مع رحيل سناء جميل... رحلت عنا فنانة مكافحة حاربت كل هذا التخلف الذي يعشش في عقولنا... رحلت سناء، بعد صراع مرير، ليس مع المرض الذي كانت تحمله في صدرها منذ سنوات، بل صراع مع مجمل العلاقات والمفاهيم المتخلفة، إذ حملت السيف وباتت تحتضنه بعد أن خاضت به الحروب المضادة للتقليدي والسائد.
«ثريا يوسف عطا الله»... الوجه الصعيدي المتمرد الذي وجد في المسرح عالمه... فقررت ألا يثنيها شيء عن التميز... حتى لغتها العربية التي أضعفها سجنها في مدرسة داخلية فرنسية، استردتها بتحدٍّ بمساعدة أستاذها زكي طليمات... الذي كان له الفضل أيضا في احتضانها ومساعدتها في أصعب أزماتها، وخصوصا حينما وجدت نفسها وحيدة، تهيم في الشوارع، متجهة نحو المجهول، بعد طرد شقيقها لها بسبب تجاهلها تقاليد العائلة... تصادف هذا اليوم مع حريق القاهرة التاريخي، (26 يناير/ كانون الثاني العام 1952)، ليزداد الجو مأسوية... كان إذا يوما تاريخيا أيضا بالنسبة إلى سناء جميل... وكانت ليلة باردة من ليالي القاهرة بدت فيها المدينة مهجورة مظلمة وكئيبة... وهذه البنت الصغيرة صاحبة العشرين عاما تهيم في الشوارع وتسير وسط النيران تغالب الحزن والرعب... في ذلك الليل الحالك أبصرت فنانتنا دربها... فلكم أن تتخيلوا كم كان بصرها ثاقبا أضاءت به جزءا مهما من الحال الفنية العربية.
بدأ جسدها بعد ذلك يتحرك مسرحيا على خشبة زكي طليمات، ليقفز من فرقة إلى أخرى برشاقة أزميل النحات في تاريخ المسرح، ومن ثم السينما بأدوار صغيرة، بعد ذلك قامت بأدوار مهمة وخالدة... فمن منا لا يتذكر شخصية «نفيسة» في فيلم (بداية ونهاية)، هذا الدور الذي استحقت عنه وبجدارة، جائزة التمثيل الثانية في مهرجان موسكو العام 1961. ولم يأت هذا الدور إلا ليؤكد حقيقة مهمة، وهي أنه كان فاتحة للمخرجين لاختيارها لأدوار كثيرة، مشحونة بالإرهاصات والمتناقضات النفسية... فقدمت أدوارا مهمة في أفلام (الزوجة الثانية ـ المستحيل ـ فجر يوم جديد).
سناء جميل حال استثنائية، لا يمكننا أن ننسى ملامحها المليئة بالإحساس... وجه حفرت عليه تجاعيد ضاعفت من قدرتها على منحنا الإحساس بالحب والطمأنينة... سيعيش في داخلنا كلما شاهدنا أحد الأدوار الخالدة التي قدمتها سناء جميل على مدى مشوارها الطويل
العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ