العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ

الدعوة لتأسيس صنـدوق خليجي للطوارئ واجتمــاع لمحافظي «المـركزية» لبحث تداعيات «الأزمة»

في ندوة «مال واعمال» عن أثرهـا علـى الاقتصادات الخليجيـة // البحرين

دعا عدد من الاقتصاديين في دول مجلس التعاون الخليجي الى تأسيس صندوق للطوارئ بشكل مشترك لمواجهة الأزمات المالية. وقالوا: «من المهم أن يعقد محافظو المصارف المركزية الخليجية اجتماعا طارئا لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاديات الخليجية والخروج بتصريح واضح للرأي العام بشأن ذلك، فالصَّمت في المرحلة الحالية لا يخدم الوضع الاقتصادي كما أن الغموض الحالي لا يخدم أيضا».

وعن تدهور أسعار النَّفط بسبب الأزمة المالية العالمية توقعوا أن تعقد منظمة «أوبك» اجتماعا طارئا لتدارس الوضع، وقالوا: «من المتوقع أن يكون هناك اجتماع طارئ للمنظمة قبل اجتماعها الدوري في ديسمبر/ كانون الأول المقبل وذلك لأنها لن تقف صامتة أمام التَّدهور السريع لأسعار النفط».

وقالوا: «إن جميع التوقعات تصبُّ في أن أسعار النفط لن تقل عن 50 دولارا للبرميل».

وشارك في الندوة كل من رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية أحمد اليوشع والباحث الاقتصادي بمركز البحرين للدراسات والبحوث عبدالجليل النعيمي والباحث الاقتصادي حسين المهدي والباحث الاقتصادي جعفر الصائغ والباحث الاقتصادي محمد الصياد.

وفيما إن كانت الاقتصاديات الخليجية محصنة ضد الأزمة المالية العالمية كما يقول المسئولون، فلماذا تتكبد البورصات الخليجية هذا المقدار من الخسائر الى الحد الذي وصلت فيه خسائر البورصة السعودية إلى أكثر من 24 مليار ريال في يوم واحد، قال الصياد: «إن الخسائر مجرد أرقام تظهر على شاشات البورصات، وإن حاملي الأسهم في حالة بيعهم أسهمهم فمن الطبيعي أنهم سيخسرون ولكن في حالة احتفاظهم بالأسهم فان أسهمهم ستحتفظ بقيمتها الأصلية في حال تعافي البورصة.

خسائر البورصات الخليجية

وعما إذا كانت الـ 24 مليار ريال مجرد وهم في حالة البورصات الأميركية، أضاف الصياد أنها «ليست أرقاما وهمية لكنها أرقام لأصول قد تضخمت أسعارها بشكل كبير، وإن الأسواق الخليجية مرتبطة بالأسواق العالمية، ولو لاحظنا فإن الانخفاضات في البورصات قد طالت قطاع العقارات والقطاع المصرفي ومن المؤكد أن المصارف الاستثمارية لدينا لديها استثمارات في المصارف الأميركية والأوروبية وقد سمعت أن أحد البنوك الاستثمارية في البحرين بلغت خسارته خلال الأزمة ما يقارب مليار دولار في حين أن هناك مصرفا تجاريّا آخر خسرت مبالغ طائلة أيضا».

ورأى أن «من المهم أن يعقد محافظو المصارف المركزية الخليجية اجتماعا طارئا لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصادات الخليجية والخروج بتصريح واضح للرأي العام بشأن ذلك، فالصمت في المرحلة الحالية لا يخدم الوضع الاقتصادي كما أن الغموض الحالي لا يخدمه أيضا».

من ناحيته، قال المهدي: «إن من المتوقع أن تحدث في البورصات الخليجية خلال الأيام المقبلة حركة تصحيحية تعطي السوق حجمها الطبيعي ولكن ليس كالسابق».

وقال النعيمي: إن ما طرحه المهدي من تساؤل عن حجم الانخفاض في بورصاتنا الخليجية أكبر، من حيث النسبة، مما هو حاصل في البورصات الأوروبية والأميركية، فهناك سببان لذلك، السبب الأول هو الارتباط العضوي بين الأسواق والاستثمارات، والآخر هو انه مهما عانت الأسواق الأوروبية والأميركية من أزمات فإن التوازن في هيكلة الاقتصاد لديهم أضبط بكثير مما هو لدينا ولذلك فإن هذا التوازن يمكن أن يمتص الأزمة بينما ما هو حاصل لدينا أن هناك خللا كبيرا لصالح قطاعات العقار والاتصالات والمال على حساب القطاعات الأخرى ولذلك فإن أسواقنا تبقى معرضة للضربات أكثر من الأسواق الأخرى، بالطبع المطلوب الآن هو تدخل الدولة ولكن هناك مشكلة أكبر من ذلك، لقد أعلن مصرف الإمارات المركزي التزامه بتوفير السيولة اللازمة وبالفعل قام بضخ 50 مليار درهم قبل أيام قليلة ولكن هذا المبلغ لم تستوعبه المصارف بسبب أن هناك وجها آخر للأزمة هو أن سعر القروض قد ارتفع بشكل كبير بعد أن قامت الشركات الأجنبية بسحب أموالها ما فاقم من أسعار القروض وأصبحت أعلى بما لا يقاس من السابق، كما أن المصارف تشتكي من الشروط القاسية التي وضعها المصرف المركزي قياسا بالتمويل من الخارج، إن المشاكل المقبلة المتصلة بالسيولة هي أعمق مما هو حاصل الآن وستتضح هذه المشاكل خلال السنة المقبلة عندما يحين موعد الاستحقاق لسداد القروض، إذ سيتبين أن هناك عجزا داخليّا واللجوء إلى إعادة تمويل الإقراض سيصبح غير ممكن بسبب أن الشركات العالمية قد خرجت من السوق وهنا سنواجه المعضلة، في هذه الحالة سيكون تدخل المصارف المركزية مطلوبا ولكن بشرط ضبط الأسواق، فليس مقبولا أن يقتصر تدخل المصارف المركزية على وقت الأزمات فقط وترك الأسواق في الأوقات الأخرى بدعوى أن السوق حراّ، إن هذه المسألة قد وصلت الى حدودها التاريخية».

وأشار إلى أن الظرف الحالي يعتبر فرصة لإعادة تقويم الاقتصاد العالمي وإلغاء القطبية الواحدة سواء كان ذلك في الاقتصاد أو السياسة أو الاستراتيجيات الأخرى.

الشفافية وحماية الاقتصاد

من جهته، أكد اليوشع أن «من الصعب على من استثمر في الولايات المتحدة قبل الأزمة أن يخرج باستثماراته من دون أية خسارة فكل من دخل السوق الأميركية بأي شكل من الأشكال خسر، ويمكن سحب هذا الكلام على الصناديق السيادية لدينا والمصارف وحتى الأفراد».

وعلق الصائغ بالقول «أعتقد أن ما نشهده في الأسواق الخليجية هو مجرد ارتداد للأزمة وأن هذه الأزمة يجب أن تأخذ منها الدول الخليجية درسا، فالدول الخليجية مطالبة الآن باتخاذ إجراءات لحماية الاقتصاد من خلال العمل بمبدأ الشفافية التامة بسبب أنه في غياب هذه الشفافية فإن الناس لن يثقون بما تقوله الدولة أو الحكومة وإن الناس سيعتقدون بعكس ما يقال».

النعيمي قال «إن المطالبة بالشفافية شيء جيد جدا ولكن ما هو مطلوب أكثر من ذلك هو إعادة النظر في السياسة الاقتصادية بشكل كامل، فبدلا من انتظار الضربات التي من الممكن أن تصيبنا يجب أخذ الاحتياطات الواجبة، فمثلا هناك أكثر من 1,3 تريليون دولار موظفة في القطاع العقاري في منطقة الخليج وعلى رغم أن هذا المبلغ لا يعني شيئا بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي فإنه يعتبر مبلغا ضخما بالنسبة إلى منطقة صغيرة كالخليج، والسؤال هنا هو هل سنواصل بهذا المفهوم الذي يسيطر على عقول اقتصاديينا ومستثمرينا وسياسيينا وهو مفهوم التنمية العقارية؟ المسألة الأخرى هي أن المفاهيم الاقتصادية لدينا أصبحت مغلوطة، فأصبحنا نسمي المقاول «مطورا» ونسمي القروض التي تقدمها المصارف «منتجات» إن ذلك يعتبر تشويها للمصطلحات الاقتصادية».

وفي موضوع كيفية تأثر القطاع العقاري لدينا جراء هذه الأزمة، وهل صحيح ما يطرح الآن من أن العقارات في الخليج ستشهد انخفاضا حادا في أسعارها، قال المهدي: «إن القول بأننا نحتاج إلى إعادة النظر في سياستنا الاقتصادية فأتوقع أن ذلك سيأخذ وقتا طويلا إلى حين مرورها بالقنوات التنفيذية والتشريعية، ما أعتقده هو أننا بحاجة إلى حل آني لإنقاذ صغار المستثمرين وخصوصا في قطاع العقارات، إن ما ذكر من أن المقاول أصبح «مطورا» و»الدَّلال» مستثمرا صحيح جدا، فنحن نلاحظ من خلال السوق أن هناك من يقوم باستثمار الأموال من خلال جمع مبالغ معينة من السوق وإعطاء شيكات مؤجلة لمدد معينة وبنسب فائدة عالية جدّا، صحيح أن جزءا من هؤلاء «المستثمرين» نجحوا حتى الآن وان الشيكات التي قدموها صرفت فعلا للمستفيدين بسبب وجود فائض في السيولة ولكن ما سيحصل الآن، وأنا اشعر بذلك، هو خلال فترة بسيطة جدا سيواجه هؤلاء المستثمرون مشاكل جمة، إن ذلك لا يستحمل التأخير ولذلك فنحن بحاجة إلى سياسة إنقاذ وبالذات لصغار المستثمرين بسبب انه إذا ما وصلت هذه الأزمة إلى المدرس والموظف والطبيب فإن ذلك سيخلق هلعا لدى الناس فبمجرد رجوع شيك واحد من هؤلاء المستثمرين فان ذلك من المحتمل أن يخلق أزمة لدينا.

هبوط أسعار النفط

وعن توقعاته بشأن انخفاض الأسعار إلى مستويات كبيرة جدا وبشكل أكبر مما هو حاصل الآن، وفيما إذا كان ذلك بشكل مؤقت وأن الأسعار ستعود إلى الارتفاع مرة أخرى، شدد الصياد على أن النفط ليس استثناء عن باقي المنتجات، فالنفط في نهاية الأمر هو سلعة كأي سلعة في السوق، وتشير الإحصاءات إلى أن مبيعات السيارات انخفضت بنسبة 30 في المئة في الفترة الأخيرة وذلك من المؤكد أنه سيؤثر على مستوى الطلب على النفط، كما أن الإنتاج بشكل عام انخفض بشكل كبير وهو ما يعد الاقتصاد الحقيقي فالركود أصاب جميع المنتجات. وبيَّن الصياد أن «أسعار النفط انخفضت بسبب أن واردات الولايات المتحدة من النفط قد تراجعت بنسبة 2 في المئة في الشهر الماضي، وإن كبار المسئولين في منظمة (أوبك) لا يعلمون بالضبط ما الذي يحدث للسوق ولذلك دعوا إلى اجتماع عاجل للمنظمة لتدارس الأوضاع واتخاذ قرار بشأن خفض الإنتاج، وبالطبع فإن (أوبك) يمكن لها سحب كميات من السوق للحفاظ على مستوى الأسعار، وبسبب أن البحرين ليست عضوا في (أوبك) فإنه ليست لدينا حصة مقررة وبذلك فإننا سننتج الكميات النفطية نفسها وبالأسعار نفسها التي يمكن أن تصل إليها من خلال الخروج بقرار منسق من المنظمة».

وأوضح أن «ما سيحمينا هو اجتماع منظمة (أوبك) في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، كما أتوقع أن يكون هناك اجتماع طارئ للمنظمة قبل هذا الموعد بسبب أنها لن تقف صامتة أمام التدهور السريع لأسعار النفط وبسبب خوفها أيضا من عودة سيناريو 1998 عندما تدهورت الأسعار ووصلت إلى مستوى 10 دولارات للبرميل، إن جميع التوقعات هي أن سعر النفط لن يقل عن 50 دولارا».

وفي تعليقه على هذه النقطة، أفاد النعيمي أن جميع التوقعات كانت تشير ولفترة قصيرة سابقة إلى أن أسعار النفط في صعود متواتر وقد كانت هذه التوقعات مبررة وبغض النظر عن أزمة الولايات المتحدة التي لم تكن وليدة اليوم بسبب حجم الطلب العالمي على النفط ليس فقط من قبل القطاع الصناعي وإنما من قبل المستهلك العادي بسبب زيادة أعداد الطبقة الوسطى في عدد من الدُّول التي كانت تحسب على الدول النامية كالهند والصين، الآن ومع تراجع الاقتصاد العالمي وتراجع الصناعة فإن ذلك بالتأكيد سيؤثر على أسعار النفط كما أن ارتفاع أسعار الدولار قد أثر أيضا، السبب الآخر هو السياسة الغائبة لمنظمة «أوبك»، هناك توقعات بأن روسيا ستدخل المنظمة وهناك في الوقت الحاضر مفاوضات تجرى بهذا الخصوص، وفي جميع الأحوال فإنه من المتوقع أن يكون تضامن المنتجين أوسع من تضامن منظمة «أوبك» ما سيؤدي إلى تدخلهم بشكل أقوى للتأثير على السياسة الإنتاجية، إن الدول المنتجة قد أجبرت في السابق على إنتاج كميات أكثر مما هو مطلوب. وأضاف أن هناك أمرين سيؤثران على أسعار النفط في المرحلة المقبلة، هما تصحيح أوضاع الاقتصاد العالمي، ما سيؤثر بشكل إيجابي على الأسعار لأن هناك طلبا متناميا على النفط، والأمر الآخر هو السياسة الجادة من قبل المنظمة والمنتجين.

الاستفادة من تداعيات الأزمة

اليوشع رأى أن من لايزال يعيش في آليات السوق فإنه يعيش في وهْم، فبعد الذي حدث لا يمكن طرح مثل هذه الأفكار وهذا أكبر درس يمكن أن نستفيد منه سواء في البحرين أو المنطقة، الآن من يقود تصحيح هذا الفكر هم المحافظون الموجودون في أوروبا، فالدول والمجتمعات تصحح أفكارها، ولذلك يجب علينا تطوير وتصحيح أفكارنا في البحرين، فإن كانت هناك أمور تصحيحية وإن كان يجب على المصرف المركزي أن يتدخل مثلا لتحديد نسبة القروض العقارية فمن المجدي أن يتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في السوق والتدرج في ذلك فليس من المقبول حل أزمة بأزمة أخرى، فالعلاج بالصدمات يعتبر كارثة للجميع، هناك مشاريع كبرى تجري في البلد الآن ولذلك يجب أخذ ذلك في الاعتبار والتدرج في تنفيذ الحلول المطروحة من خلال آلية تخدم الاقتصاد على المدى البعيد.

أما المهدي فذكر أن المصارف التجارية قامت قبل 5 أو 6 شهور بوضع ضوابط على القروض العقارية وذلك يحسب بشكل إيجابي للإدارة النقدية في البحرين، وذلك يعني أن المصارف بدأت تحتاط لأية أزمة مقبلة. ورد الصياد على ذلك بالقول «إن ما قاله اليوشع يمكن وصفه بالكلام النظري فالرأسمالية لا تتغير إلا من خلال الضغط عليها».

وعلق النعيمي قائلا: «إن دور الدولة وحرية السوق تطرح نفسها بقوة في المرحلة الحالية ولكن هناك جانبين في هذا الموضوع، جانب ذاتي وجانب موضوعي، الجانب الذاتي يتمثل في أن السوق قد استنفدت نفسها وأصبح ذلك واضحا حتى في أقصى يمين الفكر الاقتصادي ولكن خطورته انه يطرح فقط في وقت الأزمات بهدف استخدام الدولة كبقرة حلوب للخروج من الأزمة وبعد ذلك يتم نسيانها في حالة استتباب الوضع، إن ما هو مطلوب من الاقتصاديين وقوى الضغط هو التأسيس للفكر الجديد».

وقال الصائغ: «أعتقد أن منظمة (أوبك) ليست اللاعب الرئيسي في تحديد الأسعار بل إن الشركات هي التي ترفع وتخفض الأسعار من خلال المضاربة، إن ما هو مطلوب من المنظمة في الوقت الراهن هو لعب دورها الفعلي فهي التي من المفترض أن تكون الطرف الأهم في تحديد الأسعار بسبب أنه ومع انتهاء الأزمة فإن الشركات ستعود إلى سابق عهدها بالمضاربة في الأسعار ورفعها».

وفيما يخص دول مجلس التعاون وهل ستكون مجبرة على تغيير سياستها النقدية وفك الارتباط بالدولار، قال الصايغ: «أعتقد أن ذلك ستحدده حدة الأزمة فإذا استمر الدولار في الانخفاض ورأت الدول الخليجية أنها ستخسر المزيد من أموالها فستكون هذه الدول مجبرة على إعادة النظر في ارتباط عملاتها بالدولار وسياستها النقدية وحتى في موضوع استثماراتها وودائعها ومدخراتها فإن توجهها يمكن أن يكون في اتجاه الشرق بدلا من الغرب في الوقت الحالي».

وأما الصياد فختم بالقول «السؤال هنا هو لماذا لا تستفيد دول المجلس من هذه الأزمة وتؤسس صندوق طوارئ بـ300 أو 500 مليار دولار لمثل هذه الأزمات؟ أعتقد أن ذلك مهم جدا».


العبيدلي: تسديد الدولة جزءا من الديون بمثابة المسكنـات لتخفيـف الآلام دون معالجة الأسباب

أكد الباحث الاقتصادي عبيدلي العبيدلي أن الأمر الذي يثير اهتمام اقتصاديي العالم الثالث ودوله النامية هي تلك الانعكاسات السلبية التي سيتركها استمرار تلك الأزمة على اقتصاديات تلك الدول.

وقال: «إن سيطرة الاقتصاد الأميركي، حتى اليوم، على أسواق المالية، واستمرار حيازة الدولار الأميركي، كعملة، على نسبة عالية من التحويلات المالية العالمية من شأنه نقل أزمة السوق الأميركية ومعها أزمة الدولار، إلى أسواق العالم الثالث. لذا، وبينما، يتحمل الاقتصاد الأميركي، أكثر من سواه، هزات اقتصادية، حتى في حال استمرارها فترة زمنية طويلة نسبيا، كما نشاهده اليوم، يصعب لأسواق نامية أن تصمد في وجه أية أزمة عالمية من نمط، وعمق تلك المتوقعة في حال استمرار الأزمة الأميركية، أو انهيار أسواق الولايات المتحدة».

وذكر أن معاناة الدول النامية ذاتها من أزماتها الاقتصادية المحلية، وعلاقة تلك الأزمة بالحالة المتعثرة التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي قد تعرض الدول النامية لظروف أشد صعوبة. مشيرا إلى تزايد حدة الفقر في الدول النامية، وتنامي حاجتها إلى المساعدات، بسبب استغلال الدول الغنية لموارد الأولى الطبيعية دون دفع فواتير عادلة لأثمانها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم العجز في موازناتها من جراء ما أصبح يطلق عليه «الديون الايكولوجية المتراكمة على الدول الغنية»، والتي هي نتيجة استغلال الدول الموارد الطبيعية في دول فقيرة مثل إفريقيا. التي أخضعت للتخلف، وأصبحت غير قادرة على الخروج من حلقة الفقر. وقال: «لقد ترسخت من جراء ذلك حاجتها إلى المزيد من المساعدات، التي لم يعد في وسع الدول الغنية من أمثال الولايات المتحدة، تحمل تبعاتها نظرا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها أسواقها».

وقال العبيدلي: «لقد كشفت دراسة قامت بها منظمات، لمكافحة الفقر واستئصاله في العالم، ومن أجل تحقيق أهداف الألفية التي أقرتها الأمم المتحدة في العام 2000، وتطلق على نفسها «تحالف 2015» ، أن المفوضية الأوروبية، فما بالك بأميركا، «قد خفضت معوناتها للدول الأقل نموا والأكثر فقرا، كما قلصت مساعداتها للتعليم الابتدائي في الدول النامية، من 4 في المئة في العام 2000 إلى 1.6 في المئة في 2006».

واستطرد «إذا أخذنا في الحسبان توقعات الصندوق النقد الدولي بتباطؤ النمو العالمي في العام 2008 إلى نحو 3 في المئة من 5 في المئة في العام الماضي، ليس في وسعنا أن نحافظ على أية نظرة تفاؤلية تدفعنا للاعتقاد بقدرة الولايات المتحدة على الخروج سريعا من أزمتها، وبالتالي، فمن حق أولئك الاقتصاديين المتشائمين من المستقبل المظلم الذي ينتظر اقتصاديات الدول النامية أن يدعو جديا لإعادة الحياة إلى جهود حوارات دول الجنوب وأخرى غيرها لإعادة النظر في إمكانات تطويرها. فمثل هذه الدعوات من شأنها أن تقود إلى تقليص تأثر دولنا النامية بأية أزمات تعصف بأسواق الدول الغنية، وإن كان من المبكر التفاؤل بوضع حد لها».

وأضاف «نظرا لكل ذلك، لم يكن في وسع زعماء العالم عدم الاكتراث بما يجري في «وول ستريت»، فها هو رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه يطالب بإقرار تلك، التي كانت محور لقاء قمة أوروبية عقدها، مؤخرا في باريس زعماء فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا لإعداد الرد الأوروبي على الأزمة الذي سيوضع على مائدة اجتماع موسع لزعماء مجموعة الثماني يعقد في وقت لاحق قبل نهاية العام. في الوقت ذاته دعا عضو المجلس التنفيذي للبنك لورنزو بيني سماجي الحكومات إلى التدخل الفوري لتهدئة التوترات في القطاع المصرفي وكإجراء احتياطي اجتمعت الرئاسة الفرنسية بقيادة الرئيس ساركوزي مع المصارف الرئيسية وشركات التأمين الفرنسية للاطلاع على أوضاعها في ذروة الأزمة المالية الدولية، من أجل مراجعة وضع المؤسسات المالية وتوزيع التسليفات على الأسر والشركات».

وأضاف «حتى دولة أوروبية مثل روسيا لم تستطع إغلاق حدودها أمام تلك الأزمة فها هو مجلس النواب الروسي (الدوما) يؤيد مجموعة من الإجراءات في خطة تتجاوز كلفتها خمسين مليار دولار لدعم أسواق المال الروسية، مضطرا لاستخدام نحو عشر احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي للمساعدة في الوفاء بالديون الأجنبية للشركات. وفي آسيا لم تسلم أسواق المال الآسيوية من تعثر بورصة وول ستريت الأميركية، ففي طوكيو تراجعت الأسهم بنسبة 0.78 في المئة. وفي شنغهاي تراجعت الأسهم بنسبة2.62 في المئة. وسرت تلك الموجة لتشمل أسواقا آسيوية أخرى مثل تايبيه وسيئول، وبانكوك، بل وحتى مانيلا».

وأشار إلى إجراءات كوريا الجنوبية، كدليل على ما تزمع اتخاذه دول شرقي آسيا من إجراءات احترازية، فها هو الرئيس الكوري لي ميونغ باك يهرع إلى مستشاريه الاقتصاديين لإعداد خطط طارئة درءا لأسوأ الاحتمالات الممكنة. يجري ذلك في وقت تتعهد فيه وزارة المالية بتوفير خمسة مليارات دولار على الأقل كسيولة نقدية قد تضطر إلى استخدامها عند الضرورة.

وقال: «إن كان لنا أن نستخلص الدروس من تلك الأزمة، فلابد من ملاحظة:

@ خطورة الانتعاش المالي المؤقت الذي تولده القروض السهلة الهادفة إلى تحصيل فوائد سريعة من خلال قروض تسيرها شروط مالية مغرية لتسديد متطلبات غير منتجة ولا تولد قيما إضافية للاقتصاد، كما حصل في قروض الرهونات المالية في سوق العقار الأميركي خلال السنوات الخمس الماضية.

@ فشل الحلول الآنية، القصيرة المدى، الأحادية الأهداف في معالجة الأزمات المستعصية البنيوية، كتلك التي تعصف بالاقتصاد الأميركي، من نمط تسديد الدولة جزءا من قيمة الديون المتراكمة على المؤسسات المالية المقرضة، فهي بمثابة المسكنات الآنية التي تخفف الآلام، دون أن تعالج الأسباب، وهذا ما لمسناه في سياسة الحكومة الأميركية في تعاطيها مع الأزمة الأخيرة، عندما أنعشت شركة أي آي جي (AIG)، بضخ 85 مليار دولار لشراء ما يقارب 85 من موجوداتها.

@ فشل قدرة أي نظام عالمي، على المستويين السياسي والاقتصادي، الأحادي القطب، وخطورة الترويج لمآثره ومزاياه. فمثل ذلك يضع العالم برمته أمام خيار واحد فحسب، يقود العالم، وينقل أية كارثة تلم به إلى باقي اقتصاديات العالم. وبالتالي، فمن المنطقي أن يقودنا ذلك إلى خطأ الثقة العمياء في زعيم ذلك النظام الأحادي، كما شاهدنا في نموذج الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، التي تباهت بإزاحة هذا الأخير من النظام الثنائي القطبين، وتوهمت بأنها قادرة على التصرف، بشكل منفرد، في القضايا الدولية، لكنها، اكتشفت، في وقت متأخر، وبعد أن دفع العالم ضريبة باهظة سياسية واقتصادية، أن ذلك قريب من المستحيل.

@ العبء الأكبر من ذيول الأزمة وتداعياتها، على الصعيدين الداخلي والخارجي، يتحمله صغار اللاعبين في السوق والفئة المتوسطة معهم. فقد بات معروفا أن أسماك القرش الكبيرة، أميركية كانت أم دولية، باستثناء نسبة ضئيلة، كانت هي التي أشعلت فتيل الأزمة، وكانت أول المنسحبين من تلك الأسواق قبل أن تلسعهم نيرانها.

@ البحث عن الفئات أو القوى المستفيدة من نشوء تلك الأزمات، وذات المصلحة الحقيقية في تفاقمها، وليس استمرارها فحسب. وفي الحالة الأميركية، ورغم تعقيدات أوضاعها، وتعدد الأطراف ذات العلاقة بالأزمة، سلبا أو إيجابا. لكن المؤشرات تتوجه بأصابع الاتهام نحو الكارتيلات النفطية، واحتكارات الصناعة العسكرية، التي لها مصلحة مباشرة في تأزيم أسواق النفط العالمية، وتوسيع نطاق الحروب الإقليمية، مع ضمان استمرار تدخل الولايات المتحدة فيها، كي تسارع من وتيرة دوران عجلات مصانع إنتاج المعدات الحربية التي تتآكل عندما ينتشر السلام، وتضمن التلاعب في أسعار الطاقة المحلية، وترويج المضاربات فيها عند تأزم أسواق النفط. ولعل أسطع دليل على ذلك، هو أن أثرياء النفط والسلاح من الأميركان لاتزال مؤسساتهم بعيدة عن الأزمة.

@ علاقات التأثير المتبادلة بين الاقتصاد والسياسة، داخلية كانت أم خارجية. فلا يمكن أن نفهم ما يجري في السوق الأميركية اليوم، بعيدا عن السياسة التي قادها بوش على امتداد السنوات الثماني من حكمه، والتي تمحورت حول استراتيجية واحدة عنوانها «مطاردة الإرهاب» بغض النظر عن حقيقة تواجده، وأماكن تواجده. فكانت حروب العراق، وسبقتها معارك أفغانستان، وجميعها سكبت الزيت على ألسنة لهب الأزمة المالية الأميركية الأخيرة، إن لم تكن هي من بين الأسباب التي أشعلتها.

@ الدورة الاقتصادية لابد لها أن تكتمل، ولا يمكن لأي اقتصاد، مهما بلغت متانته، في الاستمرار في النمو في خط مستقيم. ولذلك لابد أن يعقب كل انتعاش وعافية، تراجع وركود، وهذا ما تمر به السوق الأميركية اليوم.

وقال: «إن ما ينتظر الاقتصاد الأميركي هو واحد من ثلاثة سيناريوهات محتملة، وربما محصلة تتداخل فيها عناصر تلك السيناريوهات:

@ فقدان الولايات المتحدة لزعامتها العالمية على الصعيدين المالي والسياسي، وتحولها إلى مركز من عدة مراكز اتخاذ القرار على المستوى العالمي، الأمر الذي من شأنه إحداث بعض الفوضى المحدودة والمؤقتة، سوف تستمر، إلى حين بروز كتلة أو دولة مؤهلة لقيادة العالم أو تكون صاحبة قرار فيه. وأكثر الكتل تأهيلا لذلك هي الكتلة الآسيوية كتجمع إقليمي أو الصين كقوة وطنية أحادية.

@ إعادة تشكيل الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها، أو ذات العلاقة بها، مثل مجلس الأمن الدولي والبنك الدول وصندوق النقد الدولي، بما يلبي حاجات ومتطلبات الحالة الجديدة. ونذكر هنا بالحالة الجديدة المشابهة التي ولدتها ظروف انتهاء الحرب الكونية الثانية، وانبثاق الأمم المتحدة كبديل تاريخي حل مكان عصبة الأمم.

@ بروز عملة عالمية، أو سلة عملات دولية، ليست بالضرورة مسكوكة ومتداولة في سوق معينة، وتتبع دولة معينة، بل ربما تحدد لها قيمة معيارية دولية، تحل مكان الدولار، وتصبح هي العملة الوحيدة المعترف بها عالميا، وتسعر، وفقا لقيمتها، العملات الأخرى والمعاملات المالية، بما في ذلك تحويلات العمل وتسعير سلع استراتيجية مثل النفط، أو ذات قيمة عالمية مثل المعادن الثمينة من ذهب وفضة.

وأكد أن كل هذه السيناريوهات سوف تمس بشكل مباشر المنطقة العربية، وخصوصا الدول النفطية منها وذلك لسببين: الأول تمتلك هذه الدول سلعة استراتيجية، لا يمكن لأية إعادة للوضع الدولي أن تتجاهلها، وتلك هي النفط، والثاني توجد بتصرف هذه الدول، سيولة نقدية راكمتها الطفرات المتكررة في أسعار النفط خلال الأربعين سنة الماضية، لا تستطيع أسواق تلك البلدان امتصاصها كاملة في الفترة الزمنية المنظورة المقبلة، وهي تبحث عن أسواق، بما فيها تلك الأسواق التي عانت من الأزمة المالية الأخيرة، وتحديدا أسواق الولايات المتحدة.


«أليكو» تطمن زبائنها بالوضع المالي للشركة

المنامة - أليكو

طمأنت «أليكو» (ALICO) والمجموعة العالمية الأميركية (AIG) في قسمي الحياة والتأمينات العامة جميع زبائنها وحملة البوالص لديها في البحرين بوضع الشركة ورأس مالها القويين.

وأكدت الشركة قوة ومتانة الشركة.

وعلى رغم تأثر شركة «AIG»، وهي الشركة الأم لـ «أليكو» بوضع الأسواق المالية المتقلبة، قالت الشركة إنه «ينبغي التأكيد على أن حملة البوالص لدى (أليكو) يتمتعون بحماية الشركة واستمراريتها بإيفاء التزاماتها كافة تجاه زبائنها».

مشيرة في بيان لها أمس (الإثنين) إلى أن السلفة المعطاة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لـ (AIG) والبالغة 85 مليار دولار بغية مساعدة المجموعة على تلبية احتياجاتها من السيولة على المدى القصير، هي تعبير عن الثقة العالية للخزانة الأميركية والحكومة الفيدرالية بقدرة (AIG) على تسديد الدين من خلال بيعها لبعض من أصولها

العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً