العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

هل نحن مكروهون حتى في دول الخليج؟

قراءة مختلفة لحوادث المعارض

عبدالناصر الفوزان comments [at] alwasatnews.com

هناك مفارقة عندنا أضخم من جبال الهملايا... فنحن في الداخل ننشد الطهارة وبعضنا يدَّعيها ويبالغ في ذلك، ولهذا نحرص على ان يكون مظهرنا في الداخل اكثر نقاء حتى من مجتمع الخلفاء، أما الجوهر داخل نفوسنا فنحن في الواقع لا نختلف كثيرا عن غيرنا من المجتمعات الإسلامية العربية الأخرى المعاصرة فبيننا كثير من الصالحين، وكثير من الطالحين، وفينا الكبار الذين عركتهم الحياة وأعطتهم حكمتها، وفينا المراهقون بل وحتى الشيوخ المتصابون...

وهكذا فنحن لسنا مجتمع ملائكة بل مجموعة من البشر بقوتها وضعفها، ومشكلتنا الكبرى في تقديري أن الطهارة الكاملة التي يتطلع أولو الأمر والنهي لدينا إليها أوجدت لدينا في الداخل ذلك التمظهر بالكامل والسلامة من الآفات، وهذا جعل نقاط الضعف الكثيرة تبحث لها عن ساحة في الخارج لتلعب فيها، أي ان حرص أولي الأمر والنهي (من المصلحين والساسة) على ان يكون المجتمع طاهرا نقيا من الشوائب جعل مجتمعنا لا ينشر غسيله في سطحه، ولا يقبل بهذا، ويترك إلى من لديه غسيل أن يبحث عن سطوح الجيران وغير الجيران لينشره فيها... وهكذا بدأ غسيلنا يبرز مع الاسف في السطوح الأخرى في كثير من دول العالم ويشتهر ويتكدس، وحصلت تلك المفارقة الكبرى وذلك التناقض الكبير بين صورتنا في الداخل وصورتنا في الخارج.

اسمحوا لي... فلا يمكن ان اتفق مع الذين يقولون إن ما حصل لأبنائنا في البحرين أثناء حفلات رأس السنة الميلادية وتحديدا ما بين الثانية عشرة والرابعة صباحا من اعتداءات وضرب وحرق للسيارات وإتلاف للجوازات وإيذاء مدبر منظم من قبل عشرات الشباب البحرينيين... أقول لا يمكن ان اعتبر ذلك مجرد انعكاس لما حصل بين لاعبينا ولاعبي منتخب البحرين في المباراة التي تمت بين الفريقين في دورة كأس العرب الاخيرة في الكويت... لا أبدا... لسبب بسيط هو أن تلك المشاحنات التي حصلت بين اللاعبين السعوديين والبحرينيين ليست هي الاولى بل كانت ظاهرة تتكرر بدأت منذ أول دورة لكأس الخليج، وبالتالي فهي عرض لمرض... وهذا المرض هو الذي نتجت عنه ايضا تلك الاعتداءات الاخيرة على ابنائنا في البحرين... ضمن من تم الاعتداء عليهم.

هو مرض في تقديري نواجهه منذ عشرات السنين أي منذ بدأت طفرة النفط لدينا ومنذ أن توافرت المادة والقدرة على الحركة لشبابنا حتى يتم البحث عن ساحة بعيدة خفية تتفجر فيها نقاط الضعف.

وهذه الساحة الخفية التي ينشر، مع الاسف، الآن شبابنا غسيلنا فيها ليست هي البحرين وحدها، بل دول اخرى غيرها، ولست في حاجة إلى أن أعدد وأفصّل وأكشف المستور، فالرائحة مع الاسف اشد من ان احتاج إلى الاشارة إليها وأشد من ان يستطيع احد تجاهلها، وهي رائحة لا نتحمل نحن كل اسبابها بل يتحمل القائمون على تلك السياحة المفتوحة في بعض تلك الدول المجاورة وغير المجاروة كثيرا من تبعاتها، ولكن هذا لا يعفينا من مسئولية إيذاء الكثيرين الذين كرهونا من أجل ذلك. فالكراهية لا تأتي من أولئك الذين فتحوا السياحة وأولئك الآخرين الذين أرادوا ان يستفيدوا منها، وإنما تأتي الكراهية من تلك الطبقة العريضة التي لا ناقة لها في ذلك ولا جمل، فتلك الطبقة العريضة ليست هي التي تفتح باب سطوح منازلها لأبنائنا لينشروا غسيلهم فيها، وبالتالي فلابد ان تشعر بالكراهية وهي ترى وتراقب وتتضايق.

يا لها من مشكلة كبرى... ويا له من مرض اجتماعي واقتصادي خطير... أتدرون ماذا يقول الخبر...؟ يقول إن أكثر من خمسين ألف مواطن سعودي عبروا جسر البحرين للاشتراك في إحياء حفلات رأس السنة... وهل تعلمون ما حقيقة الأمر...؟ حقيقة الأمر ان كل دولة مجاورة تريد تطوير السياحة فيها لابد ان تأخذ شبابنا في اعتبارها... ولابد ان تستفيد من تناقضاتنا... اي نعم تناقضاتنا لابد ان نعترف الآن بذلك... نعم... نعم... تناقضاتنا... فلدينا الآن تناقضات صارخة.

آسف إذا كانت هناك حدة في لغتي... فالمشكلة كانت تؤرقني منذ أمد بعيد وتفجرت الآن في نفسي وأنا أرى هذه الاشتباكات مع شبابنا في دولة هي الاكثر قربا لنا: البحرين. ورأيت انه من الضروري ان اشير بإصبعي بكل صراحة إلى المشكلة وأقول ها هي مشكلتنا... تلك المشكلة التي جعلت فئة قليلة منا تستطيع ان تضع اللون الاسود على كل اسوارنا من الخارج ليبدو هذا اللون صارخا جدا امام المجتمعات الأخرى في حين اننا منشغلون في الداخل وحريصون ومبالغون ونحن نضع اللون الاخضر في كل مكان... وأنا أيها الاحباب اعرض المشكلة ولا اعرض الحل لأني بصراحة لا اعتبر نفسي مؤهلا لذلك، لأن البحث عن حل لها أكبر من اجتهاداتي وقدراتي، ولذلك تروني اكتفي بالاشارة إليها بإصبعي وأقول ها هي مشكلتنا وها هو مرضنا إذا اردتم الحل والعلاج، وانا اخاطب الآن القادرين على بحث المشكلة وإيجاد حل لها وهم أهل الحل والعقد من الساسة والمصلحين، فهل نحن الآن بصراحة مكروهون حتى في دول الخليج؟ وأرجو ألا يفهم من هذا اني ابحث عن أعذار لمن تعرضوا لأبنائنا في البحرين، فالاعتداء مرفوض ولا يمكن قبوله بحجة مثل هذا المبرر، ولابد لكل من اعتدى ان ينال عقابه ولابد من رد الحقوق إلى أصحابها، ولكني اعرض مشكلة لابد ان نعترف بها لأنها بصراحة خطيرة جدا وفي حاجة إلى علاج عاجل

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً