكاديمي والترويج له. وقد تم إيفاد جيكوب هوريويز، وهو الذي كان باحثا في دراسات الشرق الأوسط وله تجربة عميقة في المنطقة كما كان عمل لبعض الوقت في الحكومة، إلى ايران في العام 1967 من قبل مكتب الشئون الثقافية في وزارة الخارجية للبحث عن سبل لتعزيز التبادل الفكري والتعليمي بين الولايات المتحدة وإيران.
وخلال هذه الزيارة، نصح القائمين على برنامج فولبرايت في مكتب إيران بتأسيس برنامج لمراجعة الأتراب والمنشورات يتولى وضع معايير تقييم نوعية البحوث التي يجريها الباحثون في إيران ويتم إرسالها إلى الولايات المتحدة حول برنامج فولبرايت. كما اقترح أيضا سبلا جديدة لتقييم البحوث التي تجرى في إيران. ومن هذه المناقشات انبثق المعهد الأميركي للدراسات الإيرانية، الذي لايزال يواصل أعماله حتى يومنا هذا.
المعهد الأميركي للدراسات الإيرانية هو منظمة بحثية غير حكومية وغير ربحية تتخذ مقرها في الخارج. وهو عبارة عن تجمع أكاديمي، يضم في عضويته الجامعات والمتاحف في أميركا الشمالية المهتمة بدراسة ثقافة إيران وحضارتها. وموظفوه وأعضاء مجلس إدارته هم من الباحثين الذين يمثلون المؤسسات الأعضاء كأوصياء يخدمون كمتطوعين من أجل تعزيز التبادل العلمي والبحوث المستقلة في الدراسات الايرانية.
وقد تأسس المعهد في العام 1967. واحتفظ خلال الفترة 1969 - 1979 بمركزه في طهران الذي كان يديره مدير أميركي مقيم. وبالإضافة إلى توفير المرافق الفندقية ووسائل الجمع بين الزملاء الأميركيين والإيرانيين، كان مدير المعهد يمثل العلماء والطلاب الأميركيين رسميا لدى الحكومة الإيرانية في جميع المسائل المتصلة بالسعي من أجل إجراء البحوث في إيران.
ومن خلال تمثيله لمصالح المنظمات الأعضاء، يسعى المعهد الأميركي إلى دعم النهوض بالمعرفة وفهم إيران والثقافة والحضارة الإيرانية من فترات العصور الغابرة حتى عصرنا الحاضر. ويضم نطاق اختصاص المعهد العالم الإيراني التاريخي في آسيا الوسطى، والشرق الأوسط وجنوب آسيا إضافة إلى دولة إيران السياسية الحديثة. كما يعمل المعهد مع المختصين في الفلسفة الإنسانية وعلماء الاجتماع الإيرانيين لتعزيز وتيسير أبحاثهم في الولايات المتحدة.
وقد أدت الصعوبات السياسية في العام 1979 بين حكومتي إيران والولايات المتحدة إلى سحب المدير الاميركي المقيم وإغلاق مركز طهران. في ذلك الوقت، كرس المعهد نفسه لخدمة أعضائه من خلال تشجيع الدراسات الايرانية في الولايات المتحدة. وكان يقدم منحا كل عام لمساعدة طلاب الدراسات العليا المتقدمة على استكمال أطروحاتهم، كما كان يقدم جائزة سنوية لأفضل أطروحة في الدراسات الإيرانية، وبدأ برنامج نشر، وذلك بنشر دراسة عن آثار العصر الحجرى في إيران وعقد مؤتمرات مشتركة عن الدراسات الايرانية.
ومؤخرا، تطورت برامج جديدة لتمكين المعهد من العمل مع الحكومة الايرانية لإقامة التبادلات والتعاون المتبادل بين أميركا والأوساط الأكاديمية الإيرانية ولإعادة تأسيس وجود لأميركا في إيران.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أنشأ المعهد منحة زمالة بحثية مدتها ستة أشهر لطلبة الدراسات العليا وذلك للدراسة المتقدمة في اللغة في معهد ديخودا بطهران؛ وزمالة دراسية تتراوح مدتها بين أسبوعين وأربعة أسابيع لكبار العلماء لمساعدتهم على الإلمام بمصادر البحث الحالية في إيران؛ وزمالة مدتها شهر واحد لباحث للعمل كمصنف مؤلفات يقوم بتقصي تاريخ إجراء البحوث في إيران منذ 1979.
تأسست الجمعية الدولية للدراسات الايرانية، التي كانت تعرف سابقا باسم جمعية الدراسات الإيرانية، في العام 1967 كجمعية أكاديمية لدعم وتعزيز مجال الدراسات الايرانية على الصعيد الدولي. الجمعية الدولية للدراسات الايرانية، وهي عضو منتسب للرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط (ميسا)، هي مؤسسة خاصة لا تبتغي الربح وغير سياسية تتكون من الأشخاص المهتمين بالدراسات الايرانية في أوسع معانيها. ويتولى مجلس منتخب ومجلس تنفيذي إدارة شئون المنظمة.
أهداف الجمعية هي تعزيز مستويات عالية من البحث العلمي في هذا المجال، وتشجيع تدريس الدراسات الايرانية في المستويات الجامعية والدراسات العليا، وتشجيع وتسهيل مبادلات البحوث العلمية بين أعضائها الدوليين.
على رغم النجاح الذي حققته البرامج الأميركية الثقافية وبوادر الانفتاح على الخارج في التحديث والازدهار الإيرانيين، ابتداء من عقد الستينيات، فقد بدأ توجه فكري يستلهم توجهاته من الماركسية المناهضة للغرب وللحداثة، يكتسب نفوذا متزايد بين المثقفين الايرانيين، ولدى الطبقة المتوسطة المزدهرة.
وربما يعزى ذلك أساسا إلى سرعة وتيرة التحديث في مجتمع كان لايزال تقليديا، ويقطن غالبيته في المناطق الريفية، وتنخفض فيه نسبة القادرين على القراءة والكتابة، فقد بدأ بعض الايرانيين العلمانيين ورجال الدين والمثقفين في وضع أيديولوجية معادية للغرب ردا على التأثير القوي «للغرب» ولأميركا على وجه الخصوص.
وفي طليعة هذه الحركة، ولعله أهم روادها، كان جلال الأحمد. وقد وصفت المقالة التي كتبها جلال الأحمد في العام 1962 بعنوان الغربنة على أنها «ربما تكون أهم مقالة كتبت في تاريخ إيران الحديث».
وفي وصفه لما يقصد الأحمد بالغربنة يكتب دباشي ما يلي: إنه يقصد بهذا التعبير الاهتمام المفرط من قبل بعض القطاعات المؤثرة في المجتمع الإيراني بأمور وبطرق «غربية» الأصل. واعتبر ذلك الاهتمام بأنه «الداء الرئيسي» الذي يضعف تدريجيا ولكن من دون توقف الهوية الوطنية الإيرانية، والذي اعتبر أن المكون الرئيسي لها هو الروح الشيعية.
ويمضي دباشي إلى القول إن مصطلح الغربنة أو «غرباديجي» أصبح عميق الجذور في المفردات السياسية الايرانية إبان حقبة الستينيات وما بعدها حتى أن آية الله الخميني استعمله عندما كان يبث رسائله ويكتب إعلاناته في العراق (حيث كان منفيا في النجف). وكان الأحمد يحظى بشعبية دائمة وواسعة الانتشار إلى حد أن الجمهورية الاسلامية أصدرت طوابع بريدية تكريما له في العام 1981.
والغريب في الأمر أن الأحمد كان عضوا سابقا في حزب توده (الشيوعي)، ويفخر بمعرفته بالفلسفة واللغات الغربية، وترجم العديد من الأعمال الأدبية الغربية الكبرى إلى اللغة الفارسية، حتى أنه زار الولايات المتحدة في العام 1965. كما زار العديد من الدول الاوروبية وكندا و «إسرائيل»، كائلا سيلا من المديح على القيادات والمجتمع المتنورين في آخر مقصد «غربي» زاره، اي «إسرائيل».
هذا المفكر البارز، الذي كانت عقيدته هي الأساس للمنظرين الإسلاميين أمثال علي شريعتي وروح الله الخميني، كان شخصيا «مصابا» بصورة شاملة بذلك الداء الذي كان يندد به بشدة.
ولعل هذا التناقض يمكن أن يساعد في تفسير المزيد عن الموقف الإيراني من النفوذ الثقافي الغربي أكثر من الوقت المتاح أمامنا للدخول في هذا في هذا البحث، ولكن من المؤكد أنه يدعو إلى مزيد من التفكير في هذا الجانب من الموضوع.
وفي سياق مماثل، فإن مخرج الأفلام بارفيز كاميافي قد انتقد الغزوة الثقافية الغربية المتصورة في فيلمه العام 1973 بعنوان «المغول» أو «المغولة» باللغة الفارسية والذي شبه فيه انتشار التلفزيون في إيران بالغزوات المغولية المدمرة لإيران في القرون الوسطى.
وفي الحقيقة، فإن التجربة التاريخية الإيرانية مع الغزاة الأجانب - مثل اليونانيين، والأتراك، والعرب، والمغول، والروس، وغيرهم، لايزال لها نفوذ وتأثير قويان على الانطباعات الإيرانية عن التدخلات الأجنبية سواء كانت سياسية أو عسكرية أو ثقافية.
العدد 2514 - الجمعة 24 يوليو 2009م الموافق 01 شعبان 1430هـ