العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ

صحافيو الحرب... يجب ألا يهرعوا إلى العسكر

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

يبدو الأمر وكأنه عرض آخر لحرب الخليج الثانية التي جرت حوادثها في العام 1991. ففي تلك الفترة قاتل الصحافيون الأميركيون مثل النمور من أجل الانضمام إلى «الحشد»، ليشاهدوا الحرب لحظة نشوبها، وليكونوا مراقبين أيضا للحوادث. فذهبوا إلى الظهران قبل أحد عشر عاما وارتدوا الخوذات ولبسوا الغطاء الواقي من الغازات، وتزودوا بالمؤونة من الشوكولاتة إلى عدسات العين التي تضيق عندما ينظرون في مواجهة الشمس، كما كان الحال مع الجنرال مونتغمري من قبل.

نصف المراسلين حينها كانت لديهم الرغبة في ارتداء البزة العسكرية. أتذكر أن مراسلا تلفزيونيا شابا من الغرب الأوسط الأميركي، وقد جاء بفردتي حذاء مموهة بأوراق مرسومة. ولقد عجب أولئك الذين كانوا في الصحراء من قبل ماذا يعني التمويه بالأوراق. فهو كان يرمز إلى خيال جامح، وإلى تلك النوعية الحقيقية التي يعتمد عليها غالبية من يشاهدون حربا «حية» تبث مباشرة على الهواء.

وهكذا كان الحال خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، إذ تدفقت أعداد ضخمة من مراسلي شبكات التلفزة الأميركية إلى الكويت، ليلبسوا بزاتهم العسكرية، وللتأكد من انه عندما يجيء اليوم الموعود سيتمتعون بتلك النوعية من التغطية التي يرغب بها كل مراسل وجنرال! حقائق قليلة، وصور جميلة، ولا شيء يعتريه الغبار حتى يصاب المشاهد بالاشمئزاز.

وتذكرت وأنا أعود إلى العام 1991 أن الجنود العراقيين وحدهم كانوا كريمين بما فيه الكفاية ليموتوا في مواقف خيالية، وعندما تبتر الأذرع يتم إخفاء بقية المنظر لتصلح أن تكون صورا حية. وأولئك الجنود مزقت أشلاءهم مخالب الكلاب الوحشية، وهو ما شاهدته بنفسي في مجموعة أفلام القناة الثالثة، التي لم يسمح ببثها على الشاشة.

والأميركيون يستخدمون في الواقع كلمة «احتواء» الصحافيين، وان من الواجب ضمهم واستيعابهم في الوحدات العسكرية. فالقيادة المركزية في فلوريدا قلقة من ان يقوم صدام حسين بارتكاب إبادة جماعية - كاستخدام الغاز ضد الشيعة في الجنوب أو قصف المدنيين العراقيين من الجو- ومن ثم يلقي التبعية على الأميركيين، حينها يمكن للمراسلين الموجودين أن يهبوا إلى موقع الحوادث ليثبتوا (للعالم) انه عمل غادر وليس دمارا مصاحبا للحرب. لقد بدأت علاقة زمالة السلاح، كما يسميها رجال وزارة الدفاع الأميركية، منذ 11 عاما. والقوات الأميركية الموجودة في الكويت لم تتوان عن تقديم دروس في الحرب الكيماوية والبيولوجية إلى الصحافيين الذين ربما يرافقون الجنود في المقدمة، إلى جانب الحاجة إلى التدرب على حماية الأمن أثناء العمليات العسكرية. وتدعم قناة الـ (سي إن إن) بحماس هذه «الكورسات»، متناسية كيف سمح لمتدربي البنتاغون بملازمة المراسلين والجلوس في غرفة الأخبار معهم أثناء حرب العام 1991.

وهنا قائمة موجزة لما ستشاهده من كذب ودعاية على شاشة تلفزيونك بمجرد بدء حرب الخليج الثانية (أو الثالثة إذا وضعنا في الاعتبار الحرب الايرانية - العراقية في الأعوام 1980 - 1988). ولكن عليك أن ترتاب في الأمور الآتية:

الصحافيون الذين يستخدمون معدات عسكرية أميركية أو يرتدون بزات عسكرية بريطانية، خوذات، جاكيتات مموهة، أسلحة...إلخ.

الصحافيون الذين يقولون «نحن»، وهم يشيرون إلى وحدات القوات الأميركية والبريطانية التي ينتمون إليها.

الصحافيون أولئك الذين يستخدمون كلمات مثل «الدمار اللاحق» بدلا من تعبير«قتل المدنيين».

الصحافيون الذين يبدأون بالإجابة على الأسئلة بالكلمات الآتية: «... بالطبع، بسبب الاجراءات الأمنية العسكرية لا أستطيع أن أفشي سرا...».

أما اولئك الذين يتحدثون من الجانب العراقي فيشيرون بصورة جازمة إلى «السكان العراقيين»، أي شعب صدام.

الصحافيون في بغداد الذين يشيرون «إلى ما يصفه الأميركيون بانتهاكات صدام لحقوق الانسان»، بدلا من التعذيب الواضح والجلي الذي نعلم جميعا أن صدام يمارسه.

الصحافيون الذين ينقلون من كلا الطرفين ويستخدمون العبارة الفضفاضة التي تبعث على الأسى والأسف: «قال مسئولون» من دون ذكر أسمائهم... فعلى من تقع كلمة «مسئولون» بالضبط

العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً