إحدى نتائج الأزمة المالية العالمية الحالية أن نظرية «اقتصاد السوق» تراجعت لصالح نظرية «تدخل الدولة في الاقتصاد». نظرية اقتصاد السوق، وهي التي يوصفها الاقتصاديون بـ monetarism تركز على ضبط معدلات الغلاء (من خلال ضبط الفائدة)، إلغاء القيود البيروقراطية عن حركة السوق، خفض الضرائب، تقليل دور النقابات، تقليل الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة، وتشجيع الاستهلاك، ومن ثم ترك السوق لقوانين المنافسة والعرض والطلب. وكان أكثر من نظر إليها عالم الاقتصاد الأميركي «ميلتون فريدمان» الذي توفي في 1976. وأهم من نفذ هذه النظرية كان رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر في ثمانينيات القرن الماضي في كل من أميركا وبريطانيا.

أنموذج تدخل الدولة في اقتصاد النظام الرأسمالي Keynesianism يتبع نظرية عالم الاقتصاد البريطاني «جون مينارد كينز» الذي توفي في 1946، وتقول نظريته إن السوق لا تصحح نفسها بنفسها (كما تطرح نظرية اقتصاد السوق)، وإن الاقتصاد عرضة لتموجات صعود وهبوط، وإن الدولة عليها أن تتدخل لمواجهة الصدمات الاقتصادية والحفاظ على التوازن، وذلك بأن تباشر الدول بضخ الأموال والإنفاق على المشروعات الكبرى لتحريك السوق ومنع الكساد... وهذا هو ما تحاول الحكومات الأميركية والأوروبية القيام به في الفترة الحالية.

كانت رئيسة الوزراء البريطانية زعيمة حزب المحافظين السابقة مارغريت ثاتشر تسمى بـ «المرأة الحديدية» لأنها غيرت بريطانيا من خلال نقلها إلى اقتصاد السوق الحر من دون تدخل الدولة، وكانت تنتصر في أكثر نقاشاتها إلا ما ندر، مثل انهزامها أمام مذيع البي بي سي الشهير «براين ريدهيد» - توفي قبل سنوت عديدة- عندما كان يقابلها بعد فوزها للمرة الثالثة في العام 1987 وغلبها في النقاش، ما أدى لأن تتهمه بانحيازه لحزب العمال بصورة منفعلة، ورد عليها على الهواء مباشرة بدعوة الشعب البريطاني الوقوف صمتا لمدة دقيقة واحدة إعلانا لموت سياسية ثاتشر في اقتصاد السوق.

بالطبع ثاتشر لم تأبه لما قاله مذيع «البي بي سي» آنذاك، وحاليا عاد الحديث عن ضرورة إيجاد سبيل في منتصف الطريق بين النهجين الاقتصاديين، وهذا السبيل لاشك في أنه سيؤثر على مفاهيم العولمة والتجارة العالمية والخصخصة وغيرها من الأطروحات التي سادت في العقدين الأخيرين.