العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ

الغزو الأميركي يصيب الأمم المتحدة بـ «الزهايمر»

من الصعب التوقع بأن يؤدي توجه أميركا المنفرد لحرب العراق إلى حدوث حرب عالمية جديدة... ولكن بالفعل عكس هذا التوجه أزمة متفجرة باتت تهدد العالم بأسره، فنحن الآن أمام مشهد وجدت الولايات المتحدة فيه ان المواثيق الدولية صارت عبئا على قوتها غير المحدودة تقريبا، لان هذه المواثيق تريد أن تكون قيدا على قدرة أميركا على فعل ما تشاء. وعلينا أن نذكر بمفارقة جوهرية الا وهي ان الولايات المتحدة العام 1945 لعبت دورا رئيسيا في وضع هذه المواثيق والاتفاقات الدولية التي تتنكر اليها الآن.

ومثلما انهار النظام الدولي الذي ظل سائدا حتى بداية الحرب العالمية الاولى بفعل ضغط الأزمات التي وقعت بين عامي 1908 و1914، وكما تحطم نظام التجارة القائم على مبدأ العولمة منذ قرن مضى بفعل الحرب، ربما نواجه اليوم انهيارا او تضررا شديدا للترتيبات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك للكثير من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الاوروبي.

ومنذ العام 1945، اتفقت القوى الكبرى الخمس في الأمم المتحدة على أن يكون لها حق النقض، للمحافظة على هيبة هذه الدول فحسب. ولكن يبرز الآن تطور جديد من خلال سحب أميركا وبريطانيا واسبانيا لمشروع قرارهم من مجلس الأمن واختيار العمل من خارج الشرعية الدولية في الموضوع العراقي. هذا التطور في جوهره يكشف عن ان أميركا تريد ان تقول ان التهديد بالفيتو ضد قرار تريده هي لن يعيقها عن العمل.

كيف يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتصرف أو يتخذ القرار خلال الأزمة الدولية التالية، ولتكن هذه الأزمة خاصة بكوريا الشمالية، أو الهند وباكستان أو أميركا الوسطى، أو غرب افريقيا، أو اي طرف آخر؟ ولنتذكر انه عندما انقسمت عصبة الأمم بشأن أزمة أثيوبيا العام 1935، أضحت المنظمة معاقة وتتصرف مثل «حكيم أصيب بالزهايمر» أمام الأزمات التالية التي واجهتها وصار من المتوقع حاليا ان تلقى الأمم المتحدة مصير العصبة ذاته ولو بعد سنوات مقبلة.

وبغض النظر عن التفاصيل، فالحاصل الآن إذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت شرعيتها واحترامها في معظم انحاء العالم، فان الأمم المتحدة هي الأخرى فقدت شرعيتها واحترامها أيضا وسيكون هناك قدر كبير من الاستياء من التصرف الأميركي الذي يفتقر إلى الموافقة الدولية و يفتقد القبول الانساني. وستبحث القوى الاخرى وسائل من شأنها كبح جماح الأميركيين في المستقبل. إذا وقعت حوادث سيئة على غرار ما حدث في فيتنام ومدغشقر وكمبوديا، فسوف تتحمل الولايات المتحدة كل المسئولية، وسيكون هناك رد فعل على مواطنيها، ربما يتمثل في العودة إلى الانعزالية.

ومهما تكن نتيجة عملية الغزو الأميركي للعراق فيمكن الادعاء بأن الولايات المتحدة ستكون أضعف بعد الحرب، وربما الضعف، لا يكون متعلقا بالناحية العسكرية. ولكنه مرتبط بأمرين آخرين أكثر أبدية: أما الأول، فيتعلق بالضرر الذي ستلحقه الولايات المتحدة بنفسها سواء أكانت الحملة نصرا عسكريا سريعا يدفعها لمزيد من الغرور والعنجهية، أم كانت حملة دموية طويلة يترتب عليها رد فعل معاكس. الأمر الثاني يتعلق بالضرر الذي سيلحقه بالنظام الدولي وبالعلاقات عبر الأطلسي وبالمصير السياسي لأصدقاء جيدين بالنسبة لها مثل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، الذي وضع نهاية حزينة لمستقبله السياسي. بإصراره على مشاركة بوش حربه على العراق.

وفيما يتعلق بالناتو، فإن الامر يختلف، اذ انه في الأصل ومنذ نهاية الحرب الباردة أضحى يواجه أولا، بينما هناك الكثير من الاعضاء الجدد بجانب الكثيرين الذين على وشك الانضمام للحلف، لا يوجد هناك إعادة تحديد او اعادة تعريف للغرض الرئيسي لوجود هذه الحلف. ولا يوجد عدو مثل حلف وارسو يوفر للحلف القوة والدعم اللذين ابقيا على قوة الحلف إبان فترة الحرب الباردة.

ثانيا. من دون الاسهامات العسكرية الأميركية، يجد أعضاء الحلف الباقون أنفسهم في وضع حرج للغاية في غياب قوة عسكرية كافية، وبالمقابل فان الولايات المتحدة لا تشعر انها بحاجة كبيرة للناتو وتعتقد ان التحديات الآمنة التي تلوح في الافق ستكون بشكل رئيسي خارج نطاق اوروبا، وهي فعلا ذهبت إلى خارج منطقة الأطلسي لقتل اعداء اجانب. وهناك حديث يتردد حول عمليات «خارج نطاق اوروبا»، وكثيرا ما أدى مثل هذا الحديث إلى حدوث انقسام بين الدول الاعضاء.

بالطبع الذهاب من جانب أميركا وبريطانيا لغزو العراق بمساندة دول أخرى من خارج خلف الناتو (استراليا) وامتناع دول أخرى من الناتو (فرنسا وبلجيكا والمانيا) في الاسهام بالمجهود العسكري للحرب على العراق، لابد ان تكون له تداعياته على الاقل من جانب الولايات المتحدة في دعم الدول الممتنعة إذا ما نشبت حرب بينها وبين دول أخرى خارجية.

وفي كل الاحوال، الأزمة العراقية وتداعياتها لابد أن تخلف نتائج كبيرة على مستقبل الناتو الذي يواجه اصلا مشكلات عويصة.

اما بالنسبة إلى الاتحاد الاوروبي، فإن الموقف سيئ بالفعل، فقطعا آخر شيء كان يمكن توقعه هو ان تشير اوروبا مشاجرات بالطريق التي فعلتها حديثا. فهناك بريطانيا ضد فرنسا والمانيا، وهناك بولندا وجمهورية التشيك ضد فرنسا، وهناك ايطاليا واسبانيا وبريطانيا وست دول أخرى ضد فرنسا والمانيا، وهناك تحذير الرئيس الفرنسي شيراك للاعضاء المنضمين حديثا والمرشحين للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي من الانحياز للولايات المتحدة. ان الأمر بالفعل يثير الحزن. هذا الحال يعكس وجود غير معسكر داخل الاتحاد الاوروبي. وصقور الادارة الأميركية عندما وضعوا اوروبا في خانتين (اوروبا القديمة مقابل اوروبا الجديدة) لم يكونوا مجافين لكل الحقيقة. وفي كل الاحول هذه الانقسامات ستخلف نتائج في المقدمة مها انها ستبطئ من فرص الاندماج الاوروبي.

وربما سيكون من الحكمة إلا يقوم الاتحاد الاوروبي بالبحث عن سياسة خارجية مشتركة وذلك لبعض الوقت من الآن. فهذا البحث عن سياسة مشتركة يبدو أنه يقوق أكثر منه يدعم الوحدة الاوروبية

العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً