العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ

خليج توبلي: أحد أغنى بيئات التنوع البيولوجي في مملكة البحرين

يمثل خليج توبلي أحد أغنى بيئات التنوع البيولوجي في البحرين، بيد انه تعرض بفعل عمليات الردم البحري لضرر وتدمير شديدين، فبينما كانت مساحته تقدر بنحو 24 كيلومترا مربعا في عام 1956، أصبحت لا تتعدى 10 كيلومترات مربعة فقط العام 2000.

إن تهديد التنوع البيولوجي بخليج توبلي، وتهديد ما تبقى فيه من أشجار القِرَمْ مثال للخروقات غير القانونية وعدم التقيد بما ورد في المراسيم والقرارات المعنية بالبيئة، علما أن لهذا الخليج انعكاسات مؤكدة على حماية البيئة وعلى قطاعات حيوية أخرى، كالسياحة والثروة السمكية وغيرها.

ان أقصى سعر للقدم المربع من ارض خليج توبلي المردومة بلغ في المتوسط ثلاثة دنانير، وحيث ان الخليج فقد بسبب جشع الخارجين على القانون كيلومترين مربعين خلال العامين 1998-2000، لذا فان العائد من بيع تلك الأراضي الجرداء المردومة بلغ خلال السنتين المذكورتين فقط 43,1 مليون دينار، ويمكن ان يصل أقصى عائد 107,6 ملايين دينار على افتراض ان السعر بلغ سقف الخمسة دنانير.

ولكن الفرق هائل بين عائد متر مربع قضي عليه إلى الأبد، وبين ذلك المتر المربع الذي كان مكتنزا بما لا يحصى من صغار الأسماك والطحالب والقواقع والإعشاب البحرية، وأشجار القرم وما تحت القيعان من ديدان وأحياء تشكل مصدرا حيويا للأسماك والطيور البحرية، وما يشكله كل ذلك من رافد حيوي للثروة السمكية في أعماق البحر.

الفرق ان الحيز الحي كان ثروة عامة ترفد الوطن آلاف السنين بمقومات الحياة وترفد الاقتصاد بدخل لا ينقطع، أما الحيز المكاني المردوم فهو لا يتعدى كونه عائدا ماديا ذا نزعة فردية بحتة، تأتى عبر الاعتداء على مصالح المجتمع. وقضى على ثروة وأصل اقتصادي واجتماعي، عائده كان للوطن.

من جهة أخرى، تكشف مسارات المتغيرات المحيطة بخليج توبلي افتقار التنسيق بين الخطط الإسكانية، والبرامج التي من شأنها حماية الحياة الفطرية، إذ أن 14 كيلومترا مربعا من مساحة خليج توبلي قد قضت عليها عمليات الردم العشوائي، بمعنى، أن عمليات إنشاء الفلل السكنية قد تعدت على أخصب مناطق البلاد من حيث التنوع البيولوجي، وهذا في حقيقة الأمر يعتبر تعديا صارخا على عنصر نادر في الاقتصاد الوطني، وخسارته تعتبر خسارة لأصل طبيعي لا يمكن تعويضه.

لقد ترتب عن الأنشطة الاقتصادية الخاصة والعامة إعياء لبيئة خليج توبلي والبيئات المشابهة، وتراجع المساحات المهيأة لتكاثر أشجار القرم فيها بأكثر من الثلث، الأمر الذي اثر على البيئات المثلى لتكاثر صغار الأسماك والقشريات، على رغم صدور قرار مجلس الوزراء رقم 21 لسنة 1993 بإنشاء اللجنة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، وصدور المراسيم المعنية بحماية البيئة والحياة الفطرية. إن هذا يطرح ضرورة وجود جهاز رقابي يضمن التقيد بتنفيذ القوانين وإخضاع المخالفين لما تنص عليه مثل هذه القوانين من روادع.

وفي دراسة عن أشجار القرم في دولة البحرين، أشير إلى أن عمليات الردم للتعمير وشق الشوارع أو لتهيئة المواقع السياحية أدى إلى دفن 300 هكتار من مواقع أشجار القرم في خور توبلي ورأس سند، الأمر الذي جعل أشجار القرم في وضع خطير . وأشارت الدراسة إلى تحول بعض المناطق إلى مواقع لردم المخلفات المنزلية ومخلفات البناء، بجانب تصريف مياه الصرف الصحي الذي غير لون المياه بفعل النشاط المفرط للبكتيريا في تلك المنطقة. هذا بجانب الملوثات النفطية والصناعية وزيادة تصريف الملوحة جراء تحلية مياه البحر، وتصريف نواتج غسل الرمال المحتوية على نسبة عالية من الطمي والسلت، وتصريف المياه الساخنة الناتجة عن عمليات التبريد في بعض المصانع. الأمر الذي اثر على الأسماك والطيور في مناطق القرم. وتشير الدراسة إلى انه لم يتبقَ سوى مناطق بسيطة من أشجار القرم، أكبرها منطقة رأس سند وسترة ومناطق صغيرة جدا في العكر.

وعليه، يمكن القول أن المعايير المطلوبة لاستمرار التنوع البيولوجي في الخليج تراجعت بشكل كبير بفعل الردم ومخلفات محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي، ومخلفات مصانع غسيل الرمال المحاذية للخليج.

لذلك، هناك ضرورة ماسة للتعجيل في تنفيذ توسعة محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي، التي من شأنها إيقاف تدفق المياه المعالجة ثنائيا باتجاه الخليج. وبجانب ذلك، فإن وجود مصانع على ضفاف الخليج، منها مصانع غسل الرمال، تعبير آخر عن غياب البعد البيئي في عمليات تقييم المشروعات الصناعية.

إن درجة التدمير البيئي الذي أصاب أشجار القرم في الكثير من المناطق، وتدمير التنوع البيولوجي في محيطها، يتطلب استنفار الأجهزة المعنية بالبيئة، بالقدر الذي يتطلب إعطاء أولوية للإدارة البيئية في إطار إدارة التنمية الاقتصادية الاجتماعية. فالحفاظ على البيئة يجب أن يكون أحد أهم العناصر الاستراتيجية في تلك التنمية التي تتصف بالاستمرارية، ولابد من توظيف مفاهيم الاقتصاد البيئي عند احتساب الناتج المحلي الإجمالي.

ولضمان عدم الإضرار بالمحيط الحيوي، يجب انتهاج التخطيط البيئي والمحافظة على البيئة بما تعنيه من مراقبة للمشروعات الاستثمارية من منظور بيئي، وفرض رقابة على أنشطة الاستثمار الخاص، مع إيقاف الردم العشوائي وعمليات ترك المخلفات المنزلية والصناعية التي لابد وان تقود إلى القضاء على أغنى مناطق التنوع البيولوجي في البحرين. ولأجل ذلك لا مناص من انتهاج التخطيط التنموي بمنظور التنمية المستدامة، الذي يضمن الفوائد والمكاسب من عملية التنمية، ويضمن في الوقت نفسه، المحافظة على مفردات المورد البيئي، مع ضرورة عدم الاكتفاء بسن القوانين والتشريعات، بل لابد من متابعة تنفيذ تلك القوانين، ومعاقبة المخالفين باعتبارهم خارجين على القانون، ومتعدين على البيئة. الشكل أدناه يظهر استمرار تراجع مساحة خليج توبلي بفعل الردم العشوائي على رغم صدور الكثير من المراسيم الصريحة القاضية بمنع الدفان والتعمير في الخليج.

التشريعات والإدارة البيئية

وعليه، لا بد من النظر إلى المعتدين على البيئة باعتبارهم خارجين على القانون، ولابد أن تتدخل القوة الجزائية للحفاظ على البيئة باعتبارها قيمة مجتمعية. فالقوانين والقواعد التنظيمية لن تجد لنفسها مكانتها المطلوبة ما لم تستكمل بإيجاد نوع من الحماية الجزائية عن طريق تحديد الجزاءات تحديدا، ومراقبة التقيد الصارم والدقيق بالقوانين والتشريعات عبر قوة الجبر التي تلزم الخارجين عليها باحترامها والرضوخ للقواعد العامة حماية للفرد والجماعة.

إن الآثار الاقتصادية لتدهور المناطق التي تتسم بثرائها وتنوعها البيولوجي آثار مؤكدة، فالتنوع البيولوجي مصدر لتكاثر الموارد من الأحياء البحرية، وهو مصدر لتعزيز لبنة في قاعدة البنية الأساسية لقطاع السياحة، كما أن آثاره الاجتماعية لها حساباتها المختلفة. وإذا كان التخطيط البيئي والمحافظة على البيئة يعني مراقبة المشروعات الاستثمارية من منظور بيئي، فان هذا يفترض إخضاع الأنشطة كافة للمراقبة من منظور بيئي

العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً