العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ

الديمقراطية: ممارسة العمل العام بصورة متوازنة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث في الأوساط البحرينية كان ومازال يدور حول الترتيبات الدستورية لتأطير الديمقراطية، وفيما إذا كان برلمان 1973 هو الأفضل، والذي يجب ان نسعى إليه أم ان برلمان 2002 سيكون البداية الأفضل لمسيرة ديمقراطية أكثر استمرارية.

وهذا السؤال يتكرر بصيغ مختلفة كلما فتح الحوار في المجالس والمنتديات، وهو سؤال مشروع. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هو ان الممارسة الديمقراطية الأكثر عدلا لم تأتِ من خلال نصوص فقط، وإنما كانت الممارسة هي الأساس.

النصوص الدستورية والأطر الرسمية لممارسة العمل السياسي جميعها مطلوبة في حياتنا العصرية، ولكنها ليست ضمانة لوجود عمل ديمقراطي. فكثير من بلداننا العربية والإسلامية لديها دساتير كُتبت بصورة راقية، ولكنها لا تعادل شيئا على أرض الواقع، لأن الممارسة السياسية غير الديمقراطية تتلبس تلك النصوص بأساليب ذكية لإسكات الآخرين، ولكنها في الواقع تعارض كل مبدأ قانوني ودستوري. وبعض الدول العربية وقعت على جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بالحقوق الدستورية والإنسانية، ولكن لا يوجد أي تطبيق على أرض الواقع. بل ان بعض الدول أسست لها جمعيات «أهلية» تتحدث بلسان «الأهلي» ولكنها في الواقع امتداد للجهاز الرسمي الذي لا يعترف بأي مبدأ أو ممارسة ديمقراطية.

الديمقراطية في أحد جوانبها هي توازن القوى داخل الدولة، وتوازن القوى داخل المجتمع، وتوازن الدولة مع المجتمع. فالدولة لها سلطاتها القضائية والتنفيذية والتشريعية، والديمقراطية تتطلب استقلالية هذه القوى عن بعضها بعضا لكي توازنها وتمنع استبدادها. وكذلك القوى داخل المجتمع من جمعيات أهلية ومنظمات متخصصة، جميعها يجب ان تكون مستقلة وقادرة على موازنة القوى الأخرى داخل المجتمع. والمجتمع الذي يحتوي على تلك القوى الأهلية المستقلة بإمكانه ان يوازن سلطات الدولة ليمنع استبدادها.

هذه الاستقلالية هي من أهم المتطلبات الديمقراطية. فالشخص المستقل الذي يمتلك رأيا ويتعاون مع الآخرين على أساس قناعات فكرية ومبدئية وعلى أساس مصالح مشتركة مشروعة، هو الذي يقود العمل الديمقراطي. إذ لا فائدة من مؤسسات كبرى ومختلفة ومؤطرة بأحسن الدساتير إذا كانت هذه القوى غير مستقلة، وإنما مربوطة بجهاز أو بمركز نفوذ هو الذي يحدد كل شيء، ويوجه كل شيء. وهذا النوع من الممارسات إنما هو دكتاتورية مقنعة.

في المقابل، قد نجد في بلدان كثيرة أطرا غير حديثة وربما يحسبها المرء غير ديمقراطية، ولكن الممارسة الفعلية تعطيها معنى آخر وتحولها إلى ديمقراطية حقيقية. ومثال ذلك بريطانيا، إذ ان كثيرا من الترتيبات السياسية لو كُتبت في دستور (بريطانيا دستورها غير مكتوب) فستبدو وكأنها دكتاتورية. إلا ان البرلمانيين طوروا الممارسة الفعلية التي أعطتهم الديمقراطية بالممارسة، على رغم ان ديمقراطية النص غير موجودة. فرئيس القضاء البريطاني يبدو وكأنه جزء من مجلس الوزراء، لأن رئيس الوزراء البريطاني يقوم بتعيينه ويجلس مع الوزراء برتبة وزير. وهذا الشخص (رئيس القضاء) يرأس أيضا مجلس اللوردات، ويبدو انه لا يوجد أي فصل في السلطات السياسية البريطانية. ولكن الواقع يثبت أن الشخص الذي يجلس في مجلس الوزراء يرأس سلطة قضائية مستقلة، وان رئاسته مجلس اللوردات لا تعطيه أي إمكان لتعطيل أو توجيه السلطة التشريعية بحسب رغبات الحكومة. والدليل على ذلك هو الممارسة الفعلية لسنوات طويلة التي تتخطى النصوص وتعطي القوى داخل الدولة استقلالية تعتمد على ثقافة سياسية يؤمن بها المجتمع قبل الدولة. ولذلك فإن الحديث عن البرلمان في البحرين وعن الممارسة السياسية يجب ان يغطي مجالات أخرى أيضا لاستكمال الحوار. فالمهم في العمل السياسي هو وجود أشخاص مبدئيين وليسوا أتباعا وينعقون بما يريده لهم مركز من مراكز النفوذ. وعندما نحصل على شخصيات مبدئية تتعامل مع الفكرة الإنسانية قبل المصلحة الشخصية ولا تتنازل عن المصلحة العامة من أجل الذات، فإننا بذلك نؤسس حياة ديمقراطية بغض النظر عن النصوص الدستورية والأطر الرسمية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً