العدد 126 - الخميس 09 يناير 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1423هـ

إنها سينما إذن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهت «الحرب الباردة» ولم تنتهِ بهلوانات «جيمس بوند» ومغامراته في عالم التجسس. فالحنين الى تلك الفترة لايزال مسيطرا. والرغبة في العودة الى عالم انقرض تُشكّل نقطة بداية الى كل شريط سينمائي جديد.

مناسبة الحديث عن عميل المخابرات البريطاني (صفر، صفر، سبعة) هو الرد العنيف الذي جاء هذه المرة من كوريا الشمالية. فالنظام هناك احتج بشدة على الفيلم الأخير متهما إياه ومن وراء انتاجه واخراجه بالسذاجة والسخافة واختراع «بطولات» وهمية و «انتصارات» متخيلة لا صلة لها بعالم الواقع.

احتجاج كوريا الشمالية على الشريط السينمائي جاء في وقت توترت فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة وفي ظروف ارتقت فيها علاقات الدول الى درجة من الغليان لا تستطيع في ظلها تحمل «حركة» من حركات مستر بوند و «عنترياته» التي بدأت في الستينات.

كان الإعلام جزءا من المعركة والهجمات المضادة والمتبادلة. وفي الحرب الإعلامية تتدخل مختلف القوى وتخترع أدوات مزيفة للتشهير بالآخر والنيل من سمعته وتصوير الوقائع على غير حقيقتها أو تضخيم الحوادث الصغيرة وتحويلها إلى مثال يلخص المشكلات كلها.

كانت الجاسوسية هي البديل الحربي عن عالم بارد في القتال وساخن في السياسة. وفي هذا المضمار تفوق المعسكر الغربي على الشرقي. ولعبت هوليوود دورها في تلك المعركة. ولعب الفنانون والروائيون والقصاصون سلسلة أشواط من المواجهات. كان الإبداع هو واجهة المعركة، بينما السياسة والمال والرشوة والشهرة كانت هي القوة الكامنة والدافعة لظهور عشرات بل مئات من الحكايات المختـلفة لتبرير «حرب» قيل إنها لن تتحول إلى ساخنة، ولكن في نهايتها لابد من منتصر فيها. وانتصر الغرب في معركته وتداخلت القوى وتعانقت. فجاء المعسكر المنتصر بمعداته وعدته إلى «عالم الشرق» المغلق والمنغلق على نفسه... وانفتح المعسكر المنهزم وجاء سائحا تائها في عالم ظنه يعيش زمن «السحر»... فانكشفت أمامه أكاذيب الاسطورة وظهر الواقع على غير ما قالته الروايات وصوّرته أشرطة السينما. فالسينما في الغرب هي مجموعة لقطات تعتمد على الحيلة والخداع والتقنيات، ولا تعكس الواقع المعقد أحيانا والمضجر والممل في معظم الأحيان.

إنها سينما إذن. هكذا استقبل معسكر الشرق واقع المعسكر الغربي. وأحيانا تكون المفاجأة أقوى من قدرة المخدوع على العودة إلى عالم كان يظن ان السيئات تتحكم به إلى درجة غير متخيلة، والهرب من عالم كان يظن ان الحسنات تسيطر عليه إلى درجات لا يحدها التخيل.

«جيمس بوند» آنذاك كان من شروط اللعبة. ومن يربح معركة الخدعة السينمائية يربح «الحرب الباردة». فالسينما ليست شريطا ، انها عالم من الفنون اجتمع في فن واحد. وبطولات (صفر، صفر، سبعة) وبهلوناته وعنترياته كانت مفهومة في الحرب الجاسوسية المختلقة من قصص متناثرة لا يجمعها جامع إلا عالم السينما وفنونه.

الآن تغيرت اللعبة وشروطها. فالحرب الباردة انتهت وحل مكانها ما يشبه السلم الساخن وهو «سلم» وصل إلى درجة الغليان من السخونة. تغير العالم ولم يتغير الرقم (صفر، صفر، سبعة) فالعالم اليوم لا يتحمل حركة من حركات مستر بوند السمجة. فمثلث الشر الحاكم في البيت الأبيض (تشيني، رامسفيلد، رايس) قسّم العالم إلى خير وشر، وحدد شروط اللعبة في كلمتين: معي أو ضدي. وصنف «مثلث الشر» كوريا الشمالية في «محور الشر» و«الدول المارقة» التي تحتاج إلى تربية وتأديب. فالمسألة ليست باردة، بل ساخنة على درجة عالية من الغليان... ولا تستوعب ولا تفهم بهلوانات وعنتريات (صفر - صفر).

وصفت كوريا الشمالية فيلم العميل البريطاني بالسخيف والتافه والمقرف... وهي كلمات صحيحة تأتي في وقت غير مناسب للعالمين الشرقي والغربي. فكوريا متوترة لا تعرف مصيرها في الغد بعد إعادة فتح الملف النووي. وأميركا هائجة تريد الثأر والانتقام.

أفلام مستر بوند من النوع المثير للسخرية، وهي أحيانا، ومن دون تخطيط تصب الزيت على نار مشتعلة كما حصل حديثا مع كوريا الشمالية. إلا انها أيضا باتت من الأفلام المثيرة للشفقة وتحديدا بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول وتداعياتها الدولية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 126 - الخميس 09 يناير 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً