العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ

هذا المؤتمر لن يخدمكم أيها الفلسطينيون!

أدهشني صديقي الأرمني حين أخذ بيدي قائلا أنه «لم يستطع النوم لعدة ليال، لانه كان يفكر في الظلم وانعدام العدالة والإنصاف». ولم يكن يتحدث عن مأزق شعبه - على رغم أن للأرمنيين سببا في الشعور بالظلم - ولكن على الفلسطينيين. ما أراد أن يقوله هو أننا أضفنا الذل إلى الظلم في مؤتمر (الثلثاء) الذي يهدف إلى مزيد من «الاصلاح الفلسطيني»! انا كرهت التفكير في ذلك. واكتفيت بحقيقة أن الفلسطينيين في وضع من الحصار الفعلي في أرضهم. لا يهم كثيرا إن كان ممثلوهم قد منعوا من المجيء إلى المؤتمر، إذ قال عنه الأميركيون انه لا جدوى منه قبل الانتخابات الإسرائيلية، أو أن الاسرائيليين انفسهم رفضوا المشاركة فيه. ومازلنا نحن نعتني باجتماع يهدف رسميا إلى مناقشة كيف يستطيع الفلسطينيون اصلاح هياكلهم، وإبعاد الفساد عن ممارستهم ويصبحون أكثر انتظاما في سلوكهم كتلاميذ المدارس في الصف الخامس، فقد طلب منهم أن يثبتوا أنهم يتصرفون بطريقة لائقة قبل أن يتوقعوا الحصول على أية امتيازات.

إنهم ليسوا تلاميذ مدرسة، انهم شعب، غالبيتهم احتلت أرضهم، ثلاثة ملايين منهم تحت السيطرة الإسرائيلية، وأصبحت فرصهم في تحقيق نوع من الحياة المدنية الآمنة مستحيلة بلغة الحياة اليومية.

وما أخبرناهم عنه أو سنخبرهم عنه هو كذب محض. انه ببساطة خطأ أن نقودهم للاعتقاد أن السبب الذي جعل واشنطن لا تتعاطف مع قضيتهم والإسرائيليين يرفضونها يتمثل في قيادتهم الفقيرة أو ادارتهم الفاسدة.

لقد أوضح شارون وجهة نظره تماما، إذ رفض قيادة السلطة الفلسطينية برمتها وهو غير راغب في أية بدائل محتملة سوى أن يخون الفلسطينيون وطنهم. وحتى أميركا لم تُلِنْ للفلسطينيين بسبب ممارسة السلطة. ويعتبر دعم إسرائيل حقيقة مفروغا منها بالنسبة للحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الحياة السياسية الأميركية، ولا توجد أصوات تنكر ذلك. وفي ظل عدم وجود اهتمام عميق للرئيس بوش بالقضية، فمن المحتمل أن يوجد الحل لدى اليمين المسيحي في أميركا، الذي يترسخ اعتقاده في صالح إسرائيل الكبرى وليست الصغرى. وإذا كانت لديّ نصيحة للفلسطينيين، فإنني أقول لهم أنسوا ما يسمى «بخريطة الطريق» التي اقترحت مؤخرا للسلام في الشرق الأوسط. إنها لا تؤدي إلى أي مخرج. وإذا كنتم ترغبون في الاصلاح، قوموا به من أجل مصلحتكم وليس استرضاء للآلهة الذين لن يمنحوكم حتى أبسط مطالبكم. انسوا كذلك اتفاق أوسلو ومعاهدة طابا، والدبلوماسية ليس لديها إلا القليل لتعطيكم. وبدلا عن ذلك ركزوا على هدف بسيط وقديم يمكن أن يؤثر على إسرائيل في عقر دارها وفي الأمم المتحدة وبين الجمهور الغربي. ذلك الهدف هو إزالة المستوطنات وترسيم حدود 1967.

ربما طلب العودة إلى العام 1967 يبدو كالصدى، ولكنه يمتلك الشرعية من قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة. انه معتمد بوضوح من جانب طوني بلير وضمنيا من جانب ادارة بوش. ومن المستحيل تقريبا أن يعارضه إنسان في العالم الخارجي. فشرعية العام 1967 تكبل إسرائيل إلى نقطة من الضعف السياسي والعسكري من خلال سياسة الاستيطان لديها. وبناء المستوطنات أكثر من أية قضية أخرى هو الذي أزال الثقة في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين عندما تقدم شارون، أو عندما أصبح نتنياهو رئيسا للوزراء، وحتى في عهد يهودا باراك. فبقدر ما تبنى هذه المستوطنات، ستكون هناك حالة من اللا ثقة بين الشعبين، ولن يكون هناك سلام ما لم تتم ازالتها. ولا يحظى بناء المستوطنات بأي دعم عالمي. ولا أعتقد أن يلقى ترحيبا بين الإسرائيليين أنفسهم، فهي مجازفة من شارون كما فعل من قبل في غزو لبنان. تمسكوا بازالة المستوطنات لكشف كل مؤامرة لمصادرة الأرض وتشريد الأسر، وبذلك يستطيع الفلسطينيون اثبات قضية غير قابلة للنقاش في أحقيتهم لها.

عودوا إلى حدود العام 1967، وتمسكوا بها من دون تسويف أو تثبيط. تلك هي مطالب القانون الدولي، وذلك ما يعطي اسرائيل أمنها مضمونا ومكفولا من جانب العالم العربي كله، وذلك ما يحقق السلام في الشرق الأوسط

العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً