العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ

ماذا تستطيع أميركا أن تفعل؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا تستطيع الإدارة الأميركية ان تفعل الآن بعد ظهور كل هذه الاعتراضات على مشروع حربها على العراق؟ هناك المذكرة الفرنسية ـ الألمانية، المدعومة من روسيا، والمرفوعة إلى دول مجلس الأمن. هناك قرارات الحد الأدنى الصادرة عن القمة العربية في شرم الشيخ. هناك قرار البرلمان التركي الذي مال نحو رفض إعطاء ترخيص للقوات الأميركية في التمركز على الحدود واستخدام أراضيها للعبور إلى شمال العراق. وهناك الملايين التي خرجت إلى شوارع 600 مدينة في العالم لا تجمعها سوى فكرة واحدة: لا حروب بعد اليوم. وأخيرا، وهذه ليست مسألة بسيطة، نهوض حركات استقطاب سياسية لمئات المفكرين والفنانين والممثلين والعاملين في قطاعي الموسيقى والسينما تدفع باتجاه الضغط نحو رفض الحرب المفتعلة في «الشرق الأوسط».

ماذا تستطيع الإدارة الأميركية ان تفعل الآن بعد هذه الأمواج مع الاعتراضات الدولية والإقليمية والعربية... وأخيرا الأوروبية والأميركية؟

حتى الآن تبدو إدارة أشرار الحزب الجمهوري في البيت الأبيض غير مبالية بما يحدث. وفي الظاهر تبدو انها غير مكترثة لكل هذا الضجيج السياسي والفكري والقانوني الذي يأخذ مداه ويتسع يوما بعد يوم.

هذا في ظاهر الأمور، أما الوقائع المتسربة إلى الصحف فإنها تشير إلى معلومات مغايرة. هناك شبه قطيعة بين الرئيس الأميركي جورج بوش والمستشار الألماني غيرهارد شرودر، يقال إنها وصلت إلى خلافات شخصية ووصلت إلى حد الصراع والشتائم.

هناك تهديدات مبطنة من أميركا إلى فرنسا وتحذيرات دبلوماسية تنبّه باريس إلى عدم التمادي في سياساتها أو استخدام حق النقض (الفيتو) ضد توجهات الإدارة الأميركية في مجلس الأمن.

تدهور العلاقات الشخصية بين بوش وشرودر وصل إلى حد إهانة ألمانيا وتذكيرها بتاريخها النازي وأطماعها «القومية» في أوروبا. الأمر نفسه تكرر مع فرنسا التي اتهمت بقلة احترامها للقوى التي أسهمت في تحريرها من الاحتلال النازي، واتهم شيراك بقلة عرفانه بجميل بريطانيا وأميركا ومساعدتهما المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي.

كل هذا الكلام من التاريخ والجغرافيا والاخلاق قيل في مناسبة واحدة وتحت عنوان واحد: رفض الانجرار وراء طموحات الولايات المتحدة في السيطرة الأحادية على العالم. فالعراق هو العنوان أو الخطوة الأولى. والاعتراض الفرنسي ـ الألماني المدعوم من روسيا ضد الحرب على العراق هو رأس قمة «جبل الجليد»، بينما قعر الخلاف يمتد ويتسع ليشمل عشرات القمم التي لاتزال حتى الآن تحت سطح البحر.

نحن إذن أمام مواجهات مستمرة لن تقتصر على العراق وإنما بدأت في هذه المسألة وستنتشر لتشمل الكثير من النقاط الساخنة أو الحساسة في «الشرق الأوسط» وافريقيا وآسيا.

فالمواجهة دولية وليست محدودة اقليميا في جغرافيا «الشرق الأوسط» أو ضمن حدود العراق. وروح التمرد التي أخذت تشق طريقها في أوروبا يتوقع لها ان تنمو وتكبر ليعاد تشكيل نواة صلبة ترتكز على دول مهمة في الاتحاد الأوروبي تستطيع ان تتحمل الضغوط الأميركية السياسية والاقتصادية... وربما الابتزاز العسكري من خلال تخويفها بالعدو الجغرافي التقليدي (روسيا) أو بالعدو التاريخي المحيط بأوروبا من شرقها إلى غربها (العالم العربي ـ الإسلامي).

ماذا تستطيع أن تفعل الإدارة الأميركية؟ لاشك ان هناك صعوبات كثيرة أخذت تواجه سيناريو الحرب على العراق (العرب)، إلا ان مشكلة إدارة البيت الأبيض أصبحت داخلية، والتراجع عن الحرب يعني هزيمة «محور الشر» في الحزب الجمهوري وبداية انقلاب في التوازنات الداخلية لمصلحة التيار المعترض أصلا على أسلوب الحل العسكري للمسألة العراقية. فالمسألة إذن مرهونة بمدى استجابة الرئيس الأميركي للجناح الآخر في إدارته. وهذا يعني استعداده لتغيير طاقم إدارته واستبداله بوجوه جديدة لديها قابلية سياسية لإنقاذ ماء وجه أميركا من الإهانة التي تلقتها وإعادة تجميع أجزاء هيبتها التي تحطمت في أكثر من مكان في العالم.

هل يستطيع أن يفعل بوش الابن هذا الأمر لإنقاذ سمعة الولايات المتحدة واستعادة المكتسبات الحسنة التي حصلت عليها بعد انهيار «الحرب الباردة»، وفي فترة رئيسها السابق بيل كلينتون؟

طبعا لا. «محور الشر» في الحزب الجمهوري أقوى من بوش الابن. والرئيس الأميركي نفسه يميل إلى آراء «الصقور» في البيت الأبيض (تشيني، رامسفيلد، رايس). وتلك الآراء بدأت تشن حربها السرية على وزير الخارجية كولن باول الذي ورطها في موضوع الذهاب إلى مجلس الأمن واستئذانه بأخذ قرار الحرب. هناك إذن معركة داخلية في البيت الأبيض يخوضها «الأشرار» في موازاة معركة دبلوماسية في مجلس الأمن ضد فرنسا ـ روسيا، وخلاصتهما النهائية ستقرر ما تريده الولايات المتحدة من العالم بعد ان قال «العالم» كلمته وبعث رسائل واضحة، حدد فيها ماذا يريد العالم منها؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً