العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

أوروبا تدعو إلى دور ما بعد الحرب

محلل سياسي أردني:

باتت مسألة تحدي دور الأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب تحتل مكانة محورية في الجدل الغربي المحتدم، كما انها مجال الحوار المقبل بحسب ما يقول مدير مركز القدس للدراسات الاستراتيجية والمحلل السياسي الاردني عريب الرنتاوي.

اذا كان العرب ونظامهم القديم مجسدا في الجامعة العربية قد اخرجوا انفسهم من الجدل ودائرة التأثير، فذلك لأنهم اخفقوا بداية في درء الحرب، وعجزوا تاليا عن بلورة رؤية مشتركة، وها هم اليوم منهمكون جدا في ألا تصلهم شظايا القصف الجوي الاميركي لبغداد.

ويؤكد الرنتاوي: على اية حال، فإن الجبهة الغربية المناهضة للحرب، والتي شهدت حديثا تصدعات خطيرة بعد ان بدأت عمليات مد الجسور وتجسير الفجوات تعطي أكلها، اخذت اليوم تتحرك على محور جديد يدور حول ضرورة الزج بالامم المتحدة في عملية اعادة بناء العراق سياسيا واقتصاديا، الى الحد الذي اخذت فيه مراكز اوروبية مؤثرة تشترط دورا للمنظمة الدولية حتى تسهم بقسطها في عمليات الاغاثة واعادة البناء.

ويرى الرنتاوي ان بريطانيا على خلاف مع واشنطن على دور الامم المتحدة، فرئيس الوزراء طوني بلير ربط مصيره الشخصي بنتائج هذه الحرب، وهو يعتقد بأن اعادة الامم المتحدة الى المسرح العراقي من جهة، وانعاش خريطة الطريق من جهة ثانية، قد يمكنانه من الخروج من «مولد الحرب بأكبر قدر من حبات الحمص». وقد اتضح تماما في اجتماعات بروكسل كيف كان الموقف البريطاني أقرب الى اوروبا منه الى الولايات المتحدة في هذه المسألة.

على ان ممثل «حمائم» الادارة الاميركية وزير الخارجية كولن باول، لم يصل في تنازلاته للحلفاء والاصدقاء في الاطلسي والقارة القديمة سوى عن «دور ما» للامم المتحدة، وهو ما دفع بممثل السياسة الخارجية الاوروبية خافير سولانا إلى القول اننا مازلنا ننتظر تعريفا لهذا الدور الذي أشار اليه باول على نحو متحفظ.

باول نفسه، سبق وأن أكد مرارا وتكرارا ان الحلفاء وحدهم هم اصحاب اليد العليا في تقرير مستقبل العراق ومصائره، فمن دفع «ضريبة الدم لتحرير العراق» هو وحده من يستحق «شرف المشاركة وحصة الاسد» في غنائم الحرب وعقود اعادة البناء، على انه لم يغلق الباب امام «دور انساني» للمنظمة الدولية.

وحكاية الدور الانساني للامم المتحدة ليست موضع خلاف على الاطلاق، فقد اسس القرار الاخير لمجلس الامن والقاضي بتجديد العمل بصفقة «النفط مقابل الغذاء»، واعطاء الصلاحية للامين العام للامم المتحدة للاشراف على تنفيذ هذا البروتوكول بمعزل عن الحكومة العراقية، لدور انساني للمنظمة الدولية، وبإجماع اعضاء المجلس .

وعن صراع الحلفاء فإن موقف واشنطن من دور الامم المتحدة في عراق ما بعد الحرب، هو المحك والمرآة: المحك للشعارات التي خاضت تحتها واشنطن «حرب تحرير العراق» والمرآة التي ستتجلى على صفحتها النوايا الخبيئة للادارة الاميركية. فلو ان واشنطن جادة فعلا في «تحرير العراق من الدكتاتورية وأسلحة الدمار الشامل»، لما كانت رفضت الاخذ بتجربة «تيمور الشرقية»، ولما أدارت ظهرها لكل الضغوط الدولية الرامية إلى وضع العراق تحت اشراف دولي انتقالي، لكن الحقيقة التي لم تكن خافية على احد، ان لواشنطن اجندتها الخاصة في العراق، ترتبط بمشروعها في اعادة صوغ الشرق الاوسط، ما يجعلها تتناقض مع اجندة الامم المتحدة ومتطلبات القرار الدولي 1441.

وأضاف الى هذه المؤشرات السياسية، جملة المؤشرات الميدانية التي تبدأ باستبعاد المعارضة عن «ميدان حرب التحرير» والتصعيد المنهجي المنظم ضد سورية وايران، فالمشهد يكتمل وتكتمل معه حقيقة النوايا والاجندة الاميركية.

بيد ان ما لم تدركه واشنطن حتى الآن، والارجح انها لن تدركه حتى اشعار آخر، هو ان رفض العراقيين للدكتاتورية لن يسوغ لهم ابدا قبول الاحتلال، وشيئا فشيئا يتجه الاجماع العراقي على شعار «لا للدكتاتورية... لا للاحتلال»... وستتضح في مقبل الايام، التداعيات الحقيقية لهذه المشاعر والمواقف التي لا شك في انها تتفاعل في صدور العراقيين وقلوبهم وعقولهم وضمائرهم، لاسيما اذا ما امتدت مرحلة الحكم العسكري وجيء بعملاء واشنطن على ظهور الدبابات لحكم العراق. واذا ما تزامن اندلاع التناقض الداخلي بين الاحتلال والعراقيين مع استمرار التأزم في علاقات واشنطن مع كل من دمشق وطهران، فإن الرفض العراقي للاحتلال قد يتحول سريعا الى مقاومة، والمقاومة قد تجد بعد برهة من الوقت اسباب الدعم والاستمرار والتصاعد من جوار اقليمي غاضب.

وقد تكون هذه السيناريوهات بعيدة جدا، بل مبالغا فيها ولاسيما اننا نتابع انباء الاختراق الدراماتيكي لجبهة بغداد على يد المارينز والدبابات الاميركية، بيد انها ليست مستبعدة أو بلا أساس، فمستقبل العلاقة بين العراقيين والوجود الاميركي في بلادهم، يعتمد الى حد كبير على الطريقة التي ستتعامل بها الادارة الاميركية مع العراق، وما اذا كانت جادة فعلا في بناء عراق ديمقراطي حديث أم انها تبحث عن مستعمرة جديدة في زمن انهيار الاستعمار والكولونيالية على المستوى الكوني.

ويخلص الرنتاوي الى القول : «ما يبدو انه اخفاق اميركي في قراءة خصائص الوضع العراقي والحساسيات العربية والاقليمية، نجحت بريطانيا ـ الدولة الانتدابية السابقة على هذه المنطقة ـ في ادراكه مبكرا، وربما لهذا السبب تتسع شقة الخلاف بين الدولتين الحليفتين، وتظهر قراءاتهما لمستقبل العراق افتراقا ثقافيا وحضاريا، وليس الخلاف على دور الامم المتحدة سوى شكل واحد من اشكال التعبير عن افتراق الرؤيتين

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً