العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ

الإنسان العربي العراقي لن يركع

نائب رئيس الأركان السابق في الجيش العراقي اللواء حسن النقيب لـ «الوسط»:

لماذا يكبر خوفنا على العراق؟ ولماذا تنفطر أفئدتنا كلما سمعنا عن سقوط الصواريخ الاميركية على العراق؟

يتعاظم خوفنا بمقدار حبنا لأرضنا العربية، لكن بغداد لها خصوصية تلامس وجدان أبناء شعبنا في مختلف أنحاء المعمورة، فالعراق معبر الحضارات ومركزها الذي حمل الرخاء والمحبة إلى العالم القديم.

شكل المقاومة الشعبية في كل المناطق العراقية رد طبيعي على دخول الغزاة.

عبر ملامح هذه الصورة الحضارية المقاومة التقيت نائب رئيس الأركان العراقي السابق اللواء المتقاعد حسن النقيب الذي قال لـ «الوسط»:

رسمت المقاومة العراقية الباسلة، صورة مشرقة ومشرفة للنضال البطولي الذي يخوضه الإنسان العربي دفاعا عن الأرض والحرية والكرامة، ولتقدم برهانا أكيدا على أن هذا الإنسان الذي واجه بوسائله البسيطة وإمكاناته المحدودة، جيشا مدججا بأحدث ما أنتجته الصناعات العسكرية الأميركية من أسلحة الفتك والقتل والدمار، لن يركع ولن يستسلم، وسيظل يرفع السلاح عاليا في وجه الغزاة المعتدين من دون أن يترك لهم أية فرصة للراحة والتقاط الأنفاس، ومن دون أن يسمح للدعايات المضادة بأن تثبط عزيمته، أو تنال من تلاحمه الوطني أو تؤثر على إرادته في الصمود والمقاومة وبذل الدم في سبيل عزته وكرامته.

فالإنسان العربي في العراق الذي ألقى خلف ظهره كل الدعايات المسمومة التي كانت تشكك في قدرته على الوقوف بوجه هذه الجيوش والأساطيل التي حشدتها الولايات المتحدة، الأميركية مع الحليف الخاسر في جميع الأحوال، «بريطانيا»، والتي كانت تصور الغزو على أنه مجرد نزهة تحت شمس الصحراء العراقية، هذا الإنسان قلب التوقعات والموازين، وأسقط الحسابات التي روجها جنرالات وخبراء البنتاغون والمخابرات المركزية الأميركية (C.I.A) واستراتيجية رامسفيلد التي اعتمدت على (الصعقة) أو (الصدمة) التي ستحدثها الموجة الأولى من القصف، فلم ترهبه الصواريخ المجنحة والقنابل الموجهة بالأقمار الصناعية، ولم يخف من قاذفات (ب - 52) العملاقة ولا من مروحيات (الأباتشي) و(البلاك هوك)، وعرف بأساليبه الذكية وحسه الفطري السليم كيف يتعامل مع أسوأ غزو عرفه تاريخ البشرية المعاصر.

لا للاستسلام

وأضاف النائب السابق لرئيس الأركان العراقي اللواءحسن النقيب قائلا: نعم، الإنسان العربي في العراق يعاني ويكابد ويتحمل التضحيات والخسائر البشرية والمادية، ولكنه لا يستسلم ولا يرضخ، وسيظل يواجه القوات الغازية بكل القوة والعزم والتصميم، وهذا الصمود طبيعة جبلت بها النفس العربية على امتداد تاريخها النضالي الطويل، فها هو لبنان نراه محررا معافى بعد صمود بطولي تكلل بانتصار عظيم حققه رجال المقاومة الوطنية في مايو/ أيار 2000 عندما دحروا قوات الاحتلال الإسرائيلي وأجبروها على الانسحاب تحت جنح الظلام تجر وراءها أذيال الخيبة والفشل، وها هو شعب فلسطين الأعزل يواصل انتفاضته الباسلة ويتصدى بالحجارة لجيش زودته الولايات المتحدة الأميركية بكل أساليب القوة والتفوق، وما يجري في فلسطين والعراق هو صراع بين الحق والباطل، وصراع بين قوى الخير وقوى الشر، وقوة الحق والخير لابد أن تنتصر في النهاية طال الزمن أم قصر، لأن تلك هي حتمية التاريخ وتلك هي خلاصة العقل والمنطق.

وإذا كانت إرادة المقاومة عند الإنسان العربي في العراق هي الرد العملي الوحيد على ما تبنيه الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها التعيسة بريطانيا ضد أمتنا العربية، وتجسد الأداة التي يمكن من خلالها احتواء الأخطار الكارثية التي لاحت في الأفق، والتي قد لا تقتصر على العراق وحده، بل قد تطول أراض عربية أخرى...

كما اضاف قائلا: إذا كان الأمر كذلك، فإن العرب وهم يواجهون هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة مطالبون الآن وأكثر من أي وقت مضى بالوقوف إلى جانب الشعب العراقي البطل، وتوفير مستلزمات الدعم السياسي والمعنوي التي تساعده على المقاومة وصد الغزاة الطاغين، وهم عندما يفعلون ذلك مثلما فعلت سورية العربية الشقيقة، فإنهم لا يقدمون على خطوة غير محسوبة أو غير مدروسة بحسب رأي بعض الانهزاميين والاستسلاميين، وانما يكونون قد اقدموا على خطوة كبيرة تنسجم مع إرادة الشرعية الدولية ممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتتوافق مع رأي الغالبية العظمى من دول العالم التي أعلنت من دون أي لبس أو غموض أن غزو العراق عمل عدواني طائش غير مبرر وغير مشروع، ويجب محاسبة المسئولين عنه أمام المحاكم الدولية المتخصصة بجرائم الحرب.

لعبة الموت

واضاف قائلا: في تقييم عام للحرب الأنجلو - أميركية الغاشمة ضد شعبنا العراقي البطل، وسير العمليات العسكرية أضحت في عقول أبسط الناس أكثر من مفضوحة.

فالتحالف المجرم الثلاثي الرأس والمكون من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والصهيونية من خلفهما الممثلة بلوبيها وكيانها العنصري الاستيطاني في فلسطين المحتلة، تلك التي اتضح انها تدير لعبة الموت، وكانت وراء إعداد ورسم خطط الغزو الغاشم، وتحريض ودفع أزلامها المتسلطين على مواقع المسئولية والقرار في واشنطن ولندن إلى خوض غمار هذه المغامرة المجنونة.

والانجاز المسجل بامتياز لجحافل الغزو وباسمها، هو انها استطاعت أن تروع وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ بالجملة، على الحواجز وداخل السيارات وحافلات الركاب المدنية وفي الأسواق والمباني السكنية وأحياء المدن والقرى العراقية، التي أمطروها كأهداف منتقاة بنيرانهم وصواريخهم وقنابلهم الذكية، الموجهة، وبآلاف القذائف والأطنان، كنوع من الضغط والترهيب والابتزاز والتعويض عن الانتكاسة والتعثر الميداني في الجنوب والوسط والشمال، مسقطة بذلك مقولة (الحربة النظيفة) وكذبة (الديمقراطية والتحرير والانقاذ) ومقدمة إلى العالم المتحضر الصورة الحقيقية للوحش الأميركي المنفلت من أي قيد، والمثقل بروح التعصب والتعطش للدم.

ساسة المجانين

كما اوضح ان الولايات المتحدة الأميركية المبتلاة بقصر النظر وبجهل حيال المنطقة وتاريخها وحضارتها، وبساسة مجانين محسوبين على الصهيونية أكثر مما هم محسوبون على الشعب الأميركي ومنتمون إليه ومؤتمنون على مصالحه، تدير وتقود عبر هؤلاء حربها القذرة الخارجة على القانون الدولي وشرائع الأمم المتحدة ومواثيقها، بأسلوب العصابات والمافيات والقراصنة وقطاع الطرق، وتستقوي على المدنيين بهمجية ودموية ووحشية تستحضر النازية بتفوق، وكل الحقب السوداء المظلمة في التاريخ البشري، لا تترك خيارا للشعوب والعالم المحب للسلام، غير المجابهة والتصدي لحال الفوضى والانفلات والعربدة القطبية ونزعتها الاستعمارية، بكل ما تشكله من خطر داهم على الأمن والاستقرار الدوليين، وعلى مستقبل الجنس البشري.

واختتم النقيب قائلا:

اليوم، وقد سقطت كل الأقنعة عن وجوه وصنّاع ومحترفي الحروب، وانكشفت بضاعتهم المصدرة إلى الشعوب، وإلى هذه المنطقة، وبانت الدولة العظمى الحاضنة لتمثال الحرية ومنظمة الأمم المتحدة (ديمقراطية أكثر من اللزوم) وانسانية إلى حد الموت ومجرمة حرب خارج حدود الوصف، لا تجد إدارتها حرجا في إشهار مخططاتها وما تريده من وراء الغزو وما بعد العراق، فإن الضمير يستصرخنا جميعا، والواجب يفرض علينا باعتبارنا أمة ألا نخذل أهلنا في العراق الأبي الصامد، ونتركهم، مستفردين في معركة نعرف جميعا انها معركة كل الأمة وعليها يتوقف المصير والمستقبل العربي..

العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً