العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ

انتهى عصر الدولة القومية!

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يخرج علينا بين الفينة والأخرى احد «المفكرين» ليعلن انتهاء عصر ما، أو تاريخ ما، او دولة أو ما شابه. ويبدو اننا نعيش في عصر نهايات كثيرة (وهي في الوقت ذاته بدايات طبعا). فهناك من يقول ان «الغلاء على المستوى الدولي قد انتهى» وسرعان ما تلتحق الدول المحلية بعملية الاقتصاد العالمي فإن موضوع الغلاء سيكون في طي النسيان في الفترات المقبلة.

وهناك عدد غير قليل من المفكرين الاميركيين واليابانيين والاوروبيين ممن خرجوا علينا ليعلنوا ان الدولة القومية انتهت. اذ يصر هؤلاء على ان الدولة القومية - بمعنى الدولة التي تسيطر على سيادتها داخل حدودها بمعزل عن محيطها - انتهى عصرها إلى غير رجعة. وحاول بعضهم البحث عن تسمية لطبيعة الدولة الحديثة قائلا: انها «دولة مناطقية» اي انها خاضعة في سيادتها لنظام مناطقي اوسع منها وان سيادة هذه المناطق قائمة في الاساس على التكامل الاقتصادي عبر الحدود. ذلك ان الحدود من شأنها ان تمنع النمو الاقتصادي وتخلق اعباء متراكمة تجهد تلك الدول التي لاتزال تتمسك بمفاهيم الدولة القومية البالية.

وعلى هذا الاساس فإن الدول المتقدمة تسارع لترتيب مناطقها على اساس التكامل الاقتصادي لكي تستطيع البقاء قوة معتبرة في هذا القرن. هذا ما يحصل في «الاتحاد الاوروبي» و «النافتا» و «الاسيان»، اذ لم يعد لاي دولة لوحدها الادعاء ان باستطاعتها ان تحافظ على مكانتها بمعزل عن جيرانها.

نقول هذا وفي قلوبنا حسرة على بلداننا العربية والاسلامية. تلك البلاد التي أنعم الله عليها بنعمة الرسالة المحمدية التي دعت في الأساس إلى تجاوز الأطر الضيقة. ننظر إلى بلداننا لنرى ان الجميع مازالوا يشترون المزيد من الاسلحة التي تنهك اقتصاد البلاد وتسحب الاموال والثروات من قطاعات انتاجية إلى ترسانات الاسلحة العسكرية.

وعلى رغم ان الطوبائية لا تنفع اذا كانت الانظمة فعلا تشعر بعدم الاطمئنان من الجار الكبير ومن الجار الفقير أو من الجار الغني فاننا نرى ان بلادنا هي في أسفل المستويات الاقتصادية الدولية على رغم امتلاكها الثروات النفطية الضخمة. فهناك شركات اميركية أو يابانية أو اوروبية باستطاعة واحدة منها ان تنتج ما يزيد على عدد من بلداننا النفطية وغير النفطية.

باستطاعة 450 مليون اوروبي ان يخترقوا حدود الدول الاوروبية جميعها من دون الحاجة إلى حمل جواز سفر، بينما ضاقت الارض في بلادنا العربية والاسلامية.

الشعوب الاوروبية تختلف فيما بينها في اللغات والمعتقدات والتراث والمناسبات، وعلى رغم ذلك فانها ماضية في تكاملها يوما بعد يوم، بالاعتماد على ارادة شعوبها في كل خطوة مصيرية من هذا النوع.

لقد سمعنا عن مبادرات ودعوات وحدوية، ولكنها دعوات قائمة على نزوات وأحلام غير واقعية لانها تحاول ان تلغي الطرف الاهم في هذه الدعوات، ذلك هو طرف الأمة ورأيها وإرادتها. فالتكامل الذي يحدث بجرة قلم ينتهي بجرة قلم ايضا. واذا اردنا مراجعة ما حدث في اوروبا نرى ان المسيرة بدأت العام 1957 ومازالت لم تكتمل. وفي كل خطوة يتقدم هذا التكامل يتم اشراك جميع الاوروبيين (والمقصود هنا المؤسسات التمثيلية لشعوب اوروبا) في تقرير المصير.

وتسبق كل خطوة في ذلك استعدادات حقيقية لمواجهة الموانع والعقبات. ان المسيرة ذات الالف خطوة تبدأ بالخطوة الاولى، والخطوة الاولى قد تكون صغيرة جدا غير ذات أثر مباشر ولكنها خطوة تأسيسية.

عندما رفع مفكرونا لواء التكامل قبل عدة قرون (امثال مالك بن نبي) رفعوها وهم يعلمون اننا بحاجة إلى وجهة نظر مبدئية وبحاجة إلى خلق الثقة بين الشعوب «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا...» (الحجرات، 13). ولكن اين نحن من كل ذلك؟

اننا نتجه في الاتجاه المعاكس يوما بعد يوم، وأمتنا اصبحت المثال الذي يجب الا يحتذى به ومضرب المثل الاسوأ في عالم اليوم. ان لدينا كل ما يوحدنا من مبادئ ولغات متقاربة وتراث مشترك، ولكننا اكثر الامم اختلافا وافتراقا واقتتالا. خيرات بلادنا وثروات مستقبلنا نقضي عليها اليوم لتعزيز عزلتنا عن بعضنا بعضا. لا يريد المرء وحدة سياسية ولا وحدة ايديولوجية ولا اي شيء. كل ما يريده اليوم المواطن في بلادنا العربية والاسلامية ان يسافر ليزور تلك البلاد دون مضايقة.

انتهت الدولة القومية في العالم غير العربي وغير الاسلامي، ولكنها تتعمق يوما بعد يوم في العالم العربي والاسلامي

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً