العدد 173 - الثلثاء 25 فبراير 2003م الموافق 23 ذي الحجة 1423هـ

القانون ليس قانونا إذا لم يطبّق على الجميع

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كثيرة هي الأمور التي تفرّق بين الإنسان والحيوان، غير أن أهمها أربعة عوامل مكّنت الإنسان (الحيوان العاقل) من بناء مدنية وإقامة حضارة، بينما عجز عن ذلك الحيوان (غير العاقل) وهي: امتلاك الإنسان قدرات السياسة والعلوم والتنظيم والقانون.

فالعلوم الطبيعية وغير الطبيعية وقدرة الإنسان على اكتشاف قوانين الطبيعة واختراع منتجات وخدمات هدفها تسهيل الحياة اليومية للإنسان مع الحفاظ على أو تطوير الجمال والذّوق وكل ما يتصل بتحضر وتمدّن الإنسانية.

غير أن العلوم ليست كل شيء، ولو كانت القضايا التي يواجهها الإنسان يمكن إرجاعها إلى معادلات رياضية لما احتاج الإنسان إلى السياسة، فالسياسة يحتاج إليها الإنسان لأن المعادلات الرياضية والعلمية الصارمة لا يمكن تطبيقها، أو انه لا توجد حلول علمية واضحة. وبالتالي يحتاج الإنسان إلى وسيلة ما لحل خلافاته مع أخيه الإنسان من أجل تسيير الأمور، وبالتالي كانت الحاجة إلى السياسة.

التنظيم أيضا سمة ملازمة للنشاط الإنساني، إذ لا يمكن تحقيق أي شيء من دون وجود رئيس ومرؤوس وتوزيع للجهود، وإلا فإن الطاقات كافة تنتهي إلى الضياع من دون تحقيق الهدف. يبقى أن بني البشر قد يكونون متخلفين في أساليب التنظيم أو متطورين، وبعضهم يلجأ لأساليب التنظيم البدائية التي تعتمد على اتباع الأكبر سنا حتى لو لم يفهم شيئا، أو اتباع صاحب العضلات أو اتباع من له قدسية أو أسبقية وراثية أو عن طريق انتخابات حرة... إلخ.

مهما كان الأمر، لا يمكن للإنسان أن يعيش إلا بوجود نظام ما، وهذا ما أكده الإمام علي (ع): «لابد للناس من إمام برٍّ أو فاجر».

ثم فوق تلك العوامل يأتي دور القانون. القانون يترجم إبداعات الإنسان أو تخلفه على المستويات العملية والسياسية والتنظيمية، والقانون هو محصلة الخبرة المتراكمة لدى الإنسان اعتمادا على ما حدث في الماضي.

ولكن القانون ولكي يكون قانونا بالمعنى الإنساني الصحيح له، يجب أن يعبر عن إرادة الأمة ويجب أن يطبق على الجميع، وإلا فإنه غير عادل ولا يحقق الهدف الأساس وهو حفظ الأمن والاستقرار مع ضمان العدالة بين الناس ودعم التنمية الاقتصادية لتسهيل حياة الناس. ولذلك فإن القانون ليس قانونا إذا لم يطبق على الجميع، والقانون ليس قانونا إذا كان يستهدف مصلحة فئة محدودة من الناس على حساب الآخرين، بل يصبح أداة للظلم سرعان ما يؤدي استفحاله إلى حدوث قلاقل وانتفاضات وثورات إنسانية سعيا لإعادة الأمور إلى نصابها.

وباعتبارنا مسلمين فإننا نعتقد أن إرادة الأمة ينبغي أن تكون في اتجاه واحد مع رضا الله، فالله يأمر بالعدل والإحسان، والإنسان لا يستطيع أن يعيش هانئا إلا بوجود العدل والإحسان.

وعلى المستوى الحضاري الحديث فإن إرادة الأمة تتمثل في برلمان يتشكل بطريقة دستورية للدفاع عن المصالح العامة. وأهم مهمات البرلمان هو إصدار القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية. والمراقبة تعني المحاسبة المسئولة لتصرفات المسئولين، وتعني ان المسئول يؤمن بقدسية عضو البرلمان، لقد أعطى دستور مملكة البحرين حق محاسبة الوزراء والمسئولين للمجلس النيابي المنتخب، ولكن لحد الآن لم يمارس المجلس النيابي هذا الدور المهم، ولا يوجد شيء يقف أمام المجلس النيابي سوى الأعضاء أنفسهم، فهم الذين تقع على عواتقهم مسئولية المبادرة للسؤال والمحاسبة.

والمجلس النيابي إذا لم يمارس دوره الحقيقي فقد يتحول إلى مجلس لوضع العقبات كلما اشتدت عليه الإهانة جراء عدم قدرته على محاسبة الوزراء. فمعارضة المجلس النيابي توفير قدر من المال للمشروعات التنموية ربما لشعوره بأنه لم يستطع أن يقوم بدوره الأساس، ولذلك كان عليه أن يثبت ذاته وقدرته في معارضة الحكومة. ولكن المجلس النيابي لديه فرص ذهبية لإثبات قدراته. فعندما وجه أسئلة إلى وزير المالية ولم يحصل على أجوبة كان بإمكانه (ولايزال) أن يصر على مطالبه وان يستعجل الحصول على أجوبة. على المجلس النيابي ان يسأل جهاز الأمن الوطني وعليه ان يسأل الوزراء الذين أصدروا القرارات في وزاراتهم، وهم يعتقدون أنه لا يوجد أحد يستطيع مساءلتهم، لأن الوزير في بلادنا «امبراطور» ولديه وزارة يعتبرها امبراطوريته الخاصة به، يستطيع أن يفعل فيها ما يشاء.

ثم إن المجلس النيابي يستطيع مساءلة المسئولين عن بعض القرارات المجحفة ويستطيع مساءلة الدوائر عن عدم قيامها بواجبها لمنع المتنفذين من تدمير الأراضي الزراعية... ويستطيع المجلس النيابي إحضار أي مسئول ومطالبته بتوفير الإجابات الواضحة التي تثبت أن القانون الجيد يطبق على الجميع، على المواطن الغني والمواطن الفقير. فالواضح أن القوانين لا تسري على فئة من الناس والعقوبات لا تصل لهذه الفئة مهما عملت من تجاوزات ومن فساد إداري وتلاعب بالمال العام...

وعلى هذا الأساس فإن القوانين الجيدة المتوافرة في مجالات كثيرة لا تصبح فعالة، لأن هناك اعتقادا لدى كثير من الناس بأن القوانين تستثني المتنفذين، أو ان القوانين لها مداخل وتعقيدات ولا يستطيع الاستفادة منها إلا من لديه نفوذ أو لديه واسطة لذلك النفوذ. وعلى هذا الأساس فإن بعض المشروعات الاستثمارية التي تعرض على القطاع الخاص لا تلقى نجاحا لاعتقاد البعض أن المناقصات ستذهب إلى فئة معينة ومحددة مسبقا بطرق غير قانونية...

هذه الاعتقادات ربما تكون صحيحة وربما تكون خاطئة، ولكن فيما لو مارس المجلس النيابي دوره وحاسب المسئولين محاسبة صحيحة، فإن ثقة الناس بالقانون وثقة المستثمرين بالقانون تزداد ويتحقق الأمن والاستقرار ويتحقق النمو والازدهار

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 173 - الثلثاء 25 فبراير 2003م الموافق 23 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً