تعد البرامج السياسية واحدة من أهم البرامج التي يقوم عليها البناء العام للبث التلفزيوني في غالبية المحطات والقنوات التلفزيونية في العالم، إذ تشير الكثير من الدراسات إلى أن هذه البرامج شغلت مساحة كبيرة في خريطة البث اليومي، ففي التلفزيون الأميركي تصل نسبة هذه البرامج إلى 20 في المئة من المجموع العام لساعات البث، وفي ايطاليا تصل إلى 40 في المئة، وفي الأقطار العربية يصل معدلها إلى ما بين 16 و22 في المئة، وهي في جميع الأحوال تمثل المواقع الأولى من بين أنواع البرامج التلفزيونية الأخرى.
وتشير الدراسات أيضا إلى أن هذا النوع من البرامج يحظى باهتمام ومتابعة المشاهدين، إذ تشير احدى الدراسات العربية إلى أن البرامج السياسية تحظى بمتابعة المشاهدين بانتظام.
ولعلنا نتساءل عن سر الاهتمام بالبرامج السياسية من قبل المحطات والقنوات التلفزيونية الفضائية، وكذلك عن سر اهتمام المشاهدين بهذا النوع من البرامج. وباختصار يمكن القول أن سر هذا الاهتمام يعود إلى ما يمكن أن تلبيه هذه البرامج من حاجات ترتبط بطرفي عملية الاتصال (المرسل والمستقبل) إذ يمكن اجمال الحاجات التي تلبيها هذه البرامج بالنسبة إلى المرسل، كالآتي:
زيادة معلومات الجمهور بهدف تحقيق التواصل معه عبر استثمار وسائل الاتصال التي يعد التلفزيون من أهمها إذ يستطيع أن يعمل باعتباره مضاعفا لمصادر المعلومات، وخلق آراء جديدة لدى الجمهور عن موضوعات وقضايا يهتم بها، وغرس وتدعيم القيم والتقاليد السياسية مثل الحرية والمساواة واحترام القانون والمشاركة في الفعاليات السياسية عموما، والسعي إلى تكوين الرأي العام واتخاذ القرارات ازاء القضايا المهمة، وتحقيق التعبئة المطلوبة التي تجعل من المواطن قادرا على أداء فعله ازاء الحوادث السياسية الكبيرة، والتصدي للأفكار التي تطرحها البرامج السياسية في القنوات التلفزيونية الأخرى والتي أصبح بامكان المشاهد الاطلاع عليها بسهولة من خلال البث الفضائي.
أما بالنسبة إلى أسباب اهتمام الجمهور (المستقبِل) بالبرامج السياسية فيمكن تحديدها، كالآتي:
ما يتعلق بطبيعة الانسان نفسه، فهو كائن اتصالي بطبيعته وهو بحاجة دائما إلى الاختلاط وزيادة معرفته بالأشياء، وحدوث الأزمات السياسية وما يمكن أن تشكله هذه الأزمات من خطر على حياة الفرد وتهديد مصيره، والاهتمامات الخاصة للأفراد في التعرض إلى البرامج السياسية، وهو أمر يرتبط بالكثير من المتغيرات الاجتماعية والنفسية، فكلما زادت هذه الاهتمامات كلما زاد التعرف على البرامج.
وتشير الكثير من الدراسات إلى أن مضمون الاتصال أو الرسالة يعد من العوامل المؤثرة في تحقيق هدف الاتصال، وعليه يشترط توفير الكثير من المواصفات في مضمون البرامج السياسية التلفزيونية كالوضوح والملامسة لحاجات الجمهور، ودرجة تلبية المضمون للاحتياجات وتجانسه مع الأفكار والمعتقدات الثقافية والحضارية والدينية للأفراد، وكذلك نوع الاستمالات العاطفية والعقلية التي يحركها لديهم.
ومن هنا نجد أن عنصر الجمهور وطبيعته من العناصر التي تدخل باعتبارها عوامل مؤثرة في تحقيق هدف الاتصال إذ تدخل اهتمامات الجمهور في المضمون وكذلك آراؤه ومعتقداته الشخصية وكذلك درجة المعلومات التي يحملها الفرد عن الموضوع واتجاهاته نحو نفسه ونحو المجتمع وتأثير المجتمع عليه، ويلعب عنصر التعليم والتنشئة السياسية والتربوية والأسرية دورا مهما في درجة تأثير المضامين المقدمة إلى البرامج السياسية.
وترتبط درجة تأثير البرنامج السياسي التلفزيوني بشخصية القائم بالاتصال، إذ تزداد درجة التأثير كلما زادت درجة ثقة الجمهور به فضلا عما يمتلكه من مقومات الشخصية التلفزيونية الناجحة.
ويأتي أيضا دور الوسيلة (التلفزيون) وما يمكن أن توفره من عناصر ذات تأثير كبير من خلال سهولة وصولها إلى الجمهور وقلة كلفتها وكذلك قلة الجهد المطلوب من الجمهور، فقد أصبح التلفزيون في مقدمة وسائل الاتصال تأثيرا في حياة الجماهير، وأصبح أيضا من عوامل توحيد الأفكار والمشاعر بين الناس، إذ يوحد عاداتهم وتقاليدهم وأنماط سلوكهم وقميهم لأن الآلاف منهم يشاهدون المؤثرات نفسها فهو يساعد على تحقيق وحدة الفكر ويسهم في اقتراب الأذواق الجمالية، وقد عد علماء النفس والاجتماع والسياسة والاتصال التلفزيون مؤسسة انسانية تمارس دور المؤسسات التعليمية في حياة الفرد.
واستنادا لما تقدم يمكن القول أن تأثير البرامج السياسية التلفزيونية لا يمكن أن يتركز على خصوصية التلفزيون وسيلة اعلامية فحسب وانما يرتكز أيضا على شخصية القائم بالاتصال ومعرفته بطبيعة الجمهور المخاطب وصوغ مضمون الرسالة واللغة المستخدمة فيها واختيار الشكل المناسب إلى البرامج، ففي الوقت الذي تتعدد المضامين السياسية للرسائل التلفزيونية فانها تطرح وفقا للكثير من الأشكال والمعالجات الفنية
العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ