العدد 208 - الثلثاء 01 أبريل 2003م الموافق 28 محرم 1424هـ

الحلفاء عاجزون عن تحرير العراق!

إنه انجاز رائع حقا، أليس كذلك؟ إن تومي فرانكس يقول ذلك. وطبقا لما يقوله البريطانيون فإن كل شيء يسير طبقا للخطة الموضوعة. لذلك فإنه انجاز، إذ مازال البريطانيون عاجزين عن تحرير البصرة! إن الأمور تسير بحسب الخطة مع استمرار العراقيين في إطلاق صواريخ سكود من شبه جزيرة الفاو التي يفترض انها تحت السيطرة البريطانية منذ اكثر من اسبوع! انه انجاز ـ رائع حقا ـ أن يفقد الاميركيون طائرة «اباتشي» بنيران فلاح عراقي بسيط ويمضوا اربعة ايام في محاولاتهم اجتياز الجسور النهرية عند الناصرية وان يواجههم اول مهاجم (انتحاري) عند النجف. إن نصف القوات الانجلو ـ اميركية ـ التي مازالت تسمى «قوات التحالف» من قبل الصحافيين الذين يزعمون انها تضم خمسة وثلاثين جيشا بدلا من جيشين وجزءا آخر صغيرا (القوات الاسترالية الخاصة) ـ تقوم الآن بالحراسة والاشراف على خطوط التموين عبر الصحراء. اما بغداد فتقصف ولكن لم تتم محاصرتها.

وطبقا للجنرال فرانكس فإن الخطة العسكرية سرية للغاية بحيث لا يعرفها ولا يفهمها سوى القليل! ولكنه يقول إن خطته مرنة بشكل كبير. فلا بد ان تكون مرنة للابقاء على الفوضى التي سادت الوضع في الاثني عشر يوما الماضية، وطبعا فإن معنويات قوات التحالف عالية على الأرض!

لقد قام الاميركيون بقصف حافلة ركاب بالقرب من الحدود السورية، ولم يقدموا اعتذارا عن ذلك، كما يقوم جندي عراقي بعملية (انتحارية) ضد مشاة البحرية الاميركية بسيارته ويقال إن ذلك عمل «ارهابي».

ويعلن وزير الخارجية الاميركي كولن باول ـ امام لجنة الشئون العامة الاميركية الاسرائيلية وهي اقوى مجموعة ضغط اسرائيلية في الولايات المتحدة والتي تؤيد طبعا هذه الحرب القذرة غير القانونية ـ أن سورية وايران تدعمان الجماعات الارهابية، وان عليهما مواجهة العواقب.

إذا ما هي الخطة؟ هل سنصرف النظر عن بغداد لبضعة أشهر ونوجّه جنودنا الشباب غربا لمحاصرة دمشق؟ إلى أين تسير الأمور بحق السماء! لقد ذهبنا إلى تحرير العراق ولكن الحرب قد تصبح طويلة وصعبة كما يقول جورج بوش الآن ـ وهو لم يقل ذلك من قبل، أليس كذلك؟

وطبقا لطوني بلير فإنها مجرد البداية... آه! هل هذا صحيح!

انه لأمر غريب، أليس كذلك؟ كيف تم نسيان كل تلك الضجة بالنسبة إلى الاسلحة الكيماوية والبيولوجية؟ لقد تم شطب الاسلحة السرية من القصة مثل الاقنعة الواقية من الغاز والحقن المضادة لمرض الجمرة الخبيثة والحبوب والسترات الواقية من المواد الكيماوية لان الرصاص والقنابل التي تنطلق من راجمات الصواريخ أصبحت الخطر الحقيقي على القوات البريطانية والاميركية في العراق.

وحتى محاصرة بغداد ـ المدينة التي يبلغ عرضها ثلاثين ميلا وقد تحتاج إلى ربع مليون جندي لتطويقها ـ بدأت تتلاشى من الخطة! وطبقا لصحيفة «نيويوركر» فإن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، قد تدخل في خطة الجنرال فرانكس.

انها ستكون (نقلا عن رامسفيلد) حربا من نوع لم نشهده من قبل.

ان بإمكانه ان يكرر عبارته هذه!

كنت جالسا في بغداد أستمع إلى الخطب الدعائية الفظيعة التي يلقيها العراقيون ولكني كنت اراقب الغارات الجوية الاميركية والبريطانية التي اتسمت غالبا بعدم التمييز وهي تستهدف موقعا مزعوما لبطاريات الصواريخ بالقرب من سوق في العاصمة وقت الظهيرة عاصفة رملية (لقتل المدنيين، أليس كذلك؟).

ويراودني الشك في ان الاخطاء التي حدثت لا علاقة لها بالخطط. وفي الواقع انني اشك في ان تكون هناك خطة حقيقية على وجه العموم. لانني اعتقد ان هذه الحرب ليست مبنية على تخطيط عسكري بل على ايديولوجية معينة.

وكما نعلم منذ فترة طويلة أن جماعات الضغط اليمينية المؤيدة لـ «إسرائيل» في ادارة بوش خططت للاطاحة بصدام، وذلك سيؤدي إلى تدمير اقوى دولة عربية في الشرق الاوسط.

وطلب رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي السابق، شئول موفاز ان تبدأ الحرب ضد العراق قبل الموعد الذي بدأت فيه وذلك للسماح بتغيير الخريطة في المنطقة الى الأبد. وذكر باول هذه العبارات نفسها منذ شهر مضى.

ان المعلومات الاستخبارية الزائفة ـ من المثير معرفة الدولة التي يقول مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أنه يحقق معها الآن بالنسبة إلى تزوير الوثائق التي استخدمها باول في الامم المتحدة ليثبت ان العراقيين كانوا يستوردون معدات للأسلحة المحظورة من افريقيا ـ كانت تتماشى مع رغبات المعارضة العراقية الفاسدة التي تم اختراقها من قبل عناصر مشبوهة.

لقد تم اعطاء صدقية للتخيلات والأوهام عن طريق الروح المعنوية العالية لهذه القوة العظمى. ويمكن استخدام اي نوع من الاكاذيب لدعم هذه الخطة الايديولوجية.

إن حوادث 11 سبتمبر (الغريب انه لم تعد تذكر الآن) تربط بين صدام وأسامة بن لادن (وذلك لم يتم اثباته)، أسلحة الدمار الشامل (لم يتم العثور عليها حتى الآن) انتهاكات حقوق الانسان (وقد غضضنا النظر عنها عندما كان صدام صديقا لنا) ويأتي اخيرا اعظم خطة بطولية ـ تحرير الشعب العراقي!

ولم يتم ذكر النفط، مع انه العامل الرئيسي والمهم في هذه الحرب غير المشروعة. وليس غريبا ان يعترف الجنرال فرانكس بأن اهتمامه الاول ـ قبل بدء الحرب ـ كان ينصب على حماية حقوق النفط في جنوب العراق. وذلك ما ينبغي تحويله إلى «التحرير» و«الديمقراطية» هدفا للحرب! كيف تم اجتياز الحدود بشجاعة؟

ما الاهداف العظيمة من وراء غزونا العراق؟ ويشك القليل من العراقيين ـ وحتى الوزراء في بغداد يتحدون في ذلك ـ ان يتمكن الاميركيون في نهاية الامر من احتلال العراق. إن لديهم القوة والاسلحة لشق طريقهم داخل كل مدينة وفرض حظر التجوال والاحكام العرفية على البلاد، ولكن هل باستطاعتهم إخضاع العراقيين لهذا الحكم؟ إن ذلك غير ممكن الا اذا ثار الشعب ضد صدام كما يأمل بوش وبلير. لقد أصبحت الحرب الان حربا قومية ضد القوى الاستعمارية المكشوفة. كيف يستطيع الجنرال فرانكس من دون دعم العراقيين ان يفرض الديكتاتورية العسكرية أو ان يجد العراقيين الراغبين في خدمته أو تشغيل حقول النفط؟ إن الاميركيين بإمكانهم ان يكسبوا الحرب، ولكن اذا فشلت خطتهم فإن ذلك يعني انهم قد يخسرونها، وهناك انجاز آخر يجب ان نتحدث عنه، إنه صدام الفظيع، اكبر ديكتاتور متمرد في العالم العربي الذي استخدم في الواقع اساليب فظيعة في التعذيب والغارات السامة ايضا. إن هذا الديكتاتور يقود بلدا يقاتل القوة العظمى الوحيدة في العالم، واستمر في القتال حوالي اسبوعين من دون ان يستسلم.

حقا لقد حقق الجنرال فرانكس «إنجازا رائعا حقيقيا»! لقد حول وحش بغداد إلى بطل في العالم العربي وجعل العراقيين يعُلّمون كل المعارضين لاميركا كيف يقاتلون عدوهم.

(خدمة الاندبندنت ـ خاص بـ «الوسط»

العدد 208 - الثلثاء 01 أبريل 2003م الموافق 28 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً