العدد 137 - الإثنين 20 يناير 2003م الموافق 17 ذي القعدة 1423هـ

الحرب الأميركية: لم يعد «صدام» محورا للحديث

الوسط comments [at] alwasatnews.com

يتمنى البعض لو تنحى الرئيس العراقي صدام حسين عن الحكم فيوفر على العراق والمنطقة حربا مدمرة. الا ان مرحلة «ما بعد صدام» بدأت فعلا. فالعراق لم يعد ذلك العراق، والشعب العراقي المعروف بالإباء والشهامة ينظر إلى خيرات بلاده وقد استنزفت في حروب الواحدة تلو الأخرى، وتحول العراق من ارض غنية بكل شيء من الزراعة إلى الطب والصناعة إلى بلد فقير يبحث شعبه عن الدواء ليعالج به الاطفال الذين يعتصرهم الألم في المستشفيات.

الولايات المتحدة ـ من جانبها ـ تستعد لتحويل الموصل، وربما مناطق اخرى، إلى قواعد عسكرية، ولن تخرج من العراق أو الخليج إلا بعد انتهاء آخر قطرة من نفط المنطقة ... بمعنى آخر فانها تستعد للبقاء هنا حتى العام 2250 (بعد مئتين وخمسين سنة) إلا اذا استطاعت الانسانية اكتشاف مصدر آخر للوقود يمكن احلاله محل النفط، ولكن هذا لن يحدث قبل 2100. وبالتالي فإن الولايات المتحدة لم تعد تثق بحلفائها لحماية «مصالحها الحيوية»، وعلى هذا الاساس فإن الجناح اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري الذي يسيطر على اميركا قرر المضي قدما في تنفيذ مخططه من دون الأخذ برأي الاخرين.

الحرب الاميركية المقبلة ليست من اجل احلال الديمقراطية في الشرق الاوسط، فالديمقراطية اساسا ليست في صالح شركات النفط و السلاح الاميركية. والحرب الاميركية ليست من أجل نزع السلاح العراقي، فقد نزع كل شيء ما حدا بالولايات المتحدة المطالبة بنزع «عقول العراقيين»، وترغيب علماء العراق في الهجرة إلى اميركا وبتهديدهم فيما لو لم يجيبوا على الاسئلة التي توجه اليهم.

اميركا كانت تعلم بانتهاكات حقوق الانسان في العراق وكانت تساند النظام حتى عندما قتل خمسة آلاف كردي في قرية حلبجة بواسطة السلاح الكيماوي في نهاية الثمانيينات. واميركا كانت تساند العراق عسكريا وتوفر له تقارير استطلاعية تكشف تحركات الجيش الايراني ما ادى إلى قلب المعادلة العسكرية في العام 1988. وصدام 1988 هو نفسه صدام 2002، لا فرق بينهما... وكذلك اميركا 1988 هي نفسها اميركا 2002، لا فرق في الحالتين. العراق كانت تبحث عن دور قيادي للمشرق العربي وكانت على استعداد لزج امكانات العراق في الحروب من اجل ذلك. واميركا كانت تبحث عن افضل وسائل السيطرة على مصادر النفط، وساندت الحرب العراقية ضد ايران من اجل ذلك.

الادارة الاميركية تتشكل من ايديولوجيين يؤمنون بمبادئ دينية مسيحية متطرفة (ومثال ذلك المدعي العام اشكروفت)، ومن شخصيات مهمة في صناعة النفط. فجورج بوش كان حاكما لتكساس عاصمة شركات النفط الاميركية وكان يعمل في حقل النفط. ونائب الرئيس الاميركي ديك تشيني كان مديرا لشركة نفط كبرى (هاليبورن)، وكذلك مستشارة الامن القومي كونوليزا رايس التي كانت عضوا في مجلس ادارة شركة نفط كبرى. وينضم إلى قائمة العاملين في شركات النفط ويحتلون حاليا مناصب عليا في الادارة الاميركية وزيرة الداخلية ونائبها، ووزير التجارة. ولا يحتاج المرء إلى مزيد من المعلومات لاكتشاف الدوافع الحقيقية وراء الحرب الاميركية على المنطقة. فالعراق هو الحجة الجاهزة والمبرر المتيسر لتنفيذ سياسة كانت اميركا تحاول تنفيذها بوسائل غير مباشرة.

ولذا لم يعد المهم في القضية وجود صدام من عدمه، فإنه سيموت يوما ما، والشعب العراقي تغير بصورة جوهرية، والعراق الذي كان مؤهلا لتسلم دور قيادي كبير في الشرق الاوسط اصبح مختبرا لتجارب الحكم الدكتاتورية وحروب مدمرة واحدة تلو الاخرى.

وعلى هذا الاساس فلتستمحنا الادارة الاميركية العذر عندما لا نصدق أن لديهم هدفا نبيلا في الشرق الاوسط... فلو صرفوا واحدا على عشرة بلايين من الدولارات لمساندة الديمقراطية والوقوف امام العنجهية الاسرائيلية لما انتهينا إلى الوضع الذي نمر فيه حاليا.

وليسمحوا لنا ان نطلب منهم ان يتوقفوا عن الحديث عن صدام وضرورة زواله، فلم يعد للحديث في هذا المجال اي عقلانية

إقرأ أيضا لـ "الوسط"

العدد 137 - الإثنين 20 يناير 2003م الموافق 17 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً