العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ

بناء العلاقات المتكافئة بين العرب والغرب يعزز المصالح المشتركة

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

تتبلور العلاقات الدولية وتتطور تحت تأثير عدد كبير من العوامل الذاتية والموضوعية المعقدة، والمختلفة في آن معا، وتحتل المصالح المشتركة والخلافات مكان الصدارة في هذا المجال، فالمصالح والأهداف السياسية والاقتصادية موجهة في النهاية نحو الحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها، وتحقيق عدد كبير من الوظائف السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية وسواها.

ان علاقات التحالف والتعاون، وعلاقات التناحر والتناقض، هي التي تحدد ديناميكية التطور العالمي، واهمية وتأثير العامل السياسي الخارجي، الذي يتطور بشكل مستمر ومنتظم، وهذا يعود بالدرجة الاولى إلى حقيقة أن قضايا التقدم الاجتماعي وقضايا درء الحرب والسعي باتجاه حل المشكلات العالمية الخطيرة، الاقتصادية والبيئية واحلال السلام، أصبحت تحتل مكانة حياتية اساسية في العمليات السياسية والاقتصادية الدولية كافة، كما باتت تحتل اهمية خاصة بالنسبة إلى مصير البشرية ومستقبل الحضارة الانسانية.

ان الحديث عن العلاقات العربية - الغربية ضمن هذا السياق سيقودنا إلى رؤية موضوعية لها، فهذه العلاقات ليست علاقات تحالفية، كما انها ليست علاقات عدائية، على رغم بعض المواقف الغربية التي تشكل علامات استفهام كبيرة على صعيد العلاقة المباشرة أو على صعيد الصراع العربي - الصهيوني، إذ يتجاهل البعض في الغرب الحقوق الجوهرية والاساسية للعرب.

علاقات تاريخية متأرجحة

ليس من الخطأ القول ان الذاكرة عاجزة عن نسيان ما سببه الغرب للوطن العربي من قهر وظلم واضطهاد، واننا نجني حتى هذه اللحظة نتائج السياسة الغربية تجاه الوطن العربي، بدءا من التمزيق والتجزئة وصولا إلى زرع «اسرائيل» خنجرا مسموما في قلب هذا الوطن، والاستمرار في دعمها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وانتهاء بسياسات الاملاء وعدم التكافؤ والتدخل في الشئون الداخلية وسواها وليس من الخطأ الاعتراف بأن بقاء رؤوسنا في التاريخ لن يخدمنا في شيء، بل الافضل ان نستفيد من دروس التاريخ ونتعلم منها، ونعتبر ان كنا نجيد الاعتبار.

ان العلاقات العربية - الغربية ليست في احسن احوالها، وهي ليست مستقرة، لكننا نستطيع ان نقول بجدية إن هناك فرصة طيبة لمزيد من التعاون لحل المشكلات التي تواجه العرب والغرب على حد سواء، والمطلوب هو تحسس عقلاني لحاجات ومصالح كلا الطرفين.

للغرب مصالح في الوطن العربي يجب ان نتفهمها، وللعرب مصالح في الغرب يجب ان نسعى إليها، لكن يجب ان يكون القانون الدولي هو الاطار الذي ينظم هذه العلاقة المصلحية بين الاطراف.

ان اعتبار الغرب عدوا ازليا للعرب، او اعتبار العرب اعداء ازليين للغرب، هو حديث غير صحيح بالمطلق، وغير مرغوب فيه لا بلسان العرب وأفعالهم ولا بألسنة الغرب وأفعاله، طبعا هذا لا يعني أنه ليست هناك خلافات جوهرية بين الاطراف، أو ان الشك والريبة غير موجودين في هذه العلاقات، وان الحكمة والموضوعية تفرضان علينا القول إن العلاقات العربية - الغربية هي علاقات جيدة وغير سيئة، على رغم جميع المحاولات التي يقوم بها البعض لتصديرها على انها جيدة وبناءة، فالتصريحات واللقاءات والامنيات شيء والواقع شيء آخر، هناك هوة كبيرة بين رغبتين متناقضتين متضادتين، هما رغبة عربية في التنمية والحفاظ على السيادة والاستقلال، ورغبة غربية في الهيمنة.

ان المخرج الوحيد من هذه الحال التي تعيشها العلاقات العربية - الغربية، يكون فقط بالحوار الجدي والمسئول الذي يحتوي قبل كل شيء على نوايا طيبة في الوصول إلى علاقات تنتفي فيها الهيمنة وتتوسع فيها فرص التنمية والتعاون التي هي غاية ذات قيمة كبيرة بالنسبة إلى العرب.

الشروط الصعبة والتنفيذ المستحيل

لا يمكن النظر إلى الشروط التي تضعها الدول الغربية للتعاون مع الدول العربية، إلا باعتبارها قبسا من روح الهيمنة التي يسعى اليها الغرب في علاقاته مع الدول العربية، فمن الشروط مثلا التخلي عن مبادئ اساسية وجوهرية في العملية الاقتصادية الداخلية لبعض الدول، والاشتراط بإجراء تغيير جوهري في البناء الاقتصادي والنظام الاقتصادي، وتقديم تسهيلات لا مبرر لها تضر بالاقتصاد المحلي، هذا عدا المطالبة بإجراء تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية على الطريقة التي يريدها الغربيون، وهذا كله يصب في مفهوم خطير، هو التدخل في الشئون الداخلية للدول وسياسة الاملاء، والعلاقة غير المتكافئة، وهذا نوع من السعي إلى الهيمنة بكل تأكيد.

ان منطق التعاون القائم على قواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة يتناقض مع مثل هذا التوجه ويخالفه، كما انه يتناقض ويخالف التوجه العربي في آن معا، فالتعاون الاقتصادي والتقني والعلمي، وحل مشكلات الطاقة والمواد الخام هي من اهداف السياسة الاقتصادية الخارجية العربية في علاقاتها مع الدول الغربية والاتحاد الاوروبي، ومن اهدافها ايضا ايجاد الوسائل القانونية الدولية لاعادة بناء العلاقات الاقتصادية العربية - الغربية على مبادئ احترام المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام الالتزامات الدولية وتنفيذها، والمنفعة المشتركة من اجل خلق ظروف ملائمة للتعاون الدولي، ورفع مستوى معيشة الافراد في مختلف البلدان، بغض النظر غربية كانت ام عربية، وتهدف السياسة الاقتصادية العربية في علاقاتها مع الدول الغربية والاتحاد إلى ازالة والغاء اشكال التمييز والاستغلال كافة، وقد بذلت من اجل ذلك جهدا كبيرا في مختلف المحافل الدولية.

العلاقات المتكافئة

ان مطالب المجموعة العربية في علاقاتها مع الدول الغربية والاتحاد الاوروبي لا تخدم فقط مصالح الدول العربية أو العلاقات العربية - الغربية والاتحاد الاوروبي، بل تخدم العلاقات الدولية بشكل عام ومصالح الشعوب كافة، وقبل كل شيء مصالح الدول النامية، وهذه المطالب لا تتناقض اساسا مع اهداف ومبادئ الامم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة الاخرى التي ترغب أن يكون العالم وديا وسلميا وديمقراطيا في علاقاته وتعاملاته.

اشارت الكثير من الوثائق الدولية التي تبنت الدول العربية مضامينها في علاقاتها مع بعض الدول المتقدمة بشكل عام، ومع الدول الاوروبية بشكل خاص، كون الاتحاد الاوروبي هو الشريك الاقتصادي الاكبر للامة العربية، إلى ضرورة تحقيق التنمية العادلة والتجارة ذات المنفعة المتبادلة التي تمكن من رفع المستوى المعيشي للناس والاستيعاب الكامل، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي في جميع دول العالم.

ان سياسة التعاون التي تنتهجها الدول العربية هي ضرورة حياتية دولية مهمة، من اجل تنمية اقتصاد الدول كافة، ومن اجل ايجاد تمويل مستقر وثابت لتنميتها الاقتصادية، ومن اجل تحقيق اهداف التعاون والامتناع عن اتخاذ أي تدابير اقتصادية او سياسية تستهدف انتقاص هذا الحق.

كرست المادة (14) من ميثاق حقوق وواجبات الدول، لقضايا تعاون الدول من اجل توسيع التجارة الدولية وليبراليتها، ورفع المستوى المعيشي، ورفاهية جميع الشعوب، ولا سيما الدول النامية، وقد أثرت هذه المادة تأثيرا قويا على المعاهدات والاتفاقات المبرمة بين الدول الاوروبية والدول العربية، لهذا علينا ان نتعاون بهدف ازالة العقبات كافة من طريق التجارة العربية - الاوروبية، وتحسين ظروف وشروط دخول البضائع العربية بأنواعها كافة إلى الاسواق الاوروبية، ومنح الدول العربية، مكاسب اضافية لمصلحة تجارتها العالمية، من اجل تحقيق زيادة ملموسة لعائداتها النقدية، وتنويع صادراتها ورفع وتائر النمو لتجارتها الخارجية، مع الاخذ في الاعتبار احتياجات التنمية فيها، وزيادة امكاناتها من اجل المشاركة في توسيع التجارة الدولية، والاستفادة من هذا الوضع عن طريق تحسين سبل وصول البضائع المهمة إلى الاسواق الاوروبية، وعن طريق اتخاذ تدابير جدية لوضع اسعار مناسبة وعادلة ومستقرة على السلع من الخامات.

ان سيادة الدول العربية على مواردها الطبيعية تشكل مبدأ أساسيا لا ينبغي ان يكون موضع نقاش أو خلاف من قبل الدول الغربية، فقد نص البند الاول من المادة الثابتة من ميثاق حقوق وواجبات الدول على ان تتمتع كل دولة بحرية السيادة التامة والدائمة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية وانشطتها الاقتصادية، بما في ذلك حق التملك والاستخدام والاستثمار، لذلك يجب التوسع في التعامل بهذا المبدأ بين الدول العربية والدول الغربية بصيغ تتطابق مع مضمونه.

ان القضايا المهمة، مثل نظام الاستثمار واستعمال الارباح وتحويلها وعملية ضبطها ومراقبتها، يجب ان تتم وفق قوانين وتشريعات الدول العربية فقط، وبالتطابق مع اهدافها الوطنية، ولا تملك الدول الغربية الحق في الضغط على الدول العربية من اجل اجبارها على تقديم التسهيلات او التنازلات بهذا الشأن، لأنها تدخل ضمن دائرة الاختصاص الداخلي لها، ولا تعتبر مادة للضبط من جانب القانون الدولي كما ترى الدول الغربية.

ان سياسة التمييز التي تمارسها الدول الغربية في علاقاتها مع الدول العربية تشكل خطرا حقيقيا على مسار العلاقات الدولية بشكل عام، وان الحياة العملية الدولية تشير بوضوح إلى مثل هذه السياسة ولاسيما في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، ويكفي على سبيل المثال اجراء مقارنة بين الاتفاقات التي عقدت بين سورية العربية والاتحاد الأوروبي وبين الاتحاد الاوروبي و «اسرائيل» ليغدو التمييز اكثر وضوحا.

نحن ندرك حق الدول الغربية في وضع بعض القيود في مجال تجارتها الدولية، مثلا، لكن بشرط ان تشمل هذه القيود جميع الدول، وليس الدول العربية فقط، خلاف ذلك سنكون امام انتهاك صارخ لمبدأ مهم جدا في العلاقات الاقتصادية الدولية، هو مبدأ عدم التمييز.

ان عدم قبول التمييز من قبل الدول العربية نابع قبل كل شيء من مبدأ التعاون الذي تبنته في سياستها الدولية، ومن مبدأ المساواة بين الدول، وهذه المبادئ يجب ان يسري مفعولها على مجالات العلاقات الدولية كافة، فوضع شروط خاصة للعلاقات الاقتصادية والتجارية من قبل الدول الغربية مع الدول العربية يشكل وضعا سيئا لدولنا بالمقارنة مع الدول الاخرى ومؤسساتها أو شخصيتها الاعتبارية أو مواطنيها.

معضلة في نقل التكنولوجيا

وتعتبر مسألة نقل التكنولوجيا من اهم المسائل الخلافية بين الدول العربية والدول الغربية، وفي هذا المجال بالذات تتوضح سياسة التمييز التي تمارسها الدول الغربية تجاه الدول العربية، على رغم وجود الكثير من الوثائق والقرارات الدولية التي صدرت على مستوى مؤتمرات الامم المتحدة والمتعلقة بالتجارة والتنمية، والتي نصت على ضرورة تقديم تسهيلات خاصة بنقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، وضرورة التعاون في هذا المجال بعيدا عن التمييز وبعيدا عن الاختلاف في الانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول.

لذلك فإن المضمون القانوني لمبدأ عدم التمييز الاقتصادي بين الدول هو:

أولا: انه معيار قانوني الزامي للجميع، وبالتالي لا تستطيع اية دولة غربية ان تبرر اي تمييز تقوم به تجاه الدول العربية.

ثانيا: ان الاعتراف العام بمبدأ عدم التمييز لا يعني عدم وجود استثناءات، فالاستثناء كما ورد في الوثائق الدولية الخاصة بهذا الشأن هو في تقديم التسهيلات لصالح الدول النامية، وعليه فإن على الدول الغربية عدم وضع الشروط وفرض حصار وحظر تكنولوجي على الدول العربية، بل تقديم الستهيلات المناسبة إليها.

ثالثا: لا يمكن اعتبار التدابير الوقائية التي تتحدث عنها الدول الغربية اجراءات تمييزية، وهذا حقها، فالاسباب عدة لسنا في وارد ذكرها الآن، لكن يجب ألا تحمل هذه الاجراءات والتدابير طابعا تمييزيا، بل يجب ان تشمل جميع الدول ومؤسساتها وشركاتها ومواطنيها، لكن الحقيقة العملية تقول إن الدول الغربية تمنع عن الدول العربية ما تمنحه لـ «اسرائيل»، وتحجب عن الدول العربية التسهيلات التي تقدمها إلى «اسرائيل» ايضا، ان مثل هذه السياسة غير مقبولة، وهي تدعو إلى الشك والريبة وتضع العلاقات العربية - الغربية في وضع قلق وغير مستقر.

لذلك، فإن على الدول الغربية والاتحاد ان يعيدا النظر في سياستهما الاقتصادية تجاه الدول العربية، وفي هذا مصلحة لهما قبل كل شيء، ان توسيع مجالات التعاون بين الدول العربية والدول الغربية من شأنه أن يساعد على حل معظم المشكلات العالمية الخطيرة، وفي المقدمة منها قضية السلام في الشرق الأوسط وحوض البحر الابيض المتوسط.

اننا باعتبارنا عربا دوما صادقين في دعوتنا إلى تعاون مثمر وبناء مع الدول الغربية، ونحن نؤمن بالدور الاوروبي، ونشجعه في عملية السلام وفي العلاقات الاقتصادية في المنطقة، لكن يجب ان تكون المساواة في السيادة والمنفعة المشتركة وعدم التمييز في العلاقات الاقتصادية وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وغير ذلك من المبادئ التي وردت في ميثاق حقوق وواجبات الدول هي الناظم والضابط لهذه العلاقات، وهي في اطارها الذي سيقودنا في النهاية إلى العلاقات العربية - الغربية إلى مزيد من الصداقة والمحبة والسلام والتقدم الاجتماعي ليعم الأمن والاستقرار والرخاء العالم كله

العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً