العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ

عميد الدراسات اليهودية في مصر يلقي نظرة إلى الوراء

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

«ما الذي يفعله أستاذ للدراسات اليهودية لطيف، يدرّس في مكان كهذا؟»

بالنسبة لهؤلاء الذين لا يألفون الحياة الفكرية المصرية، قد يكون هذا هو السؤال الأول الذي يخطر على البال عند لقاء محمود الهواري، أستاذ الدراسات العبرية والفكر اليهودي بجامعة عين شمس في القاهرة، وهي جامعة ضخمة تضم 180,000 طالب.

يعتبر هواري، الذي يبلغ من العمر 59 سنة عميد الدراسات اليهودية في مصر، كما أن هذا العالم ذو الشهرة العالمية في الديانة اليهودية، ومؤلف العديد من الكتب والمقالات حول مجال واسع من المواضيع اليهودية، مسلم يمارس شعائر دينه ومصري فخور بوطنه.

قامت «The Forward» بمقابلة الأستاذ هواري في القاهرة مؤخرا حيث حضر مع كاتب هذا المقال مؤتمرا حول الديانات بجامعة الأزهر.

«تطور اهتمامي في الدراسات اليهودية وإسرائيل في البداية نتيجة للعديد من الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة باليهود»، يستذكر الأستاذ هواري.

«وقد أدى بي ذلك لأن أرغب بمعرفة المزيد عن اليهود والعلاقة التاريخية بين اليهودية والإسلام، وكذلك لأن اكتسب المعرفة عن إسرائيل».

أثارته حرب العام 1967 مع «إسرائيل» في نهاية المطاف، حسب قوله، لتحويل اهتمامه المتزايد إلى مستقبل عملي. «كانت «إسرائيل» بالطبع هي عدو مصر والدول العربية. ولكنني رأيت أنه من المهم معرفة من هو هذا العدو».

حصل هواري على شهادة البكالوريوس في الآداب العام 1971 من جامعة القاهرة، تحفزه رغبته بمتابعة تعلم اللغة العبرية والدراسات اليهودية، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس. كتب هناك رسالة الدكتوراة حول «إلوهية أبناء إسرائيل من موسى إلى السبي البابلي».

«عندما بدأت العمل في الميدان» يقول هواري، «كان هناك عدد قليل منا. لم تكن الدراسات العبرية دائرة منفصلة وإنما كانت تدرَّس كجزء من العربية والدراسات السامية». ويعود الفضل اليوم لجهود الأستاذ هواري وزملائه لكون أكثر من نصف مؤسسات التعليم العالي الثمانية عشر في مصر تضم دوائر في الدراسات العبرية واليهودية.

يحضر حوالي 400 طالب في جامعة عين شمس مساقات في الدراسات العبرية واليهودية. ويهدف بعض هؤلاء الطلبة للحصول على مناصب أكاديمية بينما يجد الكثيرون طريقهم إلى وظائف في السلك الدبلوماسي المصري والجيش وبالطبع العمل الاستخباري. ومما لا يثير الاستغراب أن النزاع العربي الإسرائيلي يهيمن في مصر على الطرح العام للعلاقات العربية اليهودية والإسلامية اليهودية.

وقد ذكر الأستاذ هواري أنه بدأ زيارة «إسرائيل» في بدايات ثمانينات القرن الماضي بعد فترة وجيزة من اتفاقية السلام التي تم توقيعها في كامب ديفيد مع «إسرائيل». هوجم وقتها بشدة في الصحف المصرية بسبب زياراته، ولكنه يقول رغم ذلك: «أردت في داخلي أن أعمل على تحسين العلاقات مع الأكاديميين الإسرائيليين، والمساعدة على تحقيق اتصالات لدعم عملية السلام».

ولكن الأستاذ هواري لن يزور الدولة اليهودية اليوم، بعد عقود من تلك المحاولات الأولى للتطبيع.

«أصبت بخيبة أمل شديدة من سياسة إسرائيل خلال هذه المدة»، يشرح الأستاذ هواري، مشيرا بشكل خاص لتوسيع «إسرائيل» المستمر للمستوطنات اليهودية في أراضي الضفة الغربية المحتلة. «كانت لدي آمال كبيرة في عملية السلام. مازلت أتسلم دعوات للذهاب إلى إسرائيل، ولكنني أرفضها اليوم. ببساطة ليس من المنطقي الاستمرار بزيارة إسرائيل كأنما احتلالها للأراضي الفلسطينية وسياسة الاستيطان الإسرائيلي غير مستمرين طوال الوقت».

لا يمكن أن يكون هناك سلام دافئ بين مصر و»إسرائيل»، يشرح الأستاذ هواري، «بل يجب ألا يكون هناك سلام كهذا» حتى يصبح هناك حل للقضية الفلسطينية.

عند سؤاله كيف يؤثر النزاع العربي الإسرائيلي على طلابه يقول الأستاذ هواري: «أعلّم طلابي أنه يتوجب عليهم التمييز بين سياسات الحكومة الإسرائيلية واليهود حول العالم. يتوجب علينا عندما نتكلم عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أن نتأكد من أن ذلك لن يُفهَم كنزاع ديني. أعرف الكثير من اليهود في «إسرائيل» وأميركا وأوروبا، الذين يدعمون حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وأخبر طلابي عن ذلك. ليس من المسموح به ببساطة وضع جميع اليهود في سلة واحدة».

ويجيب الأستاذ هواري عند الضغط عليه حول السامية في الإعلام المصري، مثل عرض مسلسل «بروتوكولات حكماء صهيون» أن كلا الطرفين في النزاع العربي الإسرائيلي استغلّ الصور النمطية والعنصرية، ويجب إدانة هذا التحامل بجميع أشكاله.

ويستمر الأستاذ هواري نفسه بالحفاظ على علاقات ممتازة مع علماء يهود حول العالم، وقد قام خلال السنوات الماضية بدعوة ثلاثة أساتذة هم أيضا حاخامات، لإلقاء محاضرات أمام تلاميذه بجامعة عين شمس، هم مارك كوهين من جامعة برنستون وريموند شايندلن من الكلية الدينية اليهودية وروفن فايرستون من المعهد الديني اليهودي بيونيون كوليدج.

يستذكر الحاخام كوهين زيارته إلى مصر حين حضر أكثر من مائتين من طلاب الأستاذ هواري محاضرته التي ألقاها بالعبرية نزولا عند رغبة الطلاب.

«أصبْت بالدهشة لمستوى فهم الطلبة للغة العبرية»، يقول كوهين. «يقوم هواري بأداء خدمة هامة إلى أبعد الحدود من خلال نشر أعمال بالعبرية تُعيد إلى الحياة العلاقات المتداخلة بين المسلمين واليهود في مصر في العصور الوسطى».

ويشرح كوهين أن هواري خبير بارز في أرشيف القاهرة اليهودي، وهو المخزن الخفي لآلاف المخطوطات وقطع المخطوطات المكتوبة بالعربية والعربية العبرية والعبرية، والذي اكتشفت في أواخر القرن التاسع عشر في كنيس بن عزرا في مدينة القاهرة القديمة، وهو يشكل كنزا من المعلومات حول الحياة الدينية والثقافية والاقتصادية للجاليات اليهودية في العالم العربي في العصور الوسطى.

وكان الأستاذ هواري كذلك مبعوثا عالِما في برنامج فولبرايت للزمالة في المدرسة الدينية اليهودية، وكان أول عالم عربي مسلم يحمل شهادة الزمالة في مركز أكسفورد للدراسات العبرية واليهودية.

«محمد هواري عالم عظيم في اليهودية»، يقول فايرستون. «وهو مفتون فعلا بالعلاقة التاريخية والدينية بين اليهودية والإسلام. والأهم من ذلك أنه يتحاشى الجدل في مجالاته العلمية، وهو باني جسور حقيقي ورجل استقامة وشرف حقيقيين».

* صانع أفلام وثائقية ومخرج فيلم يطلق قريبا عنوانه «الخروج من قرطبة: ابن رشد وابن ميمون في زمانهم وزماننا»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً