العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ

تدمير الذات

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

تحولت الاتفاقية الأمنية التي تنشدها دول العالم الإسلامي والعربي مع دول الغرب ضد أي اعتداءات خارجية إلى قيود تستغلها الدول الكبرى لتحييد هذه الدول خلال عملياتها العدوانية ضد أي من الدول الأخرى.

فلطالما تعرضت البلدان والشعوب الإسلامية والعربية الواحدة تلو الأخرى لهجمات تدميرية شرسة، أو دموية عاتية، إما بهدف الاستيلاء على الأرض كما حدث للأندلس وفلسطين وسبتة ومليلة، أو السيطرة لنهب الثروات وتدمير المنجزات كما جرى لمصر وليبيا وأفغانستان وحاليا العراق، وغدا تأتيكم الأنباء عن الآتي. وحيال كل ما يحدث تقوم الشعوب العربية والإسلامية بمظاهرات ومسيرات صاخبة، تجوب الشوارع مستنكرة، وتزمجر بشدة منددة أو متهمة الحكام إما بالتقصير أو الخيانة. مع أننا في قرارة أنفسنا نعلم بأن كل ذلك لا يغير من الأمر شيئا، بحكم أن معظم حكومات الدول الإسلامية والعربية مرتبطة باتفاقات عسكرية دولية وشروط ملزمة لا تسمح لها بمخالفتها. وإن هي تجرأت على مخالفتها تعرضت لعقوبات اقتصادية وربما عسكرية قاسية تكلفها الكثير، فإزاء ذلك لا تجد هذه الدول سوى التقيد بالشروط المنصوص عليها ولو كانت جارحة للشعور العام ومخيبة لآمال شعوبها. لذلك تحاول هذه الدول امتصاص الغضب العام بالسماح للجمعيات السياسية بتسيير المظاهرات الاحتجاجية، بشرط أن تكون في شكل مسيرات سلمية محددة المكان والزمان حتى لا تمس الطرف لآخر بسوء وإلا واجهت التصدي لها من قبل شرطة مكافحة الشغب لإرجاعها إلى مسارها المرسوم. بمعنى أن كل الحكومات والشعوب يحكمها الخوف من المجابهة، مجابهة الباطل الذي يضر بالمصلحة الوطنية. فالجمعيات السياسية في جميع الدول على رغم معارضتها للحوادث الجارية على الصعيد العسكري بين جمهورية العراق والدول الغازية تلتزم باتفاقها مع حكوماتها بشأن المسيرات الشعبية والخوف فقط لدى الطرفين من النتائج الكارثية يرغم كذلك الحكومات الإسلامية والعربية على الالتزام بتنفيذ شروط الاتفاقات الأمنية مع الدول الأخرى.

هكذا صيغت تلك الاتفاقات بشكل يحيد ويشل حركة الدول ولو آل عليها بالشرور وهذا هو غرضها، تهدم العلاقات الداخلية في الدولة وتحدث فجوات بين الحاكم والمحكوم وتعمق الخلافات لكي تسيطر على الاثنين وتهدد هذا بذاك لتضمن مزيدا من التسهيلات وإحكام القبضة على كل دولة على حدة ولو أدى إلى زوالها.

إن الحكام والشعوب سيظلون رهن تلك الاتفاقات والحساسيات بين بعضهم بعضا ما لم يتفق الاثنان على وضع يد كل طرف في يد الآخر لتحطيم هذه الأغلال التي كبلت المصالحة الوطنية بين الحاكم والمحكوم في كل دولة وبين الدولة وجارتها.

والآن علينا أن نستوعب العبر فليس هناك من حاكم عاش بعيدا عن شعبه وليس هناك من حاكم ذكره التاريخ إلا بمقدار ما قدمه لأمته ولو كان مجوسيا

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً