العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ

دعوة عاقلة في ظرف انقلابي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيدا عن كل التحليلات والفرضيات التي طرحتها بعض الجهات عن معنى الدعوة التي وجهتها حكومة عبدالله غول التركية في هذا الوقت بالذات إلى عقد لقاء عاجل يجمع الدول المجاورة للعراق (دول الطوق)، إضافة إلى مصر، لبحث موضوع الحرب المحتملة ومستقبل المنطقة فإن الاجتماع يجب أن يعقد مهما كانت خلفيات الدعوة والنتائج المتواضعة المتوقع صدورها قياسا بحجم التحديات. فالاجتماع أفضل بكثير من عدم حصوله بغض النظر عن الجهة الداعية إليه ومكان اللقاء. فالدول المدعوة وهي تركيا وإيران والسعودية وسورية والأردن معنية مباشرة بتداعيات الحرب في حال وقعت، وهي أيضا معنية بالحشود العسكرية التي تدفع بها واشنطن إلى المنطقة. فهذه الدول المجاورة جغرافيا ستتحمل الكلفة المادية والبشرية المباشرة، وسواء أيدت الولايات المتحدة في حربها أم عارضتها فالنتائج ستكون متشابهة من ناحية احتمال تدفق الهاربين من القصف والدمار إلى الدول الخمس المجاورة، أو من ناحية ردود الفعل من النظام القائم في العراق الذي يتوقع منه ان يقاتل إلى الطلقة الأخيرة. وهذا يعني المزيد من العنف في المواجهة والمزيد من تراكم المسئوليات الإنسانية والسياسية وتحديدا تلك الدول الخمس التي صادفت الجغرافيا السياسية ان تكون على مقربة من مشهد دراماتيكي يتوقع له ألا يمر من دون ترك بصماته العميقة على مختلف الدول العربية.

لاشك في ان الجهة الداعية - وهي تركيا - تعتبر الأكثر علما بالنتائج والأكثر اطلاعا على حيثيات التكتيكات الأميركية التي ستتبع في حال اندلع القتال وبدأ الهجوم الجوي العنيف الذي يتوقع ان يستمر أياما قبل انطلاق القوات البرية أو المحمولة جوا للسيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية في العراق، وتحديدا في الجنوب والشمال والغرب (الحدود مع الأردن).

وعلى رغم ان الدعوة استثنت الكويت، وهي الأكثر التصاقا بالمشكلة، واستبعدت العراق، وهو المعني مباشرة بالموضوع، فإن تركيا اقترحت توجيه دعوة إلى مصر للمشاركة في الاجتماع، وهذه خطوة لها دلالة استراتيجية ومعرفة عميقة بأهمية مصر وموقعها الحضاري المميز ووزنها السكاني ودورها الخاص في لعب تأثيرها على توجهات المنطقة وصوغ شخصيتها وحماية مصالحها. فمن دون مشاركة مصر من الصعب تصور نجاح أية خطوة ذات قيمة في المنطقة، وتحديدا حين يتعلق الأمر بحرب محتملة يرجح لها ان تبدأ بالعراق وتتداعى إقليميا لتطول تأثيراتها السياسية دول الجوار.

مصر في هذا المعنى ضمانة، فهي إلى جانب تركيا وإيران تعتبر أكبر قوة سكانية في منطقة «الشرق الأوسط» ومجموع سكان الدول الثلاث 180 مليون نسمة، وهي إلى جانب تركيا والسعودية تعتبر من أكثر الدول معرفة بالتوجهات الاستراتيجية الأميركية والتوجهات الدولية التي لابد أن تضغط على المنطقة بعد التغييرات التي يروّج لها في العراق. صحيح أن مبادرة رئيس الحكومة التركية تتضمن مجموعة نقاط تتعلق بالأوضاع المتعلقة بالعراق قبل الحرب من نوع الالتزام بالقرارات الدولية ودستور تعددي جديد والديمقراطية والتنوع الحربي إلا ان جوهرها الحقيقي يصب في اتجاه تثبيت سياسات رفض التوجه الأميركي للحرب بسحب كل الذرائع وتحديدا تلك المتعلقة بالنظام العراقي، ومسألة المعارضة والتهديد بتغيير الدولة ونهجها السياسي الداخلي (الديمقراطي) والخارجي (تخويف دول الجوار).

الدعوة هي إجمالا ضربة سياسية تستبق مختلف الاحتمالات بدءا من العناصر التي تريد واشنطن تجميعها باعتبارها ذرائع متنوعة لتبرير حربها على العراق وانتهاء بتلك التوقعات المخيفة للحرب في حال وقعت، وتأثيراتها السلبية على الجغرافيا - السياسية. وأخطر تلك التوقعات دخول دول الجوار في تنافس سلبي على توزيع الحصص، وخصوصا في حال نشوء نوع من الفراغات الأمنية في مناطق مختلفة وتحديدا تلك الأطراف البعيدة عن مركز بغداد.

والأهم من ذلك فإن الدعوة إذا عجزت عن وقف عجلات الحرب المتسارعة فإنها على الأقل تحدّ من مخاطرها الجيوسياسية وتحتوي القدر الأكبر من تداعياتها إضافة إلى أنها تحاصر إلى الحد المعقول والمقبول إمكانات دخول دول الجوار في تنافس سلبي على توزيع الحصص، وهذا من أسوأ السيناريوات التي يمكن حصولها. قمة الدول الست ضرورة استراتيجية لأنها تأتي في ظرف سياسي انقلابي يحتاج إلى دول عاقلة لقراءة أسبابه وتطويق نتائجه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً