شارك ابناء الشعب البحريني ملايين الناس حول العالم في ادانة الحرب الاميركية - البريطانية على العراق. غير ان المسيرة السلمية التي خرجت بالقرب من السفارة البريطانية في المنامة انحرفت عن سلميتها وتحولت مصادمات بين مجموعات من الشباب التي أشعلت النار في حاويات القمامة وأغلقت عددا من الشوارع المحيطة بالسفارة.
وفي الساعة الثامنة وسبع دقائق مساء بدأت الاوضاع تسوء عندما انفجرت جزئيا اسطوانة الغاز التي وضعها بعض الشباب صغيري السن في حاوية للقمامة وضعوها في الدوار المقابل لجامع رأس الرمان. وبعد قرابة عشر دقائق انفجرت الاسطوانة بصورة كاملة محدثة صوتا مدويا. وفي الوقت ذاته أحرقت سيارة شرطة على بعد امتار من الاسطوانة المنفجرة.
الى ذلك شجب نائب رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية حسن مشيمع «الاعمال التخريبية والتصرفات غير المسئولة»، مشيرا الى ان مسئولين من الجمعيات الأربع (الوفاق، التجمع الوطني، العمل الاسلامي والعمل الوطني) حاولوا تهدئة الاوضاع ولكن المحاولات لم تنجح. كما شجب المسئول الاعلامي بجمعة المنبر التقدمي الديمقراطي فاضل الحليبي «أحداث الشغب» مشيرا إلى أن «التضامن مع الشعب العراقي يجب ان يكون بطرق حضارية». أما رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي عبد الرحمن النعيمي فقد أدان «حوادث الشغب» وقال انه «يقدر للحكومة سماحها بالمسيرات السلمية، وانه ليس من مصلحة الشعب ان تتطور الامور الى ما آلت اليه اليوم».
هذا وقد أدت الحوادث المؤسفة لتعطيل الشوارع المحيطة بالسفارة البريطانية وفرضت قوات الامن حظر تجول فيها واعتقلت قوات الأمن عددا غير معروف من الاشخاص. وقال متحدث باسم السفارة البريطانية لـ «الوسط» ان السفارة «اغلقت أبوابها منذ أمس وستستمر في ذلك حتى اشعار اخر». كما صرح مسئول بالسفارة الاميركية لـ «الوسط» بان «السفارة ستكون مغلقة اليوم وسيتم تقييم الوضع لاحقا».
رأس الرمان، الماحوز - هاني الفردان
وقعت مصادمات أمس بين أكثر من 500 شخص ورجال الأمن في مواجهات كانت الأعنف منذ أعوام، ولم تشهدها البلاد من قبل سوى تلك التي كانت مرتبطة بشارع المعارض، وذلك بالقرب من مقر السفارتين الأميركية في الماحوز (صباحا)، والبريطانية في رأس الرمان (مساء). ففي رأس الرمان، كانت هناك مسيرتان، اتسمت الأولى بالسلمية، والثانية بالعنف والمصادمات مع رجال الأمن، وامتد الأمر إلى التخريب والتكسير بشكل حرف المسيرة كلية عن أهدافها وشعاراتها.
إذ قاد المسيرة السلمية (الأولى) رئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان ونائبه حسن مشيمع عصر أمس أمام السفارة البريطانية. وقال سلمان إن سلمية المسيرة «تعبر عن حضارية الشعب البحريني ومسالمته في جميع مطالباته وتبين للعالم ما نريد من دون مشابكات أو احتقانات».
بعد ذلك توجهت المسيرة السلمية من أمام السفارة البريطانية إلى جامع رأس الرمان والتي ألقى فيها مشيمع كلمة قال فيها: «إن الحكام لم يحكموا كما أرادت شعوبهم» ووصف الهجوم الذي يجري على بغداد بأنه نتيجة عدم إشراك الشعوب في اتخاذ القرارات، وقال: «من هنا فإن الشعوب من حقها أن تعبر عن رأيها بكل صراحة».
وأضاف «نريد للعالم إن يرى هيجان الشارع ضد العدوان... ولكن أيضا نريد أن نعطي صورة حضارية لهذا الشعب، وبها نستطيع كسب أكبر فئة من العالم».
وطالب سلمان حين دخل وقت صلاة المغرب إلى التفرق، والتزام الهدوء والحفاظ على الأمن وعدم التعرض للممتلكات العامة، إلا أن الأمر ساء بعد الصلاة عندما عاد بعض الشباب إلى التجمع أمام السفارة البريطانية وأخذ الأمر يتطور بسرعة لاحقا، وامتد العبث إلى تكسير كاميرات المراقبة التابعة للسفارة، وحدثت مناوشات بين المتظاهرين ورجال الأمن الذين استخدموا الغازات المسيلة للدموع لتفريق الجموع.
في تلك الأثناء قام عدد من المتظاهرين بحرق حاويات القمامة ووضعها بالقرب من دوار فندق الشيراتون. وساعدت الرياح - التي كانت ترد الغاز المسيل للدموع في اتجاه رجال الأمن - في بقاء المتظاهرين فترة أطول في المنطقة، وزيادة عددهم بشكل كبير خلال ساعات فقط.
وقد تحولت المسيرة الداعية إلى الوقوف إلى جانب العراق ومساندته، إلى مواجهة بين المتجمهرين ورجال الأمن، وانسحب الأمر إلى أعمال عنف وتخريب وتكسير، فقامت قوات الأمن بإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى موقع التجمهر بغية السيطرة على الموقف في حين تحصن عدد من المتظاهرين في أزقة المنطقة، وقام عدد منهم بإشعال أسطوانات غاز وتفجيرها قرابة الساعة الثامنة مساء.
كما قامت مجموعة من المتظاهرين بمداهمة سيارة جيب تابعة لدورية الشرطة وأحدثوا بها تلفيات ثم دفعوها إلى منتصف الشارع الرئيسي وإضرموا النار فيها حتى انفجرت، مما أثار حفيظة رجال الأمن فقاموا بهجوم قوي مضاد لإنهاء الأزمة والسيطرة على الوضع، إذ قامت قوات الأمن بمداهمة الشارع بشكل مفاجئ واستخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط لتفريق المتظاهرين الذين تفرقوا في أزقة رأس الرمان، وبقيت قوات الأمن مرابطة في المنطقة إلى أن عادت إلى الهدوء من جديد.
وكانت السفارة البريطانية محاطة بتعزيزات أمنية قبل القيام بالمسيرات، تحسبا لأي رد فعل غاضب من الشارع البحريني نظرا إلى موقفها المساند بقوة للموقف الأميركي في الهجوم على العراق.
وتراجعت «قضية العراق» في اذهان الناس إلى خلفية الحادث، بسبب الفئة الغاضبة التي كانت تخرب وتكسر الممتلكات العامة. ووصف عدد من الحاضرين الأمر بأنه نتيجة تداعيات أخرى، فجرتها الظروف السياسية والعسكرية في المنطقة، ولكنها ليست السبب في كل ما حدث.
قبل ذلك خرجت صباح أمس مسيرة في الماحوز قادتها مجموعة من طلبة الثانوية العامة بالقرب من النادي الأهلي أثناء سيرهم نحو السفارة الأميركية. وقد خرج زهاء 200 طالب في مظاهرات غاضبة بعد أن تجمعوا من ثلاث مدارس، كان طلابها قد اتفقوا على تسيير هذه المسيرة من دون علم إدارات المدارس الثلاث، وهي مدرسة الجابرية الثانوية ومدرسة الشيخ عبدالعزيز الثانوية ومدرسة أحمد العمران الثانوية، احتجاجا على العدوان العسكري الأميركي البريطاني على العراق.
ووقعت اشتباكات صغيرة ومتفرقة عندما حاول الطلبة اختراق الحاجز البشري الذي أعدته قوات الأمن، مما أدى إلى قذف الطلبة الحجارة على رجال الأمن، الذين حافظوا على هدوء أعصابهم عدة دقائق ثم بدأوا إطلاق الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. وأسفرت هذه المواجهات عن وقوع إصابات طفيفة بين عدد من الأشخاص جراء الضرب بالهراوات والتدافع بين صفوف المتظاهرين ورجال الأمن.
ومنذ الساعات الأولى للدوام الدراسي، تم فرض طوق أمني من عدد من سيارات الشرطة ومكافحة الشغب والدوريات المدنية حول مدرسة الجابرية المحاذية للسفارة الأميركية لمنع أي تحرك من الطلبة. إلا انه وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، خرجت مجموعة من الطلبة من الأسوار الخلفية للمدرسة وتجمعت أمام صيدلية ناصر في انتظار مجموعة أخرى من الطلبة قادمة من مدرسة الشيخ عبدالعزيز لتنضم مع مجموعة «الجابرية» وتوجهت المجموعتان لإخراج الطلبة الباقين من مدرسة الجابرية التي أغلقت دونهم الأبواب، وبعد دقائق من تهديد الطلبة بكسر باب المدرسة، فتحت الإدارة الأبواب فخرج بقية الطلبة من المدرسة ليلتحق عدد منهم بالمجموعة القائدة للمسيرة.
وقال مدير مدرسة الجابرية: «سمحنا بدخول الطلبة إلى داخل المدرسة خوفا على سلامتهم، فنحن مسئولون أمام أهليهم وأمام الوزارة عن سلامتهم، وكذلك لا نستطيع الوقوف أمام هذا الكم الهائل من الطلبة».
وقال: «خيّرنا الطلبة بين البقاء أو الخروج خارج المدرسة لنخلي مسئوليتنا، فالمدرسة مفتوحة لمن يريد البقاء فيها».
بعد ذلك توجه الطلبة إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى النادي الأهلي وأحرقوا أربع حاويات لجمع القمامة وساروا مسافة بسيطة ليصطدموا بالحائط البشري الذي شكله رجال الأمن.
ولما لم يتمكن طلبة مدرسة أحمد العمران من الانضمام إلى طلبة المدرستين، وذلك لإغلاق قوات الأمن المنافذ المؤدية إلى السفارة الأميركية، قاموا بالكتابة على جدران مستشفى الإرسالية الأميركية وسور القلعة في المنامة شعارات تندد بالحرب على العراق، ورفض الوجود الأميركي على ارض المملكة، وانضم إليهم عدد من طلبة مدرسة النعيم أيضا الذين كانوا سيتوجهون إلى السفارة الأميركية، لولا مصادفتهم رجال الدين الذين طلبوا منهم الرجوع والذهاب لأداء الصلاة.
وامتنع عدد كبير من أهالي طلبة مدرسة عبدالرحمن جاسم كانو (الملاصقة للنادي الأهلي) أن يأخذوا أبناءهم إلى المدرسة يوم أمس، تحسبا للمواجهات المرتقبة بين الطلبة وقوات الشرطة، إذ إن مثل هذا الأمر أثار الفزع بين طلبة المدرسة (من الحضانة وحتى الخامس الابتدائي) العام الماضي عندما حدثت مواجهات بين الطلبة وقوات الشرطة أمام السفارة الأميركية أيضا، مما دفع بمجاميع الطلبة إلى الاندفاع إلى داخل المدرسة طلبا للفرار.
وإلى ذلك صرح وزير الإعلام نبيل الحمر قائلا «إنه يشعر بالأسف من عدم الالتزام بالقانون»، وأضاف أن هناك أناسا يريدون الفوضى، على رغم وجود مناخ ديمقراطي. ولكن حرية الرأي لا تعني الانتهاء بـ «التخريب».
وأشار الحمر إلى وجود أفراد «زعزعوا الاستقرار وهذا أمر مرفوض ولا ينبغي تشجيع المراهقين والمتهورين على ضرب رجال الأمن، ولابد للجمعيات السياسية ورجال الدين والإعلام من تثقيف الناس والمواطنين ورفض هذه الممارسات».
وقد صدر بيان من وزارة الإعلام جاء فيه «مما يؤسف له أن عددا من المشاركين في المسيرة، وقبل انتهائها أخرجوها عن أهدافها، حتى قاموا بالاعتداء ورمي الحجارة على مبنى السفارة البريطانية. كما قام هؤلاء (المخربون) بإحداث أضرار في المباني العامة والخاصة» وقالت الوزارة إن هذه الأفعال تعد خروجا على الأنظمة والقوانين «مما اضطر رجال الأمن إلى تفريقهم».
الوسط - ندى الوادي
أفاد مصدر طبي في مجمع السلمانية الطبي، أن أيا من الشباب الذين تم إدخالهم المستشفى في حوادث المظاهرات المناهضة لضرب العراق، والتي جرت على مدى اليومين الماضيين، لم يتعرض لإصابات تذكر.
وأشار المصدر الطبي إلى أن حوالي 21 مصابا عرضوا على قسم الطوارئ مساء أمس الأول، ومصابا واحدا عرض على القسم أمس، وان جميعهم من دون استثناء «لم يتعرضوا إلى أية إصابة تذكر». وأرجع المصدر توافدهم على قسم الطوارئ إلى «الضغط النفسي» الناتج عن قوة الحدث وأهميته على المستوى المحلي وخصوصا بين أهلهم وأقاربهم. ومن جانب آخر لم تتمكن «الوسط» من الحصول على معلومات عن رجل الأمن الذي تعرض للاحتراق والضرب في موقع المظاهرة إذ لم توفر إدارة المستشفى العسكري الذي أدخل إليه معلومات مؤكدة عن ذلك، غير أن مصدرا هناك أفاد بأنه أخرج من المستشفى بعد علاجه على الفور
العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ