العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ

... ما بعد الأسوأ

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهت المعركة العسكرية على العراق وبدأت الحرب السياسية. انتهت المعركة في أسوأ سيناريو يمكن تصوره وحققت أميركا عسكريا الحد الأقصى من خطتها بأقل الخسائر وبات عليها الآن تحقيق الأهداف السياسية من حربها. حتى الآن تبدو واشنطن مكتفية بالتأكيد على أهدافها المعلنة: دخول بغداد وقتل الرئيس العراقي وأسرته والمجموعة المخلصة للنظام.

هذه هي الأهداف المعلنة، أما الأهداف التي لا تفصح عنها فهي عرضة للتقلبات والأهواء. وعدم إعلانها يعني أن هناك عقبات سياسية حقيقية تمنعها من كشفها وتخاف من قولها دفعة واحدة.

وإبقاء واشنطن أهدافها الحقيقية طي الكتمان يراد منه إثارة بلبلة في «الشرق الأوسط» ووضع المنطقة في حال من الإرباك السياسي والحيرة من أمرها والانقسام على تحديد موقف موحد من الهجمة الأميركية. فالأسئلة عن غايات الولايات المتحدة كثيرة تبدأ بالبوليسية (المؤامراتية) من نوع قُتل صدام أم لم يُقتل، هرب، اعتقل، قاتل لم يقاتل، عقد صفقة لم يعقد، حصل انقلاب ضده من الحرس الجمهوري لم يحصل، غدر به أصحابه في اللحظة الأخيرة وسلموه إلى القذائف والصواريخ... إلى آخره من الأسئلة التي تثير الهواجس وتعمي البصر والبصيرة.

إلا أن الأسئلة الحقيقية والمسكوت عنها هي: ماذا تريد واشنطن من العراق؟ ومن هي الدولة المرشحة بعد العراق؟ وما الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة غير النفط وحماية «أمن إسرائيل»؟ وماذا تريد إدارة البيت الأبيض من منطقة مستعدة لتعطيها ما تريد من دون حرب؟ ولماذا «البنتاغون» مصرة على محاربة منطقة ساقطة عسكريا ومن دون قتال؟ وما هدفها من محاربة أنظمة محسوبة عليها؟ وما فائدة قلب الاستقرار في دائرة لا ينافس عليها الولايات المتحدة أي طرف دولي؟ باختصار ما مصلحة أميركا في محاربة مصالحها؟ ولماذا تصر على النظر إلى المرآة وتقاتل نفسها؟

أسئلة فعلا محيرة، ولا يعرف أجوبتها سوى أشرار البنتاغون وحفنة من المجانين قيض لها بغفلة من الزمن وبتزوير الانتخابات الرئاسية في ولاية فلوريدا أن تتسلط على أكبر ترسانة عسكرية في التاريخ لتقود العالم نحو هاوية الاضطراب الدولية وتأزيم العلاقات بين الدول الكبرى.

السيناريو الأسوأ وقع في العراق. وحين يحصل الأسوأ يصبح كل يوم إضافي على وجود قوات الاحتلال هو الأقل سوءا. والأقل سوءا يعني أن الوضع العراقي يتحسن بعد أن وقع أسوأ ما يمكن تصوره وهو احتلال العراق. وبعد الاحتلال يأتي طرده وتحرير العراق. وهذه هي بالضبط الحرب السياسية. وهي لا شك ستكون من الحروب الطويلة والمريرة والشرسة لا تقل كلفتها عن تلك التي تتحدث الذاكرة عنها في الجزائر أو ما نشهده ونشاهده اليوم في فلسطين.

الفوز العسكري لا يعني بالضرورة هزيمة سياسية. فالهزيمة كانت للنظام وليست للعراق، والولايات المتحدة توسطت سلطة العشيرة (الأسرة) الحاكمة لتحطيم الدولة وما تحويه من مراكز بحوث وعلوم وجامعات ومكتبات ومتاحف ومخطوطات وأوراق... والأهم وثائق تكشف أسماء الشركات والدول التي أسهمت في بناء ترسانة صدام حسين العسكرية وما كان يسمى أو يطلق عليه «أسلحة الدمار الشاملة». الآن انتهى نظام العشيرة وحكم الأسرة وحطمت الدولة إلا أن العراق لايزال ينبض بالحياة ويطلب الحرية لا من المستبد فقط بل من الاحتلال أيضا.

حققت الولايات المتحدة الهدف الأسهل (احتلال بغداد وقتل صدام وأسرته ومجموعته) وبقي عليها الكثير. والكثير هو الأصعب ويتعلق بتحطيم الناس وكسر شوكتهم وإذلالهم ومصادرة استقلالهم وسيادتهم وثرواتهم وتنصيب «وكلاء» للتحدث باسمهم.

ما حصل في الأسبوع الأول بعد الاحتلال من مظاهر احتجاج ومظاهرات وتحركات سياسية ترفض سرقة ثروة البلاد ونهب مؤسساته هي بداية الطريق. وهي لا شك بداية طويلة ومديدة ومريرة... إلا أن مراراتها أحلى من تلك الأيام التي قضى فيها هذا الشعب خلف أسوار العشيرة وحكم الأسرة ثلاثة عقود من الزمن.

صدام كان السد الحديد الذي يحجز خلفه 26 مليونا من البشر. الآن انكسر السد، وذهب الأسوأ والأصعب... وجاء مكانه الأسوأ والأصعب. والمنطق يقول بعد الذروة في السوء لابد أن تأتي الأيام الأحسن.

الآن بغداد لن تعود كما كانت، فما كان... كان. والآتي هو الأفضل والأسهل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً