العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ

هل حان الوقت لإنصاف «معلمات البنين» إنسانيا؟

من يحاول الاطلاع على أحوال المعلمات اللاتي ساقهن حظهن السيئ ليقذف بهن في مدارس البنين، سيجد نفسه أمام معضلة تربوية كبيرة، وسيضطر ومن غير إرادته أن يضع كلتا يديه على رأسه من حجم معاناتهن.

في اعتقادنا أن الجوانب التربوية والتعليمية التي تتحقق من وراء هذه الفكرة لا تقارن بحجم المعاناة الكبيرة التي يعشنها طوال يومهن الدراسي، التي يشيب من كثرتها رأس الطفل الرضيع.

ما نسمعه عن مآسي هذه الفئة قليل من كثير، فلو كلفت نفسها الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم قليلا لتدرس هذه المسألة بعناية من مختلف جوانبها التربوية والتعليمية والإنسانية سيتبين عندها الكثير من السلبيات التي نجمت من تطبيق هذه الفكرة.

لن نطلب من الجهات المعنية زيارة جميع هذا النوع من المدارس، ولكننا نطلب منها أن تأخذ عينة من تلك المدارس وتتحدث بكل صراحة وشفافية مع إداراتها ومعلماتها عن إيجابيات وسلبيات هذا التجربة، وتفسح المجال إليهن لسرد المشكلات التي تحدث في تلك المدارس سواء البيئة المدرسية أو من سوء سلوكيات التلاميذ الكبار الذين تجاوز بعضهم سن الطفولة بسبب تكرار رسوبهم ودخولهم سن البلوغ والمراهقة، أو من بعض أولياء الأمور الذين يستغلون خصوصية النساء للتهجم عليهن بألفاظ غير لائقة تربويا أو أخلاقيا أو إنسانيا.

حتى لا نذهب بعيدا عن صلب الموضوع، دعونا نسلط الضوء على مدرسة واحدة من مدارس المحافظة الوسطى لنتعرف على بعض المشكلات التي تعاني منها إدارة المدرسة ومعلماتها، فالمدرسة لا تتمتع ببيئة مدرسية صالحة في اتجاهاتها المختلفة، وتحتاج إلى بعض المرافق الأساسية وتظليل بعض المناطق المهمة.

فلا يمكن أن تقبل وزارة التربية والتعليم أن تقطع المعلمة مسافات طويلة حتى تصل إلى الفصل وهي محملة بأثقال من الوسائل التعليمية لسوء التخطيط في داخل المدرسة.

ويمكن التعرف على هذا الأمر عن قرب من إدارة المدرسة وهو ما وضح لدى بعض أولياء الأمور وعند تلاميذ المدرسة الذين يتحدثون عن هذه المسألة كثيرا في أوساطهم الاجتماعية.

كما أنها تحتاج إلى إزالة كل ما من شأنه أن يكون خطرا على حياة الأطفال، فمسألة الأمن والسلامة ضرورة ملحة في مثل هذه المدارس.

في هذه المدرسة هناك مخلفات من الطاولات والكراسي وغيرهما من الأشياء التالفة والتي أبلغت الجهات المعنية عنها عدة مرات كما عرفنا من مصادر لها تواصل دائم مع المدرسة، إلا أنها لم ترفع تلك المخلفات ما جعل التلاميذ يستخدمونها بين حين وآخر وقت عراكهم ضد بعضهم بعضا.

ومن بين الحوادث التي تقع ما وقع في يوم من الأيام الذي قام فيه بعض التلاميذ بضرب أحد التلاميذ على رأسه بخشبة مليئة بالمسامير ما سبب له نزيفا في مواقع مختلفة من رأسه حتى تلطخ قميصه بالدم، المنظر الذي أذهل الإدارة والمعلمات بحسب رواية بعض التلاميذ.

نعود ونقول لو رفعت تلك المخلفات لما حدث ما حدث لذلك الطفل البريء الذي لم يعرف سبب الاعتداء عليه ولم يتمكن من التعرف على من الذي قام بالاعتداء على حياته، ولكن المشكلة الحقيقية تتمحور في الفكرة التي جعلت المعلمات اللاتي يطلق عليهن البعض (المجني عليهن).

ما أردنا قوله في هذا المجال ان من يطرح هذه الفكرة على طاولة البحث والدراسة، لا يريد من وزارة التربية والتعليم إلغاء كل تفاصيل هذه الفكرة، وإنما يريد تقنينها وتعديل بعض فصولها ليس إلا، حتى لا تسبب في خدش حياء المعلمات اللاتي ينتمين إلى هذا المشروع، وحتى لا يأتي ولي أمر غاضب على ابنه الذي بلغ من العمر عتيا في المرحلة الابتدائية من تكرار رسوبه إلى أن وصل إلى عمر البلوغ والمراهقة، وعندما استدعت الإدارة ولي الأمر لأحد الطلبة للتباحث معه في شأن ابنه السلوكي والتعليمي لم ينتظر حتى تنهي المديرة كلامها حتى قام برفع يده التي تعادل قوتها الشيء الكثير قصده معاقبة ابنه بدنيا كانت مديرة المدرسة هي الضحية، إذ إن الصفعة الموجهة لابنه وجهها إلى وجهه مديرة المدرسة بالخطأ! متسببا بالخطأ إلى حدوث صداع لمديرة المدرسة وطنين في أذنها لأيام عديدة كما وصل إلى أسماعنا من أمهات قدر لهن مشاهدة ذلك الحدث الدرامي المرعب.

وكما عرفنا أن إدارة المدرسة حاولت كثيرا نقل ذلك الطالب البالغ وأمثاله إلى مدراس إدارتها من الرجال إلا أن الرد كان غريبا؛ إذ كان الرد أن الولد يحتاج إلى حنان عاطفي والمطلوب منكن تعويضه الحنان الذي فقده في البيت.

نقول بكل صراحة: إذا كان لابد من الاستمرار في تطبيق هذه المشروع فإن ما تريده المعلمات من وزارة التربية والتعليم أن تحصر هذا المشروع على تلاميذ الحلقة الأولى (من الصف الأول ابتدائي إلى الصف الثالث ابتدائي فقط) مِن مَن هم في أعمارهم الطبيعية التي لا تتجاوز تسعة أعوام، وأن يتعامل مع التلميذ الذي يتكرر رسوبه بأن يحول تلقائيا إلى مدارس بنين إدارتها من الرجال، حتى لا نعرض المعلمات إلى مواقف محرجة عندما يتمرد ذلك الطالب الكبير على نظام المدرسة، ولا تستطيع المعلمات إرجاعه إلى وضعه الطبيعي.

كم من المعلمات تعرضن في داخل الفصول إلى مواقف محرجة أمام تلاميذهن ويقعن بين أمرين مع تلك العينات من التلاميذ الكبار؟ أما السكوت عن سلوكياتهم غير السوية وهو ما يؤثر على سلوكيات بقية التلاميذ، أو اتخاذ إجراءات تربوية ضدهم، وفي الحالتين لا يتم حل المشكلة.

على كل حال الحديث عن المشكلات التي تعاني منها معلمات البنين متشعب وله أبعاد عديدة لا مجال لذكر جميعها، ولكن ما نريد قوله إلى وزارة التربية والتعليم ان هذه الفئة من المعلمات اللاتي من المفترض أن تكون لهن خصوصية ولو بنسبة معينة مقابل تحملهن هذه الأعباء الكبيرة، وتميز خاص عن قريناتهن المعلمات بينما الواقع القاسي الذي يعشن فيه يحتم على الجهات المعنية التفكير بجدية في تحسين وضعهن المهني في جوانبه المختلفة؟ المسألة لا تحتاج إلا إلى زيارة واحدة إلى إحدى تلك المدارس لتكتشف أن ما ذكرناه لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من الحقيقة، لتكتشف أن معلمات هذا المشروع يذهبن إلى بيوتهن بعد انتهاء الدوام الدراسي وهن متعبات لدرجة أنهن يرمين بأنفسهن وكأنهن جثث هامدة حتى المساء، وما نقوله ليس بحديث مبالغ.

سلمان سالم

العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً