العدد 2231 - الثلثاء 14 أكتوبر 2008م الموافق 13 شوال 1429هـ

لماذا نطق كاسترو؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يغب فيدل كاسترو عن السياسة في بلاده منذ خمسين عاما، فمنذ انتصار حركته الثورية على النظام السابق، وهو باقٍ في السلطة كالأيقونة الكوبية المسجّلة.

طوال هذه العقود الخمسة، ظلّ كاسترو يخطب في الجماهير لساعات، ويقود بلاده وفق ما يراه نهجا اشتراكيا. سقطت المنظومة الاشتراكية كلها وظلّ وحده يكافح بين الأمواج العاتية، متمسّكا بالراية الاشتراكية الحمراء. وعندما أخذ العالم الرأسمالي يتخبط في أزمته الاقتصادية الكبرى خلال الأسابيع الأخيرة، خرج ليقول: «هذا هو الدليل على أن اختيارنا كان صحيحا».

كاسترو الذي بلغ من العمر عتيا (82 عاما)، قرّر في فبراير/ شباط الماضي الانسحاب من الحكم لصالح أخيه راؤول، بعد متاعب صحية، أقعدته شهورا عن ممارسة صلاحياته. وسبق ذلك توقفه عن الظهور في خطاباته للجمهور، منذ يوليو/ تموز 2006. فما الذي دفعه للخروج من صمته قبل يومين؟ إنها الانتخابات الأميركية، التي سيترتب على ضوئها وضع العالم خلال المرحلة المقبلة. فسواء أحببنا الولايات المتحدة أو كرهناها، ستظلّ ذلك القطب، أو الكابوس، الذي يلاحق العالم ويؤثر على حياة مليارات البشر في القارات الخمس، بدليل ما يدفعه العالم أجمع جرّاء أزمة المصارف الأميركية.

كاسترو، عدو الأميركان اللدود طوال نصف قرن، عاد قبل يومين ليتحدّث عن تفضيله المرشح الديمقراطي باراك أوباما، على منافسه الجمهوري جون ماكين، لأنه شابٌ أكثر ذكاء وهدوءا من ذلك العجوز اليميني الذي قد لا يكمل ولايته لمعاناته من مرض القلب. واستند كاسترو في تفضيله إلى «النتائج السيئة» التي كان يحقّقها ماكين في الكلية العسكرية، واعترافه شخصيا بقلة خبرته في المسائل الاقتصادية. والأدهى أنه اعتبر نائبته سارة بايلن المرشحة لمنصب نائبة الرئيس «لا تفقه شيئا».

كاسترو، العارف تماما بوضع الجارة الشمالية الكبرى، والملم بتاريخها بحكم علاقة الصراع المرير معها، اعتبر أن عدم تعرّض أوباما للاغتيال حتى الآن «يشكّل معجزة». فذاكرة الرجل لم تنسَ بعد مصير الزعماء السود مثل مارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس وغيرهم، «الذين راودتهم أفكار المساواة والعدالة في العقود الأخيرة» كما قال. فالقلعة الرأسمالية الكبرى التي بشّرت بنشر الديمقراطية في العالم، كانت حتى الستينيات تضيق ذرعا بدعوات الحرية والمساواة بين الشعوب والأعراق، وتلجأ نحو إسكات دعاة العدالة وتصفيتهم كما يفعل أي نظام عنصري متخلف. يقال إن كاسترو يكتب مقالا أسبوعيا حتى الآن في إحدى الصحف الرسمية، ولكن هذا المقال نشر على الموقع الإلكتروني الرسمي (كوبا ديبايت.كو)، وذهب فيه إلى القول إن في الولايات المتحدة «عنصرية متجذّرة، وطريقة تفكير ملايين من البيض لا يمكن أن تتقبّل فكرة أن شخصا أسودَ متزوّجا وله أولاد يمكنه أن يدخل البيت الذي يحمل اسم: «الأبيض» تحديدا!

الكل يعرف أن الأمر لن يفرق كثيرا، وخصوصا بالنسبة لنا في العالم الثالث، حيث يعيش أكثر من ثلاثة مليارات مستضعف. وسواء دخل البيت الأبيض مرشّح أسمر من أصل إفريقي اسمه أوباما، أو يميني أبيض متطرف اسمه ماكين، فالسياسة الخارجية للدول الكبرى لا تخضع للأمزجة الفردية والأهواء، وإنما هي المصالح ولغة الدولار.

مع ذلك، يبقى أن عدم اغتيال أوباما سيكون معجزة كما قال كاسترو، كذلك فإن وصول هذا الإفريقي الأسمر إلى البيت الأبيض سيبقى معجزة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2231 - الثلثاء 14 أكتوبر 2008م الموافق 13 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً