العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

مجلس الشعب السوري... وتاريخه السياسي

دورة جديدة للانتخابات

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

في الثاني من مارس/ آذار المقبل يتوجه السوريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار الأعضاء الـ 250 في مجلس الشعب وسط أجواء من الحرية والديمقراطية التي لمست منذ إعلان موعد إجراء هذه الانتخابات مرورا بعمليات الترشيح والدعايات والإعلانات والندوات والمضافات التي أقيمت في مختلف المحافظات السورية وصولا إلى يوم الانتخاب والتسهيلات التي قدمتها الجهات المعنية وفي المقدمة وزارة الداخلية وأجهزتها ووزارة الإدارة المحلية والإدارات التابعة لها.

وقبل الخوض في الحديث عن هذا الصرح العالي للديمقراطية، مجلس الشعب، لابد من إلقاء بعض الضوء على الحياة الديمقراطية في سورية العربية بإيجاز منذ بداياتها في العصر الحديث.

ومن الواضح أن التجربة الديمقراطية في سورية العربية بجانبها التمثيلي هي من أقدم وأغنى تجارب الديمقراطية السياسية في الوطن العربي، ذلك أن النخبة السياسية في سورية العربية كانت من أوائل النخب السياسية العربية الساعية إلى بناء المؤسسة الديمقراطية، لذلك فقد بدلت ونوعت التجربة وأغنتها طوال العقود الماضية.

تاريخ عريق للتجربة

يعود تاريخ أول مؤسسة تمثيلية في سورية العربية إلى العام 1919 حين تنادى رجال الحركة العربية لعقد اجتماع في دمشق، يضم ممثلين عن جميع المناطق السورية حينذاك: (سورية بحدودها الحالية، والجمهورية اللبنانية، وفلسطين العربية المحتلة، والمملكة الأردنية الهاشمية) وذلك في الثالث من يونيو/ حزيران 1919، وأطلقوا على اجتماعهم (المؤتمر السوري) الذي اعتبر بمثابة مؤسسة تشريعية تمثيلية لكل مواطني (سورية الطبيعية)، وتمخضت عن هذا المؤتمر عدة قرارات مهمة كان من بينها إعلان سورية بحدودها الطبيعية دولة مستقلة وذات سيادة، وقيام حكم عربي دستوري فيها، والمبادرة إلى وضع دستور للبلاد سمي حينذاك بالقانون الأساسي.

إلا أن قوات الاستعمار الفرنسي عاجلت سورية بالغزو واحتلتها إثر معركة ميسلون الشهيرة في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز 1920، فألغي الحكم العربي وعطّلت تجربة المؤتمر السوري، لكن تصاعد النضال الوطني لأبناء سورية العربية منذ معركة ميسلون وحتى فجر الاستقلال كان يفرض على سلطات الاحتلال الفرنسي أن تخضع بين فترة وأخرى للمطالب الوطنية، فكانت (تنظم) انتخابات عامة لتشكيل (جمعيات سياسية) و(مجالس نيابية)، كالمجالس التي أسست في الأعوام 1928 ـ 1930 ـ 1936 ـ 1943، إلا أن هذه الجمعيات والمجالس كانت تعدل أو تعطل أو تلغى تبعا لمصلحة الانتداب والظروف السائدة آنذاك.

وفي الفترة الواقعة بين العام 1947 وقيام وحدة الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من فبراير/ شباط 1958 بين سورية ومصر بقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، قامت عدة مجالس برلمانية ونيابية وتأسيسية، ولكنها كانت غير مستقرة بسبب عدم الاستقرار السياسي وسلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية التي كانت تلجأ إلى تعليق الدستور وحل المجالس النيابية.

أما في عهد وحدة الجمهورية العربية المتحدة (1958 ـ 1961) فقد قام (مجلس الأمة لإقليمي الجمهورية العربية المتحدة، سورية ومصر) يضم في عضويته 200 عضو من الإقليم الشمالي (سورية)، وفقد هذا المجلس مبرر وجوده مع جريمة الانفصال في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1961.

وكانت الحياة السياسية والدستورية مضطربة جدا خلال عهد الانفصال (28 سبتمبر 1961 وحتى 8 مارس 1963)، ومع بزوغ فجر الثامن من مارس 1963 وتفجر الثورة ضد الانفصال انتقلت سورية العربية نقلة جذرية وتغيرت فيها الحياة السياسية والاجتماعية والتشريعية تغيرا نوعيا فقد أنيط بـ (المجلس الوطني لقيادة الثورة) علاوة على المهمات المنوطة به، مهمة وضع دستور دائم للبلاد وسلطة التشريع ومراقبة الحكومة، ولكن لأسباب متعددة لم يتمكن هذا المجلس من أداء مهماته بصفته مجلسا تشريعيا.

وبقيت الحياة الديمقراطية شبه معطلة حتى السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 حين قامت كوادر من حزب البعث بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد بالحركة التصحيحية التي عكست استجابة لقواعد الحزب وجماهير الشعب ليبدأ عهد جديد في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسواها، وأعيد بناء الهياكل لإرساء المؤسساتية في سورية العربية الحديثة برؤية عصرية.

الحياة الديمقراطية في ظل التصحيح

ولما كنا بصدد الحديث عن الحياة الديمقراطية، وعنوانها الأبرز هو مجلس الشعب، فلابد أن نقر بداية أن الحركة التصحيحية كانت بحد ذاتها فعلا ديمقراطيا، وحملت منذ أولى خطواتها التصميم الواضح على بناء الديمقراطية الحقة، إذ جاء في بيان القيادة القطرية المؤقتة عندما تناول الوضع الداخلي عشية السادس عشر من نوفمبر 1970 «أن القيادة تعاهد جماهير الشعب ومناضلي الحزب أن تحشد كل الطاقات التقدمية والشعبية باتجاه إقامة جبهة وطنية تقدمية وأن تشكل مجلسا للشعب يضم ممثلين عن التنظيمات الشعبية والمهنية والقوى والعناصر الوطنية كافة بهدف ممارسة الرقابة الشعبية على أجهزة الدولة والإسهام في استكمال التشريع ووضع الدستور الدائم للبلاد وإعطاء المنظمات الشعبية دورا فعالا في قيادة عملية التحويل الاشتراكي وممارسة بناء الديمقراطية الشعبية وإصدار قانون الإدارة المحلية».

وبدأت الديمقراطية تأخذ مداها في التطبيق كما بدأت تبرز سماتها منذ اليوم الأول للتصحيح.

إن الراصد للحياة الديمقراطية في سورية العربية التي طبقتها الحركة التصحيحية يتبين أن هذه الديمقراطية تتسم بالآتي:

أولا: إن هذه الديمقراطية آمنت بالإنسان كقيمة في ذاته قبل أن يكون فردا في المجموع، فحرصت على صون كرامته وحريته ليكون أداة إيجابية للثورة والبناء، فهما المنطلق والأساس لإطلاق الطاقات وبالتالي لبناء الوطن والدفاع عنه وعن منجزاته بكل الزخم المطلوب.

ثانيا: إن السياسة الداخلية التي اختطتها القيادة بنيت على أساس أن الشعب، كل الشعب، هو مصدر السلطة وموجهها، والسلطة مرتكزة على إرادته، ما يستدعي بالضرورة أن يكون هذا الشعب في وضع يمكنه من ممارسة السلطة، وذلك لا يتسنى إلا إذا انتظم أفراد الشعب في إطار هيئات ومنظمات شعبية ونقابات مهنية، تنقل الشعب من دائرة التأثر والانفعال إلى دائرة التأثير والفعل تطبيقا لمبدأ الديمقراطية الشعبية.

ثالثا: إن هذه الديمقراطية هي ديمقراطية حية ومتحركة ومتطورة تبعا لتطور الظروف ومناحي الحياة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسواها، ومن ثم فإن هذه الديمقراطية هي التي تناسب الشعب العربي السوري وتناسب ظروفه، وهي من نسيج المصلحة العليا للوطن والمواطن، صحيح أن مفهوم الديمقراطية بشكل عام تتشابه فيه المرتكزات الأساسية، وقد تتطابق أحيانا، ولكن في المحصلة وعند التطبيق يجب أن تتوافق وتتطور الديمقراطية وتنمو أفقيا وعموديا طبقا لتطور مناحي الحياة لكل بلد ولكل شعب على حدة.

مجلس الشعب

مجلس الشعب هو المؤسسة التمثيلية لشرائح المجتمع كافة والتي تمثل السلطة التشريعية، وقد حدد الدستور الدائم مهماته بالتشريع والرقابة على أعمال الحكومة، والمهمة التشريعية للمجلس تتم عن طريق دراسة ومناقشة مشروعات القوانين المحالة إليه من رئيس الجمهورية وإقرارها بعد أن تكون أوفيت مناقشة، وربما تعديلا أو إضافة، كي يصدر القانون بأفضل الصيغ.

وهناك طريق آخر يمارس مجلس الشعب حقه التشريعي من خلاله بأن يقترح عشرة أعضاء على الأقل مشروع قانون فيصار إلى مناقشة ودراسة هذا المشروع بحيث يغدو بالصيغة النهائية التي يقبلها المجلس، ثم يحال بهذه الصيغة إلى السلطة التنفيذية لإبداء رأيها أو ملاحظاتها عليه إن وجدت، ثم يعاد إلى المجلس لإقراره ليصدره رئيس الجمهورية كباقي القوانين التي تقر وفقا للأسلوب الأول.

أما المهمة الرقابية فيمارسها مجلس الشعب خلال مناقشته لسياسة الوزارة وإقرار الموازنة العامة للدولة وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء، وللمجلس الحق بحجب الثقة عن الوزارة ككل أو أحد وزرائها حسب الحال طبقا لنصوص الدستور والنظام الداخلي للمجلس.

ويضم المجلس في عضويته في دوره التشريعي السابع (والذي انتهى في السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2002) 250 عضوا، وكان كذلك في دوريه التشريعيين السادس والخامس، أما في أدواره الثاني والثالث والرابع فقد كان عدد أعضائه 195 عضوا، وكان عدد الأعضاء في الدور التشريعي الأول 186 عضوا وفي دور التعيين كان عدد الأعضاء 173 عضوا.

ومن خلال استقراء الاتجاهات السياسية لأعضاء المجلس يتبين أن الأسلوب التمثيلي السياسي فيه يتسم بأسلوب التعددية السياسية، وهو النهج الذي اختطته الحركة التصحيحية منذ انطلاقتها على مختلف الصعد مع الأخذ في الاعتبار تلك الشريحة التي لا ينضوي أفرادها تحت لواء أي حزب يشارك في الجبهة الوطنية التقدمية، فلو أخذنا عدد أعضاء مجلس الشعب في دوره السابع لوجدنا أن أحزاب الجبهة هي:

1- حزب البعث العربي الاشتراكي.

2- حزب الاشتراكيين العرب.

3- حزب الاتحاد الاشتراكي العربي.

4- الحزب الشيوعي، بجناحيه البكداشي والفيصلي.

5- حزب الوحدويين الاشتراكيين.

6- الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي.

ممثلة في المجلس السابق بمئة وسبعة وستين عضوا، والباقي يشكلون ثلاثة وثمانين عضوا يمثلون بقية شرائح المجتمع، وهم من اصطلح على تسميتهم بالمستقلين.

ومن الملاحظ أيضا أن نسبة تمثيل المرأة في المجلس قد ارتفعت دورا بعد دور، ويؤكد دخول المرأة العربية السورية إلى مجلس الشعب الثقة بالنفس، فكان الإقبال على الترشيح في الدور التشريعي السابع واضحا من قبل النساء، إذ بلغ عدد المرشحات في الدور السابع ما يزيد على 518 امرأة، وكان في كل دور تشريعي يتنامى عدد النساء، ففي الدور التشريعي الأول كان عدد النساء اللواتي وصلن إلى مقاعد المجلس أربع نساء، ارتفع في الدور الثاني إلى ست نساء، أما الدور الثالث فقد بلغ عددهن 13 من أصل 195 عضوا، وفي الدور التشريعي الرابع وصل عدد النساء في المجلس إلى 16 وفي الدور الخامس 21 من أصل 250 بعد رفع عدد أعضاء المجلس، أما في الدور التشريعي السابع فقد بلغ عددهن 26، أي بنسبة تصل إلى أكثر من 10 في المئة، وهي من النسب الأعلى في العالم بحيث أضحت سورية العربية الثانية أو الثالثة بين الدول الأكثر تمثيلا للنساء في حياتها الديمقراطية بين دول العالم، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية للمرأة ودورها في بناء الوطن كضرورة وطنية قومية إنسانية، ما يشير إلى سلامة المسيرة وارتقاء الفكر في سورية العربية

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً