مسكينة هذه الانسانية!... لا تزال في عطش شديد إلى دماء الشهداء، بل لعل العطش الشديد يزداد كلما ازدادت فيها آفات الاثرة والانانية ونسيان المصلحة الخالدة في سبيل المصلحة الزائلة، او لعل العطش الشديد إلى دماء الشهداء، يزداد في هذا الزمن وخصوصا من دون سائر الازمنة الغابرة، لانه الزمن الذي وجدت فيه الوحدة الانسانية وجودا ماديا فعليا واصبح لزاما لها ان توجد في الضمير وفي الروح كما وجدت في الخريطة الجغرافية وفي برامج السفن والطائرات.
الوحدة الانسانية اليوم حقيقة واقعية عملية، ولكنها حقيقة واقعية عملية في كل شيء الا في ضمير الانسان وروح الانسان.
حقيقة واقعية في اشتباك المصالح التجارية، وفي اتصال الاخبار بين كل ناحية من الكرة الارضية وناحية اخرى...
حقيقة واقعية في اعصاب الكرة الارضية اذا صح هذا التعبير، فلا يضطرب عصب من اعصابها في اقصى المشرق حتى تتداعى له سائر الاعصاب في اقصى المغرب وفي اقصى الشمال والجنوب.
حقيقة واقعية في كل شيء إلا في ضمير الانسان وفي روح الانسان، وهذا هو المهم والأهم اذا اريدت للانسانية وحدة صحيحة صالحة جديرة بالدوام...
ولن توجد هذه الوحدة إلا اذا وجد الشهداء في سبيلها. فأنعم بمقدم «أبي الشهداء» من جديد إلى ضمائر فريق كبير من بني الانسان، لعلهم يقدمون رسالته خطوة واحدة او خطوات في سبيل اليقين والعمل الخالص لوجه الحق والكمال.
نتفاءل او لا نتفاءل... نتشاءم او لا نتشاءم...
ليست هذه هي المسألة، وانما المسألة هي ان طريق التفاؤل معروف وطريق التشاؤم معروف، فلا تتحقق مصلحة الانسانية الا اذا عمل لها كل فرد.
دم يحسبه ماء
الوسط - جعفر الجمري
لكربلاء نكهة الملح والشفرات الحادّة... ارنو إلى النحر فماذا أرى؟... أرى ظلا لله عدت عليه خيل الظلمة... أرى الرأس يلهج بسورة «أهل الكهف»... أرى عقيلة الحياة وقد انتهبها الظلمة في مفازة الحيف والثأر الأموي... أرى أطفالا يردون نبع حياة لا يدل على النبع... أرى الطاغية إياه ينكت ثنايا عاهل الثورة ليختبر رجولته العابثة... أرى السجاد المقيد في الأصفاد وقد حرّر الدنيا من جامعة طوقت رقبته... أرى المتكالبين على الجيف وممالك السراب زمرا كأنهم الى الهاوية يفدون.
للنحر الذي ارتعدت له فرائص دنيا العتاة... للدم الشاخب من النحر، رسل غضب من السماء سلطت على رؤوس محتكري الحياة ونخاسي العبث الأممي.
أرنو اليك مجللا بالحياة الأبدية وأنت تعد العدة لهدأة تقوم بعدها قيامة الله... أرنو الى جسدك الطاهر وقد عربدت عليه خيول اللقطاء أبناء اللقطاء... أرنو الى العراء المكفهر بما اجترحه سدنة الشهوات وحجاب السقوط المريع... أرنو إلى كربلائك التي تناسلت منها كربلاءات بعدد المظلومين والمقهورين والأباة
العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ