العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ

العراق في ذاكرة السوريين

الاحتجاج يعم العالم: لا للحرب على العراق، وفي أميركا البلد التي تحشد جيوشها لضرب العراق، يحتج عشرات الآلاف من مواطنيها على ضرب العراق، وكذلك الحال في أوروبا وآسيا وإفريقيا. ونحن العرب على ماذا نحتج؟ أنحتج مثلهم على قتل الأبرياء في بلد عربي؟. أم نحتج على ضرب تاريخنا وحضارتنا؟ أم على قتل ذاكرتنا التي تشكلت عبر آلاف السنين؟

الموضوع يتجاوز قتل أناس أبرياء، إلى ما هو أكثر أهمية، لان العراق أيضا ذاكرتنا، ويمثل من حضارتنا العربية والإنسانية.

أمام هذا الوضع، بادرت «الوسط» إلى مجموعة من المثقفين السوريين، في محاولة لنبش الذاكرة العربية في اتصالها بالعراق، وسألت عما يتبادر الى الذهن من سماع اسم «العراق»، من اتصال بالتاريخ والحضارة والثقافة والسياسة.

كوليت بهنا (كاتبة وصحافية)

من الصعب حصر العراق بكلمات ضيقة، فمساحة ما يعنيه تفوق حتما مساحته الجغرافية برمتها. وأنا التي خبرت جمالياته الحسية بعض العمر، وتذوقت ذاكرتي طيب أشيائه والكثير من ظل أمجاده. واليوم، أكره التعامل مع ما يحدث من باب التباكي أو الترحم عليه. بل أراقب بدقة محور الحرب، يقابله بشجاعة محور السلام، يشد العراق بينهما. وكأنك أمام تشخيص حقيقي لتلك الأساطير الآشورية التي كتبها عراقي ملهم قبل آلاف السنين، أو أنك أمام دورة مقدرة جديدة من دورات التاريخ ونرجسيته الموجعة في عشق تكرار الذات. (وليس من قبيل الصدف ذاك الشجن الموجع في الغناء العراقي عبر التاريخ). بينهما، أكتشف حجم أكبر مسئولية لتحملها اليوم شعوب المنطقة وتتمثل في كيف نحمي ذاكرة البشرية التي تأسست مع استيقاظ الحضارة الأولى فوق أرض العراق والمهددة الأولى بالزوال أو تحويلها إلى نوع من الفولكلور السياحي، تبعا لمفهوم العالم الجديد أو الذاكرة الجديدة التي ترسمها دوائر الفكر العالمي الحديث، وتمثلت في عمليات الإبادة الجماعية للهنود الحمر والاستراليين الأوائل، والفلسطينيين والأفارقة وغيرهم. وآخرها تلك اللهجة غير المبطنة لما يسمى «أوروبا القديمة» وما يعنيه هذا الكلام من فورة حداثة ستبنى بلغة الدم وليس بلغة التحديث السلمي. أتمنى أن ننجح ونحفظ دجلة من تلوث جديد، وحماية ذاكرتنا الأولى لكي نحمي مستقبلنا... إن العراق أرخص ما فيه... النفط»

العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً