العدد 2233 - الخميس 16 أكتوبر 2008م الموافق 15 شوال 1429هـ

اكتشاف إنسانية مشتركة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لقد أوجدنا نحن هنا في الغرب مفهوما للإسلام على أنه «الآخر» - كواقع يتواجد بشكل مغاير ومضاد للقيم الغربية. نحن بحاجة لأن نتحدى مفهوم الاستثنائية هذا، دون أن ننكر خصوصية التجربة الإسلامية وفرديتها الدقيقة.

يشترك الإسلام بالكثير مع الأديان الإبراهيمية الأخرى، اليهودية والمسيحية، ومع الحضارة الغربية، التي ساهم الإسلام فيها بشكل تاريخي حيوي. الإسلام مثله مثل المسيحية واليهودية وأديان الشرق الأخرى غني بالمدركات الحسيّة والتقاليد التي تدعم صنع السلام. والمسلمون، مثلهم مثل أتباع الديانات الأخرى، فشلوا أحيانا في الترقّي إلى هذه المدركات والتقاليد.

يشترك السلام والإسلام معا بتاريخ طويل.

يشكل الإسلام في أنقى صوره فتوى من أجل السلام. يقول القرآن الكريم أن السلام كلمة من إله رحيم. الإسلام بالنسبة للمسلم الورع هو السلام. ورغم أن هذا الإدراك الحسي يتعارض بشدة مع الانطباعات العادية لغير المسلمين إلا أنه متأصل في جذور العقيدة الإسلامية. السلام في القرآن الكريم هو أحد أجمل أسماء الله الحسنى. يستعمل المسيحيون العرب كلمة الله في صلواتهم كذلك. الله هو نفس الرب الذي نعبده جميعا.

يُستمدّ الرنوّ إلى السلام وجوده من أعمق طباع البشر، ويؤكد القرآن الكريم على منظور إيجابي للطبيعة البشرية.

قد يبدو هذا التجسيد للقيم الإسلامية غير مألوف للعديد من غير المسلمين، الذين يعرفون بصورة أفضل بكثير صيحات المتشددين للجهاد، وهي كلمة كثيرا ما جرت ترجمتها بصورة خاطئة على أنها «الحرب المقدسة». الجهاد أكثر بكثير من كفاح مسلّح ضد عدو جاء من الخارج. الجهاد الأهم هو الكفاح من داخل روح المسلم من أجل التطهير الروحاني.

بغض النظر عن الإساءات، هناك تفضيل تم الإعراب عنهُ بوضوح في الأخلاقيات الاجتماعية الإسلامية للا عنف على العنف، وللمغفرة على الانتقام. يثبط القرآن الكريم الهمة ضد النزاع غير الضروري، ويدين التسبب بالدمار والظلم والعنف.

ارتبطت مثاليات النظام الاجتماعي المتناغم في المجتمعات الإسلامية التقليدية عن كثب مع أحكام الشريعة الإسلامية. ترتبط أهداف الشريعة عن قرب مع أحكام القوانين الدينية في التقاليد التوراتية: الحفاظ على علاقات صحيحة عادلة بين الفرد وربه، في مضمون الأسرة والمجتمع بين المسلمين وبين المجموعات الدينية، وفي نهاية المطاف بين الإنسانية وغيرها من المخلوقات.

نستطيع معا أن نصنع السلام.

لدى الزعماء على جانبي الانقسام بين الإسلام والغرب الكثير ليربحونه من الانتقال إلى ما وراء الانشغال بالرموز، باتجاه انفتاح حقيقي لتجربة جديدة مع «الآخر». لا يمكن لغير المشاركة النشطة عبر الحوار المستدام أن تساعدنا على التسامي عن الخوف والغضب اللذان ينتجان التصاعد في النزاع، وأن نكتشف إنسانية مشتركة تخفيها هذه العواطف. ومن الأرجح أننا سوف نلزم أنفسنا بحوار كهذا إذا تمكنا من بدء سرد قصتنا الجديدة، وهي قصة عن التكامل، بدلا من قصة عن المواجهة.

تسمح المشاركة النشطة لنا أن نفهم وندرك التعابير الأصيلة الصادقة للتدين الإنساني، وأن تحمينا من سياسة الرمزية التي يجري التلاعب بها. هناك حاجة كبيرة للمشاركة النشطة للانتقال إلى ما وراء ردود الفعل السلبية لاكتشاف الأمور المشتركة بين بني البشر، والتجارب المشتركة والتطلعات المتناغمة.

يحتاج المسلمون والغربيون لأن يخوضوا التجربة بأنفسهم «من خلال العلاقات» بدلا من «خارج العلاقات». لديهم الآن فرصة لإيجاد معنى في المأساة المشتركة لتغريبهم، إضافة إلى احتمالات التسوية.

لن يكون إنشاء السلام في الجو السائد المفعم بالاتهامات والاتهامات المضادة. صنع السلام، مقارنة بشن الحرب، عملية إيجابية تتطلب جهودا مقصودة للتحرك، من السطحي إلى الأساسي، ومن الكآبة إلى الإبداع، ومن الدفاعية إلى الانفتاح، ومن سياسة الخوف وتحويل الذنب إلى سياسة الأمل.

تقترح حقيقة أن إطار «الحرب على الإرهاب» للرد إلى عدم أمننا الراهن أصبحت وبشكل متزايد موضوع حوار ثابت، تقترح حاجة لحكمة إستراتيجية جديدة. لقد أفشل استخدام تعبير الحرب على الإرهاب الجهود الصادقة لتشجيع الأمن العالمي. من خلال تجنب التسهيلات المتشائمة الزائدة والشعارات (مثلا، «حرب طويلة ضد الفاشية الإسلامية») يستطيع القادة في الغرب، وكذلك في العالم الإسلامي أن يعدّوا العدة لردود فاعلة لانعدام الأمن الحالي.

صحيح أن القصة الجديدة للتكاملية موجودة فقط على شكل خطوط عامة عاملة، ويمكن أن تبدأ بأبسط الاعترافات. الإسلام والغرب «عالقان» مع بعضهما بعضا، ولا خيار أمامهما سوى أن يتعلما كيفية التعايش. كلاهما وجد ليبقى ويزدهر ويتعلم من الآخر. كرامة أحدهما وأمنه مرتبطان بكرامة الآخر وأمنه. نستطيع أن نكون معا مؤلفين لهذه القصة الجديدة.

جميعنا ورثة لقصة المواجهة. نستطيع عندما نلقي الرموز جانبا ونسعى لأن نعرف بعضنا بعضا، أن نصمم معا نظاما عالميا إنسانيا يعتمد على التضامن. الأمر يضم العقل والقلب.

لنعمل معا على نشر السلام. يحتاج العالم كله إلى جميع العالم.

* أستاذ يشغل منصب البروفيسور محمد سعيد فارسي للسلام الإسلامي بالجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2233 - الخميس 16 أكتوبر 2008م الموافق 15 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً