العدد 228 - الإثنين 21 أبريل 2003م الموافق 18 صفر 1424هـ

إمكاناتنا المعرفية هي التي ترفع شأننا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما سألت مديرة الإعلام في بنك بي. إن. بي. باريباس (BNP PARIBAS)، اغاتا هيزيك، لماذا اختار المصرف البحرين مقرا اقليميا؟ كانت أجوبتها متعددة وكلها شهادة للبحرين.

المصرف في العاصمة الفرنسية، باريس، يقع في المبنى الذي تزوج فيه نابليون من زوجته جوزافين، وهو متحف أكثر منه مصرفا. ولذلك فإن الأسباب التي دعت رابع أكبر مصرف أوروبي إلى اختيار البحرين شهادة نفتخر بها، ومن تلك الأسباب التي يطرحها المصرف:

1- إن القطاع المصرفي في البحرين يمثل أكثر من عشرين في المئة من الناتج القومي البحريني والحكومة البحرينية تضعه في سلم أولوياتها.

2- انها تمثل مركز أوفشور عالمي مؤثر بسبب وجود ستين مصرفا ومؤسسة مالية في هذا المجال.

3- وجود أكثر من ثلاثمئة مؤسسة مالية في البحرين.

4- انها المركز الاقليمي لاثنين من أكبر المصارف العربية وهما: ABC وGIB.

5- انها تمثل مركزا للصيرفة الإسلامية يحتوي على 12 مركزا للصرافة الإسلامية.

6- وجود إدارة حسنة من قبل مؤسسة نقد البحرين وتطبيق ضوابط عالمية في المجال المصرفي.

7- مركزية موقع البحرين، وهي بمثابة بوابة للسوق السعودية المهمة.

8- توافر خبرات محلية فائقة في المجال المصرفي، وهي خبرات متراكمة منذ سنوات كثيرة، ولا يمكن لأي مصرف العمل من دونها.

9- وجود مكثف لمحركي أسواق المال الإقليمية بالإضافة إلى شركات التأمين.

10- عدم وجود قيود على حركة رأس المال، بالإضافة إلى نظام ضرائبي ملائم.

11- وجود نظام قانوني يضبط الأنشطة المصرفية.

أما بالنسبة إلي فإنني أعتقد أن أهم عامل شجع هذا المصرف الكبير وغيره من المؤسسات المالية هو وجود موارد بشرية بحرينية متدربة تدريبا فائقا، ووجود خبرات في مجالات مقاربة مثل علوم الكمبيوتر والبرمجة والتأمين، ووجود شعب البحرين الذي يمتلك بأخلاقه كل زائر إليها.

وكل شيء يذكر عن أنظمة رقابية وعوامل مادية أخرى يمكن اقتباسها ونقلها إلى مكان آخر، إلا العامل البشري فإنه مرتبط بأهل البحرين وأرضها المعطاءة. وهذا العامل البشري هو سر تقدم دول مهمة مثل اليابان وسنغافورة اللتين لا تملكان موارد طبيعية مثل النفط والغاز، ولكنهما تملكان ما هو أهم من ذلك كله: إمكانات بشرية متدربة بصورة فائقة جدا ومستعدة للأعمال الجادة، ومؤمنة بقيم العمل وأخلاقيات التعامل مع الآخرين.

فعلى رغم مرور البحرين بأزمات خلال السنوات الماضية، إلا ان الخبرات المحلية في الصيرفة والمجالات المرادفة لهذه الصناعة ارتفعت كثيرا. بل ان هناك نقصا في هذه الوظائف ولا يوجد بحريني لديه خبرة ومؤهلات في هذه المجالات يتعطل عن العمل. كما ان ضبط مؤسسة النقد سير العمل في المصارف على أساس حرفي ساعد كثيرا على تعزيز الثقة بالبحرين في هذا القطاع المهم. ونعتقد أن مزيدا من الاستقلالية لمؤسسة النقد سيؤهلها للعب أدوار أكبر مما تقوم به حاليا.

منذ عقد الثمانينات والعالم يتجه بعيدا عن المفاهيم القديمة في الاقتصاد، والتركيز اتجه على تطوير العامل الأهم في خلق الثروة الوطنية، وهو ما يطلق عليه بـ «رأس المال المعرفي والاجتماعي». إن المعرفة التي يكونها مجتمع ما لا تنتج بصورة عفوية؛ فالمعرفة ليست المعلومات المتناثرة التي يتعلمها المرء بصورة اعتيادية، وإنما «الخبرة» التي تتطور لدى مجتمع ما بحيث يتمكن هذا المجتمع من اتخاذ القرارات المناسبة ووضع الخطط التنفيذية لمختلف مجالات الحياة. وهذه الخبرة متى ما توافرت فإنها تتضاعف مع استخدامها، وهي بعكس مصادر القوة الأخرى التي تنفد بكثرة استخدامها. فالنفط مصدر قوة، لكن هذا المصدر ينضب بالاستخدام، إلا أن المعرفة تزداد مع الاستخدام ولا تستهلك. بل على العكس فإن المزيد منها يوفر تراكما يخلق مجالات معرفية أخرى ويفتح الآفاق أمام حياة أفضل.

وهذا ما نراه يتحقق لدينا في البحرين في احد المجالات، وهو الصيرفة. ولكن ماذا لو نقلنا هذه التجربة إلى المجالات الأخرى وركزنا على تدريب الطاقات وتطوير الخبرات في مجالات أخرى، مثلا: في برمجة الكمبيوتر، في التأمين، في الصناعات التقنية، في الصناعات الخفيفة، في السياحة النظيفة، في التدريب والاستشارات، في الإعلام... إلخ.

إن نجاحنا في مجال واحد يحفزنا على ان نتقدم إلى الأمام في مجالات أخرى، وهذا يتطلب تحرير الاقتصاد ويتطلب تجريم الفساد الإداري ومعاقبة الذين يسطون على المال العام كائنين من كانوا، كما ويتطلب إصدار تشريعات لتصحيح أخطاء الماضي، وهذه التشريعات قد تنص على إعادة استملاك السواحل وفتح المجال أمام المواطنين لرؤية البحرين والاستمتاع بها، ورعاية الجوانب الثقافية والتراثية، وفسح المجال أمام حرية التعبير لكي نستقطب بعض النمو المتزايد في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب. فدول الجوار أصبحت لها حصة الأسد في أفضل صناعة تنمو بسرعة، بينما نحن مشغولون بإقناع وزارة الإعلام بالتخلي عن قوانين الطوارئ والرقابة التي تحاول فرضها على الصحافة والنشر، على رغم توجه القيادة السياسية لإصلاح الأوضاع وإبعادها عن سلبيات الماضي.

إننا شعب متحرك ومتفاعل مع متطلبات الحياة، ونمتلك من الإمكانات البشرية ما يؤهلنا للوصول إلى مستويات عالية، كما وصلنا إلى ذلك في صناعة الصيرفة والمؤسسات المالية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 228 - الإثنين 21 أبريل 2003م الموافق 18 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً