العدد 192 - الأحد 16 مارس 2003م الموافق 12 محرم 1424هـ

شفافية القطاع المصرفي: انفستكورب مثالا

إبراهيم شريف السيد comments [at] alwasatnews.com

يعمل بنك انفستكورب في أربع قطاعات تشمل شراء وبيع الشركات والعقارات وإدارة الأصول (صناديق الاستثمار) ويتمتع بقدرة فائقة على القيام بأعقد عمليات الشراء ويملك لذلك طاقما استثماريا وإداريا على مستوى عال من الكفاءة لا يضاهيه في ذلك أي مصرف استثماري آخر في كل المنطقة العربية. ومنذ تأسيسه في العام 1982 أنجز بنك انفستكورب عمليات شراء وبيع الشركات وأعمال استثمار أخرى بحوالي 20 بليون دولار، وهذا ما يجعله بلا منازع أكبر المصارف العربية الاستثمارية.

وعلى رغم ذلك فإني أجبت سلبا عندما سألني أحد الأصدقاء قبل عدة أشهر عن رأيي في الاستثمار في أسهم انفستكورب. وخلال الأيام الماضية حاولت التقصي عن نتائج المصرف المالية خلال العام الماضي لأتحقق من صدق توقعي فوجدت أن آخر ما نشر هو للأشهر الستة المنتهية في 30 يونيو/حزيران 2002 وأن انفستكورب لن ينشر تقريرا مدققا للعام المنتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول 2002 اذ قام أخيرا بتغيير سنته المالية لتنتهي في 30 يونيو من كل عام (برر انفستكورب ذلك بأهمية الربع الأول من كل عام في إتمام صفقات شراء الشركات وتوزيعها على المستثمرين والحصول على التمويل). وأظهرت نتائج الستة أشهر الأولى من العام الماضي أرباحا تقدر بـ 13 مليون دولار، إلا أن التفحص الدقيق للأرقام يظهر بأن انفستكورب خسر 157 مليون دولار خلال 6 أشهر فقط (وكانت الخسارة الحقيقية في العام السابق بعد احتساب انخفاض قيمة الاستثمارات الطويلة الأجل وغيرها هي 76 مليون دولار في حين أظهر انفستكورب أكثر من 50 مليون دولار أرباحا؟؟). والغريب ليس فقط في عدم معرفة غالبية المساهمين لحقيقة الخسارة التي حققها انفستكورب، ولكن كذلك لعدم انتباه إحدى أهم شركات الوساطة المالية العاملة في البحرين التي تملك طاقما من المحللين الماليين الذين لم ينبهوا عملاءهم عندما نشروا تقريرهم في يوليو/تموز 2002 بهذه الخسارة بل أوصوا عملاءهم بشراء أسهم انفستكورب.

والحقيقة أن انفستكورب لم يقم بخطأ في طريقة نشر بياناته المالية بل التزم بالمعايير المحاسبية المتعارف عليها اذ أظهر في الموازنة المدققة للعام 2001 تقديره للخسارة الناشئة عن انخفاض القيمة السوقية العادلة لاستثماراته في حساب التغير في حقوق المساهمين وقام في أكثر من موقع بالإشارة الى هذه الخسارة. والمشكلة تكمن في أن غالبية المساهمين لا يقومون بقراءة التفاصيل، اذ يتم الاكتفاء بإلقاء نظرة على حساب الدخل (حساب الأرباح والخسارة) الذي لا يحتوي على تقييم سعر السوق العادل للاستثمارات الطويلة الأجل (وهي أساسا استثماراته في الشركات التي يزمع تنميتها وبيعها بعد ذلك)، ولا تلزم إجراءات سوق البحرين للأوراق المالية الشركات بإخراج مثل هذه الأرقام المهمة في موقع بارز وقت نشر النتائج.

لا يعاني انفستكورب من أي خطر داهم فهو مازال في وضع مالي جيد بعد قيامه بزيادة رأس ماله في 2001 من خلال إصدار أسهم ممتازة بـ 200 مليون دولار ومرة أخرى في نهاية العام الماضي ومطلع هذا العام بمبلغ يفوق الـ 400 مليون دولار من الأسهم العادية (وهذه الزيادة الجديدة وما أثارته من ضعف الشفافية والإفصاح اللازمين هي عنوان الحلقة المقبلة) . كما انه يحظى بدعم جيد من عملائه الذين استمر الكثير منهم في استثماراتهم عن طريق هذا المصرف وخصوصا في صناديق الاستثمارات السائلة المسماة بصناديق تغطية المخاطر (Hedge Funds) التي تتميز بمردود مالي جيد حتى في حال هبوط السوق. ولدى المصرف تصنيف مالي جيد من ثلاث مؤسسات تصنيف عالمية، كما يتمتع بسمعة طيبة لدى المؤسسات المالية الأمر الذي يهيئه للاقتراض المتوسط المدى من السوق العالمية بدون ضمانات، وخصوصا بعد الزيادتين الأخيرتين لرأس المال، وهي ميزة لا تتمتع بها كثير من المصارف الاستثمارية.

إلا أن مشكلة انفستكورب انه نشأ في حقبة الثمانينات والتسعينات، التي كان فيها العائد على الاستثمار يفوق الـ 20 في المئة سنويا، وهي فترة غير عادية في أسواق المال. في ذاك الوضع الاستثنائي استطاع انفستكورب أن يحقق عوائد جيدة للمساهمين في استثماراته على رغم حجم الرسوم التي يأخذها مقدما اذ تبلغ الرسوم والأتعاب التي يجنيها انفستكورب لترتيب غالبية عمليات شراء الشركات وبيع حصص فيها للمستثمرين الخليجيين أكثر من 20 في المئة من كلفة هذه العمليات، وغالبا لا يعرف المستثمرون بأنهم يدفعون عمولات بهذا الحجم لأنها لا توضع في مكان بارز في وثائق البيع التي يتسلمها المستثمر من انفستكورب، كما ان مؤسسة نقد البحرين لا تشترط ذلك. ونظرا الى النسبة الكبيرة للرسوم والعمولات المدفوعة مقدما فإن من الصعب على مستثمر جني أرباح جيدة في غياب أسواق شبيهة بأسواق التسعينات اذ تتضاعف أسعار الأصول كل 3 إلى 4 سنوات.

ويضاعف من هذا الوضع المشكلات الناشئة عن ازدياد عدد الشركات المتعثرة في محفظة انفستكورب الاستثمارية الناتجة عن تباطؤ الاقتصاد الأميركي والأوروبي أو المنافسة الشديدة أو التغير في السوق. ويبدو أن نصف الشركات في المحفظة هي من هذا النوع، ومن الصعب تخيل ان النصف الآخر يستطيع تحقيق عائد مرتفع يعوض من خسارة جزئية أو كاملة محتملة لنصف المحفظة ما لم تتحقق معجزة أخرى مثل شركة جوشي. في منتصف التسعينات كانت محفظة انفستكورب للشركات في وضع شبيه بالوضع الحالي (ولكن في سوق أفضل)، عندها تمكن انفستكورب من بيع شركة جوشي الإيطالية للموضة التي قام بشرائها في بداية التسعينات فحصد من جراء ذلك أرباحا بمئات الملايين من الدولارات مكنه من وضع مخصصات كافية لكل استثماراته المتعثرة. كانت هذه الصفقة بمثابة هدية من السماء بعدما كثرت الشائعات آنذاك عن مشكلات انفستكورب الأمر الذي دفع بسعر السهم إلى أقل من دولار واحد. ولكن الأسواق هذه المرة غير أسواق منتصف التسعينات ولا يبدو في الأفق أن هناك جوهرة أخرى مثل جوشي.

خلال السنوات العجاف الثلاث الماضية لم يستطع انفستكورب التأقلم مع حقيقة انخفاض دخله بصورة كبيرة وظل على معدلاته الضخمة في المصاريف الإدارية والعمومية البالغة حوالي 120 مليون دولار منها 70 مليونا لرواتب الموظفين. ويعتقد المصرف أن الوقت الحالي مناسب للاستثمار اذ أسعار شراء الشركات الخاصة معقولة وكلفة التمويل أقل، وهو محق في ذلك. ولكن افتراض تحقيق عوائد مرتفعة كما حدث في السابق قد يكون تفاؤلا في غير محله. لذلك فإن عودة المصرف لتحقيق 100 مليون دولار من الأرباح سنويا أو أكثر من ذلك تحتاج إلى تخفيض هائل في نفقات الموظفين والإدارة يتناسب مع التغيرات الهيكلية في سوق الاستثمار.

ويثير الحديث عن انفستكورب موضوعات تتعلق بالشفافية المطلوبة في أسواق المال ودور كل من مؤسسة نقد البحرين وسوق البحرين للأوراق المالية في الرقابة وتعزيز مستوى الشفافية

العدد 192 - الأحد 16 مارس 2003م الموافق 12 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً