العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ

حان وقت خفض التوتر السياسي في الكويت

حتى لا يكون «الإصلاح» من توابع «الزلزال»

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

لا يغيب عن المراقب للعمل السياسي في الكويت اليوم انه عمل أصبح مصاحبا للتوتر العالي، متأرجحا وغير مستقر، يخرج عن الإطار الذي يرسمه الدستور في العلاقة بين السلطات المختلفة، ويصب في مصب غير آمن للوطن، في الوقت الذي تهب فيه رياح قوية وعاتية في الجوار لا يعرف أحد ما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل القريب، سواء كانت باتجاه التغيير في بغداد أو الاستمرار، فكلاهما يحتاج إلى إعمال فكر كويتي ثاقب النظرة.

استقالة يوسف الإبراهيم من الوزارة العتيدة، تنم عن عرض لمرض تمكن في العمل السياسي الكويتي في السنوات الأخيرة، إلى درجة أصبح معها ظاهرة عامة، فبجانب كون الإبراهيم رجلا متخصصا وإصلاحيا، لا يشك أحد لا في نزاهته ولا في نظافة يده، وجد الرجل أمامه من العقبات ما لا يستطيع شخص أن يسايره، كما أن الكثير من الوزراء يسرون إليك متذمرين من الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه، في الوقت الذي تعطلت فيه الكثير من قضايا الوطن الأساسية، لتدخل في مأزق تسجيل المواقف، أكثر ما تميل إلى الإصلاح وحل المشكلات العالقة، وأصبحت الإدارة في غالبيتها «تنفيع» تحت الخوف من طائلة المساءلة السياسية، أو استجلاب منفعة للمراقبين، أكثر منها لخدمة خطة تنموية يحتاج إليها الوطن ككل، لا فئة من دون فئة.

الوزارة الحالية تعرض أعضاؤها أكثر من أية وزارة سابقة، لاستجوابات برلمانية، بعضها يجد المراقب انه محق الإجراء، نابعة من مناطق معقولة من الاعتراض، ومتابعة للخطأ في التنفيذ، و بعضها الآخر يقدم لمجرد تصفية حسابات، تكاد تكون شخصية، أو تحقيق مصالح ولا تخرج عن ذلك، كما أن البرلمان نفسه وجد أعماله شبه معطلة، إلى درجة أن يقدم احد النشطين فيه، وهو العضو سيد حسين القلاف استقالته من العمل البرلماني، بسبب ما خبره من عمل سياسي غير منتج.

التوتر في العمل السياسي الكويتي سيجعل من أيام الحكومة القائمة أيام أزمات، وقد يتطور الاختلاف المقبول في الرؤى إلى خلاف غير واضح الهوية، لا يعرف المواطنون سببا واضحا للنزاع ولا يتبنون أسباب النزاع، ما يزيد الوضع السياسي قتامة.

يرى البعض أن بعض الأسباب الموضوعية لهذا التوتر العالي غياب خطة متكاملة وموضوعية تريد الإدارة الحكومية أن تقوم بها، فقد تغيرت الحكومات في الكويت في السنوات الأخيرة بوتيرة متسارعة، وأصبح الجميع في انشغال عن تنفيذ خطط تنموية طموحة ومتوسطة الأجل بإرضاء هذا أو ذاك أو النظر في عدم إغضاب هذا، وأصبح الوزراء في معظمهم عرضة للمساءلة فيما تجب المساءلة فيه أو غير ذلك، كما أصبحت المساءلة هي لأسباب شخصية في كثير من الأوقات، تسعى إلى تحقيق أهداف قد تحقق مصالح البعض ولكنها بالتأكيد تضحي بمصالح المجموع، لقد أصبح الانقسام السياسي في الكويت يبتعد عن السياسة ليصب في التقسيمات الاجتماعية، وهذه أخطر ظاهرة تصيب السياسة وتصيب المجتمع، فالانتصار والتحزب هنا ليسا للرأي بل للفئة الاجتماعية.

ولم تكن الاستجابة الحكومية تجاه هذه الأزمات المتكررة استجابة مدروسة بقدر ما كانت استجابة لإطفاء الحرائق الصغيرة المشتعلة أو بذل الجهد الكثيف لتأجيل اشتعالها، أما القضايا التي طرحت والتي اهتم بها الناس، فقد وجدت لها حلولا وسطى، وهي حلول قد لا تستقيم معها فترة طويلة، فكل قضية ـ مثل قضية التأمينات أو قضية التعليم المشترك أو الجامعات الخاصة أو التقاعد أو أراضي الدولة ـ معظمها وجدت حلولا مؤقتة، لم تأخذ بقدرة البلد على الوفاء بها، كما لم تأخذ من النقاش ما يكفي لإقناع الآخرين بخطأ موقفهم، وتحولت معظم أزمات السياسة في الكويت إلى أزمات شخصية، يكون هذا الوزير أو ذاك هو سبب الأزمة بصرف النظر عن استحقاقات الوطن نفسه.

هل مثل هذا الجو السياسي يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، عن طريق الخروج من تأزم للوقوع في أزمة إلى أن يصل الأمر الى أن يصبح الوزراء غير آمنين على ما يقولونه بين جدران أربعة، كما أصبح العاملون في الإدارة الحكومية غير آمنين على وظائفهم، لأن الولاء أصبح شخصيا ومباشرا و ليس باتجاه العمل للوطن وما ينفع الناس؟

في مثل هذه الأجواء المحلية، التي تعصف بها أجواء إقليمية أوسع بالغة التعقيد، ومنذرة بالخطر ـ منها التغيير المرتقب في الشمال من الكويت، وفي الوقت الذي تحمل وكالات الأنباء صورا للجنود و المعدات يوميا خارجة من المنطقة تقول للعالم اجمع ان ثمة مخاطر حرب على الأبواب ـ يحتمي بعضنا بالنظر إلى الأسهل من المشكلات ويبعد نظره عن الأكثر تفجرا.

أحد سيناريوهات الحرب المطروحة، تغيير جذري في العراق، يطلق ضمن ما يطلق استحقاقات مر عليها زمن طويل، ولا يجدي هنا الركون إلى تجارب سابقة، فالمقبل هو زلزال يشبهه البعض بأنه سيخلف من النتائج أكثر مما خلفته الحرب العالمية الثانية في العالم، وهو زلزال بؤرته هذه المنطقة من العالم، التي أصبح التأزم فيها وكأنه الغذاء للجميع لا يطوى يوم إلا به.

المطروح مع الزلزال المقبل كلمة كبيرة وهي (الإصلاح) التي تعني بتفاصيلها قدرا من الشفافية الإدارية، وقدرا كبيرا من حقوق الإنسان، وقدرا اكبر من قبول التعددية، وإشراك جميع المواطنين ـ بمن فيهم المرأة ـ في العمل العام، والانفتاح على الآخر، وضخ الموارد المتاحة في عروق تنمية حقيقية، لا فئوية ولا مصلحية، تنمية تفيد المواطن البسيط، وكل ذلك يتبعه أو يسايره تنقيح في المؤسسات التعليمية والثقافية، تتيح مساحة أكبر لقبول الآخر، وتحقيق المساواة القانونية بين الناس، فلا يمكن أن تبقى ـ مثلا ـ سياسات التعليم (وهي مركزية) في المقبل من الأيام في مهب تجاذب وتنافس سياسي، كما لا يجوز أن تبقى بقية المؤسسات محط «تنفيع» سياسي قصير النظر ومعطل للإمكانات.

هذا السيناريو المطروح علينا جميعا في المنطقة بعد عشر سنوات أو تزيد من التحرير، وبعد أن أزف وقت إغلاق الملف في شمال البلاد، فلم يعد للدكتاتورية والقمعية أو الشمولية مكان تحت الشمس، وأصبحت التعددية هي القيمة المبشر بها على نطاق واسع، مثلها مثل الحريات العامة وإعلاء قيمة المواطنة.

في مثل هذه الأجواء لابد أن يتنادى العقلاء ـ كما حدث في تاريخ الكويت من قبل ـ للحفاظ على الوطن ترابا وفكرة، والوطن بمواطنيه وقدرتهم على العطاء من دون منة أو ابتغاء مصالح ضيقة، سواء كانت شخصية أو سياسية.

لعل أول ما ينبغي النظر إليه هو آلية العمل السياسي الكويتي، فقد آن الوقت الى أن يعاد النظر في كثير من مسلماتها، وينظر في نصوص الدستور الذي أكد راسموه الأوائل ضرورة النظر في مسيرته بعد خمس سنوات من التطبيق، والآن بعد كل هذه السنوات من الخبرة ـ التي كان بعضها إخفاقا واضحا ـ جاز الحديث عن الموضوع بجدية يستحقها، وبمسئولية تاريخية يتوخاها أهل الرأي، وذلك من أجل تعزيز الحريات العامة، ومشاركة نصف المجتمع المعطل وتوسيع دور المواطن في العمل العام. كما وجب النظر في خطوات التنمية، فبدلا من الركون إلى الريعية في العمل التنموي، جاز أن ينظر في خطط حقيقية لتحويل المجتمع من ريعي إلى منتج، وان يتحمل الجميع مسئولياتهم.

لقد تدهور العمل السياسي في الكويت حتى أصبح مأزوما كل يوم بسبب ندرة من يقول الرأي المجرد من الذرائع أو المصالح الضيقة، وقد آن الأوان بعد كل هذه الأزمات الى أن نقف للنظر من حولنا، وننادي على أهل الرأي، أن علينا جميعا مسئولية خفض درجة التوتر، الذي أصبح مرادفا للعمل السياسي في بلادنا، وان كانت هناك قرارات صعبة يجب أن تتخذ في سبيل خفض ذلك التوتر فقد آن أوانها

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً