العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

العراق هو التاريخ... نار العراقمابين الصمود والشقاق

ان بوش اليوم يحقق لوزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشي دايان حلمه الذي اعلنه بعد ساعات من دخول القوات «الاسرائيلية» مدينة القدس في 6 يونيو/حزيران 1967 عندما قال: (لقد استولينا على اورشليم ونحن في طريقنا إلى بابل)، والتاريخ يؤكد ان اهل العراق في جميع الحضارات القديمة منذ ستة آلاف عام هم الذين اذلّوا اليهود على مدى قرون طويلة.

هناك أسئلة عدة ترد على الخاطر: هل تتبنى الجماعة (المسيحية اليهودية) التي ساعدت بوش الاب للوصول إلى كرسي الرئاسة عملية اشعال الحقد المسيحي اليهودي والاخذ بالثأر؟ وهل في استغلال وجود هذا القاتل الطاغية (صدام حسين) لشعبه وأمته فرصة سانحة يتربع فيها اليهود على اكتاف الاميركان؟وهل يسير بوش الابن على مسار والده فيتبنى إعادة اليهود إلى الارض التي مروا بها قبل ثلاثة آلاف عام؟أولم يكن في ذلك عهد جميع المؤمنين التابعين لجميع الانبياء، منذ عهد ابيهم ابراهيم، وكل من تبعه من ابنائه واحفاده؟ قال تعالى: «أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أنتم أعلم أم اللهُ ومن أظلم ممَّن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون» (البقرة، 140).

يا بوش راجع نفسك!

هنا نود لو يقوم بوش بمراجعة لما يجري في بلاده من اخطاء كي يصححها وليرتب وينظف بيته قبل ان يهاجم بيوت الآخرين مدعيا انه وكيل الانسانية المعذبة على الارض وحامي حمى الشعوب المظلومة.

1- ادرس كيف توقف الجريمة، والمراهقون لديك يشترون السلاح بـ 300 دولار ليقتلوا اطفال المدارس.

2- ولتوقف عمليات قتل وخطف واغتصاب الاطفال اليومية في بلادك.

3- ولتوقف تجارة مافيا المخدرات للحصول على المال والقوة والسيطرة.

4- ولتوقف تجارة السلاح الذي يساهم بالجريمة اليومية على جميع شعوب الارض.

5- ولتوقف تأجج العنصرية التي تفرق بين الابيض والاسود، وبين الهنود الحمر اصحاب الارض الذين يقتلون بالمخدرات وبالتفرقة العنصرية.

6- ثم دع شعب العراق يقرر مصيره، فربما امده الله بالقوة وأزال عن عينه الغشاوة يوما ما فنهض ينادي لا للظلم، وسحق صدام وزبانيته، لكن لا نوافق ان تقرر هذا بيدك فأنت لست الله حتى تقرر العقاب والحساب للآخرين.

7- من قال لك ان الشعب العراقي يريد سلامك المغموس بالدم؟ إذ انك تجعله اليوم يقول «نار صدام ولا نار الاميركان»، على الاقل يموت شهيدا بالدفاع عن وطنه وليس عن رئيسه. هناك درس مهم يحفظه جميع ساسة الدنيا ما عداكم انتم الثلاثة (صدام - شارون - بوش) انت تختلف في المنهج والمبرر والاداة ولكنك لا تختلف في الضمير وقسوة القلب والغباء.

8- ابتعد عن ديار الاسلام والسلام، فقدسية التراب الذي جُبِلَ بدماء ابناء وأحفاد رسول الله (ص) اطهر من ان تطأها أقدام جنودك.

ايها المسخ المغرور، ماذا تنتظر من شعب يهاجم في عقر داره ان يفعل؟ فهل يقبل العراق لحظة المواجهة مع اميركا كما يقبل الحمل بأن يكون طعام الذئب. وأيهما اقرب إلى التعبير: القبول بقانون التصادم، ام القبول بقانون الاحتواء؟

الشعور بالخطر إرث تاريخي

ان جذور الشعور بالخطر في العراق تمتد عميقة منذ فجر التاريخ، ولا يوجد شعب كالشعب العراقي يشعر انه محاط بالاعداء ومعرض للخطر كالشعب العراقي. وهي مشاعر ممتدة من ارث تاريخي متراكم عمره ثلاثة آلاف سنة تعززه مشاعر اخرى تولدت في العصر الحديث الذي نشأ على انقاض بغداد المدمرة سنة 1258م عندما استباحها الغزو المغولي.

ويستمد صانع القرار السياسي، والنموذج الفكري المحلي جذوره من شعور عميق بالمأساة ترسخها الذاكرة الجمعية للاسطورة العراقية الموروثة، والحروب الاهلية والخارجية، والكوارث والمجاعات، وحالات الموت الجماعي الناتج عن انتشار الاوبئة، ثم الموت الاكثر قسوة على يد مغول اليوم.

ولو أمعنا في عمق التاريخ فسنرى ان الحقد الصهيوني للعراق ابتدأ منذ وفاة سيدنا سليمان سنة 975 ق. م بعد حكم لم يدم سوى تسعين عاما على يد داوود وسليمان، ومن بعدها وفي العام (605) ق. م. زحف بختنصر ـ الملك البابلي ـ واخضع المملكة اليهودية للبابليين، ثم قام (نبوخذ نصر) وهاجم اورشليم وهدم المدينة كاملة وهدم معبد سليمان وحمل ملكها (يهو ياكين) هو واهله ورؤساء اليهود وخزائن المعبد وما تحتويه من ذهب ومن فن معماري و40 ألفا من سراة القوم والصناع المهرة إلى بابل... فهذا هو سر الحقد اليهودي القديم الذي تعود جذوره إلى الاسر البابلي منذ 2600 سنة. ولذلك تمثّل الحزب المسيحي اليهودي هذه العنصرية الصهيونية القديمة بشحناتها المتراكمة من عناصر تاريخية ودينية اقام العبرانيون فيها بأرض بابل اسارى ومنبوذين ومحكومين اكثر من الفي سنة.

ويتخذ الاهتمام اليهودي بالعراق من وعد إلهي مصدرا له منسوبا إلى وصية في التوراة للنبي ابراهيم تقول: (ان لنسلك اعط هذه الارض من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات) في سفر التكوين: 15,18 - وحاشى ان يقول النبي قولا يعلم الله سره وما يمكن ان يسبب من تفرقة بين المسلمين بل هو افتراء وكذب في توراتهم يتخذونه وسيلة لتفريغ ثأر الشتات العبري القديم.

في الطريق إلى بابل

وتحولت هذه الوصية إلى دعوة معاصرة على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشي دايان بعد ساعات من دخول القوات الاسرائيلية مدينة القدس في 6 يونيو 1967 عندما قال: (لقد استولينا على اورشليم ونحن في طريقنا إلى بابل).

كما كانت عقدة التصادم الآني مع الغرب منذ العام 750م عندما هزم القائد العراقي الاصل (صلاح الدين الايوبي) القائد الاوروبي (ريتشارد قلب الاسد) واعاد القدس إلى العرب ودحر الصليبيين.

فالعقد التاريخية مكنت لدى العراقيين من الغرب المسيحي واليهودي، والمغولي قبلا، عقدة الثأر وعدم الثقة ما ترسب عن الصدامات والحروب على مدى ثلاثة آلاف سنة.

السلطان العثماني مراد الرابع حينما اخذت منه بغداد قال: «آخ يا بغداد، لم اعرف انك اجمل بلاد الدنيا، ولكن ما اتعسني حين تكون بغداد لغيرنا، ولذلك قررنا بناء زاوية في قصرنا العامر سنسميها: آخ يا بغداد»!.

بغداد اجمل بلاد التاريخ تحترق وتدمر، ونساؤها تقتل واطفالها تموت جوعا وقتلا ورعبا ومرضا وقد استباحها الغزاة.

بغداد حاضرة الشعر والفن والعلم والتاريخ، عروس دجلة والفرات، بلد المليون شاعر، تحترق على يد مجرمي الحرب وليس من يوقف هذا الطغيان. بغداد من كتبت حضارات الدنيا منذ بدء الخليقة ومنذ اساطير ما بين النهرين وطوفان نوح وملحمة جلجامش عاشت منذ البدء بأساطيرها تحارب ملوك الشر الذين يريدون قتل واضعاف شعوبها.

باسم المدينة الجميلة الرائعة، باسم المدينة التي قدّر لها هذا الالم ودفع اتاوات الصبر. باسم الدم الانساني الذي ما اكتفيتم بارهاقه في فلسطين واليوم تنتقلون إلى بغداد، ألا يرتوي حقدكم ايها اليهود؟

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً