العدد 2514 - الجمعة 24 يوليو 2009م الموافق 01 شعبان 1430هـ

الإنترنت بين «الذهنية الأمنية» و «العقلية التربوية»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين الحين والآخر تطالعنا القنوات الإعلامية بما مفاده تحسين الإجراءات الأمنية لحماية متصفحي مواقع الإنترنت والمستفيدين من الخدمات التي تقدمها. بعضها يحصر نفسه في توفير أفضل تلك الخدمات للأفراد، في حين يوسع البعض الآخر من تلك الدائرة كي تشمل حماية أمن المؤسسات. لذا نجد أن خدمات الحماية ووسائلها تلك، بدأت تأخذ أشكالا مختلفة، وتخاطب بيئات إلكترونية ذات تقنيات معلوماتية متباينة. يقودنا إلى إثارة هذا الموضوع ما أعلنه، مؤخرا، وفي نطاق الصراعات التنافسية بين محركات البحث الأكثر شهرة على الإنترنت مثل: غوغل، وياهو، وبنغ، مسئول بشركة محرك البحث ياهو، عن «تجديد وتحديث الصفحة الرئيسية لموقعها الإلكتروني، بحيث تمكن المستخدمين من استعمال البرامج التطبيقية التي يفضلونها لا على مواقع ياهو فحسب بل على مواقع أخرى شهيرة على الإنترنت مثل (إي بي) و(فيسبوك)».

ومن بين أهم المسائل التي تحاول الشركات التي تقدم خدمات متقدمة على الإنترنت، توفيرها، عندما يتعلق الأمر بمسائل الحماية، هي حماية المعلومات الخاصة بزبائنها. إذ لاتزال قصة القرصنة التي وقعت قبل إسبوع، والتي كان ضحيتها موقع تويتر ( Twitter ) وهو موقع يقدم خدمات ما أصبح يعرف بـ»التواصل الاجتماعي»، الشبيهة بتلك التي يقدمها «فيسبوك»، عالقة في الأذهان، حيث نجح هجوم قام به أحد «الهاكرز»، في اختراق البريد الإلكتروني لأحد أعضاء المشتركين في خدمات تويتر، وتمكن «من سرقة وثائق مالية مهمة تتعلق بالموقع».

وتطورت المعركة السياسية بين تقنيات الإنترنت وبين الجهات التي تستخدمها أو توفر خدماتها، وعلى وجه الخصوص في دول العالم الثالث، حيث تتراجع إلى الخلف مسائل الحريات والشفافية المطلوبة، وهما الرئتان اللتان تتنفس من خلالهما الإنترنت. وأصبحت الإنترنت اليوم، بفضل ما توفره من معلومات «طازجة»، وما تقدمه من خدمات متطورة، ساحة صراع سياسي مستمر بين من يريد أن يوسع نطاق المعلومات، وبين جهات تحاول ان تعتقلها او تحاصرها. وآخر المعارك التي اندلعت على هذا الصعيد كانت إبان الانتخابات الرئاسية الإيرانية، عندما لجأت فصائل القوى التي لم يحالف مرشحيها الحظ في النجاح، إلى تويتر من أجل نشر وجهات نظرها على صفحاتها، وفشلت الدولة في منع تلك الفصائل من استخدامه. وكما تقول صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية «امتلأت صفحات موقع تويتر الالكتروني بأخبار إيران، رسائل مقتضبة تعبر عن الأجواء في إيران، من جهة متشنجة ومن جهة أخرى تدل على التغيرات الكبيرة داخل إيران. فرسائل مثل (عاجل: الأمر مؤكد: الجيش يتحرك ضد المتظاهرين) و(حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تحرك تظاهرة للتغطية على المعارضين) أصبحت الرسائل الرائجة على الموقع الذي أصبح مركزا لتنسيق التظاهرات الإيرانية».

ولقد وصلت أهمية دور ذلك الموقع أثناء الانتخابات الإيرانية، الى درجة أن تتجرد الحكومة الأميركية ذاتها من كل مقاييس الشفافية وعدم التدخل في سياسات المؤسسات الخاصة، حيث وجدت نفسها مضطرة، بفضل حاجتها إلى متابعة نطورات الساحة الإيرانية الإنتخابية إلى ان تطلب من إدارة الموقع تأجيل إعادة بنائه وتطويره، إلى حين انتهاء تلك الانتخابات، خشية أن يؤدي توقف عمل الموقع لمدة أسبوع، إلى حجب الكثير مما كان يدور على الساحة الإيرانية حينها من أحداث.

هذه الحالة المتميزة التي تفرد بها الإنترنت أكثر من سواه من قنوات الاتصال الأخرى، جعلت الكثير من دول العالم الثالث، وخاصة تلك التي تفتقد إلى الحدود الدنيا من أشكال الديمقراطية، إلى الوقوف أمام خيارين أحلاهما مر، كما يقال: إما ان تغلق خدمات الإنترنت في بلادها الأمر الذي أصبح في حكم المستحيل، وإما أن تحجب المواقع التي لا تنسجم وسياساتها، وهو الآخر أمر يقترب تحقيقه من المستحيل، والسبب في غاية البساطة، وهو أن الإنترنت، كفكرة وتقنية تقوم أساسا على «حق الجميع، دون أي إستثناء، في بث المعلومة أو الوصول إلى تلك التي يحتاجونها، دون رقابة من طرف، أو وصاية من أحد على التوالي. هذا الأمر يجعل من يحاول محاصرة الإنترنت، كمن يحاول أن يحاصر الماء بين يديه، ولم ينجح في أن يحجبها، او كمن يطارد السراب الذي توهمه ماءا. أسوا من كل ذلك من يحاول أن يمنع تقنيات الإنترنت الحديثة والمتقدمة، بأساليب رقابية قديمة ومتخلفة، فهو في ذلك كمن يحاول أن يقاتل «الفانتوم» بسيف عنترة العبسي.

هذا لا يعني ترك الحبل على الغارب أمام الإنترنت فهناك الكثير من الغث مما يحتضنه الإنترنت مما يبثه «الشواذ» و»غير الأسوياء» والذي يستهدف، في حالات كثيرة الأطفال والمراهقين من الجنسين. لكن هناك شتان بين الحماية الأخلاقية التي ليس هناك من يرفضها، بل ويراها الجميع ضرورية، وبين الرقابة البوليسية التي تحظر الأفكار وتحارب المطالبين بحقهم في التعبير عن أفكارهم في نطاق الحرية السليمة التي توفرها لهم الإنترنت.

هذا التوازن الدقيق بين «الذهنية الأمنية» و»العقلية التربوية»، هو الذي يحتاجه الإنترنت كي يؤدي دوره التنموي الاجتماعي والسياسي، حيث يتحول الإنترنت من مجرد وسيلة اتصالات جامدة إلى حلبة حوار ديناميكي مبدع.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2514 - الجمعة 24 يوليو 2009م الموافق 01 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً