العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ

الصنم... والزمن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اختارت الولايات المتحدة ميلاد الرئيس السابق صدام حسين موعدا لعقد اجتماع المعارضة. فهل يوم 28 ابريل/نيسان مصادفة، أم انه إشارة إلى بداية ميلاد جديد للعراق؟ حتى الآن معظم الدلائل تشير إلى عدم اختلاف في جوهر المسائل. الاختلاف حتى الآن هو في الظاهر، أما باطن الموضوع فهو لايزال يراوح مكانه.

وحتى نصل إلى مقارنة موضوعية، لابد من الإجابة عن سؤال: ما هو جوهر حكم صدام حسين؟ بعد الجواب نستطيع أن نقارن النتائج بالاستنتاجات.

حين دخلت جيوش الاحتلال بغداد وخلعت من ساحة الفردوس صنم صدام حسين، مستخدمة الجنازير والدبابات، أعلن رسميا عن سقوط النظام. فالتمثال رمز للجمود السياسي الذي أصاب العراق بعد حكم دام قرابة ثلاثة عقود. وحين يسقط التمثال الذي لم يجد من يدافع عنه، فمعنى ذلك أن كل ما يرمز إليه النظام انهار في لحظة. إلا أن الواقع يقول: إن النظام لم يبدأ بالصنم، بل انتهى إليه. بدأ النظام من مكان آخر ودخل في مسار تاريخي متقلب إلى أن تموضع في النهاية في قبضة شخص واحد سيطر على كل مصادر الحياة في المجتمع.

النظام بدأ من حزب وانتهى في صنم. وبين الحزب والصنم هناك تاريخ طويل من الصراع والمؤامرات والاغتيالات والتصفيات والتحالفات والانقلابات والغدر والخوف والمخاوف، وأخيرا الشك الذي وصل في لحظة النهاية إلى حد أن صاحب الصنم لم يثق بأي من مساعديه ومعاونيه لوضع خطة دفاع عسكرية سليمة لمواجهة الغزو الأجنبي الآتي من وراء البحار والمحيطات.

إسقاط الصنم هو إلغاء تاريخ من التطور أو اللاتطور من نظام الحزب إلى نظام العشيرة، ومن نظام العشيرة إلى نظام الأسرة التي يرعاها «الأب الأعظم» الذي يرى في السلطة مجرد خضوع لقرار منفرد واحد لا يقبل أن يشاركه أقرب الأقرباء في صنعه أو اتخاذه.

هذا المسار العبودي لم يظهر فجأة ودفعة واحدة، بل كان نتاج تداعيات سلطة قامت أساسا على فكرة الانقلاب والسيطرة على مؤسسات الدولة من طريق القوة. ومن تلك اللحظة بدأت فكرة المصادرة تسيطر على كل شيء، إلى أن تحولت الأشياء إلى لا شيء. وحين تفقد الأشياء معناها تفقد تاريخها ومبرراتها ووظائفها وبالتالي يصبح دورها لا معنى له في ظل حكم يعتمد المصادرة. وحين تصادر قنوات الحكم وروافدها تفقد السلطة حيويتها وروحها وتتحول مع مرور الأيام إلى صنم يتنصب في «ساحة الفردوس»، لا يجد من يدافع عنه خوفا منه.

الصنم الذي سقط في بغداد أسقط معه سلسلة حلقات من المخاوف. وتلك الحلقات هي سلسلة من تاريخ تراكم عكسيا فألغى التراكم الزمني وهبط صعودا. فكل خطوة في السياسة إلى الوراء قابلتها خطوة إلى الأمام لتعزيز سلطة الشخص. فالهبوط السياسي قابله صعود الصنم وارتفاعه في «ساحة الفردوس». وحين جاءت اللحظة سقط وحده ولم يجد من يدافع عنه.

صنم صدام حسين لم يبدأ النظام به بل انتهى إليه. فهناك تاريخ طويل من العذاب والشقاء، تفصل/تربط البداية بالنهاية. ونهاية الفردوس هي بداية شيء من المجهول، يحمل معه «الأصنام البديلة» من وراء المحيطات إلى ساحة تشهد سلسلة مظاهرات واحتجاجات شعبية منذ لحظة سقوط الصنم. الصنم مات وشبع موتا، وإزاحته فتحت الباب أمام الناس للخروج إلى الساحة لقول قولها. والقول الأول في المعنى العام والزمني هو الأخير: لا للغزاة، لا للاحتلال، لا للصنم، ولا للأصنام الجديدة.

الفارق بين النظام السابق والنظام الذي تريد الولايات المتحدة تركيبه في ساحة الفردوس هو فارق في العدد. الأول أحادي يعتمد سطوة الصنم الواحد، والثاني تعددي يعتمد سطوة تعددية الأصنام.

أهل العراق قالوا قولهم: لا نريد الأصنام... ونطمح إلى حكم نابع من تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا وكتابنا. رد الحاكم المكلف بإدارة شئون العراق من واشنطن: إن البيت الأبيض لا يريد نظام حكم على النمط الإسلامي.

كلام وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عن «الفرس» و«إيران» للرد على المشاعر والشعائر يذكر بلغة ليست بعيدة عن لغة «صنم ساحة الفردوس».

وهكذا عاد أهل العراق إلى السؤال نفسه: من يختار النظام؟ السؤال نفسه كان نقطة التصادم الأولى بين الناس والسلطة، وانتهى الصراع زمنيا باعتقال الناس وتحويل السلطة إلى صنم يرتفع في ساحة أطلق عليها «الفردوس».

السؤال نفسه يطرح من جديد: من يختار حكومة العراق؟ أهل البلاد أم جنرالات الدبابات؟ ومن السؤال تتفرع أسئلة عن مصير العراق ومحيطه العربي ـ الإسلامي. ومن تلك الأسئلة: ماذا يريد أهل العراق؟ الغزاة يقولون نريد حكومة تمثيلية معينة توجد فيها كل فسيفساء المجتمع. أبناء الرافدين يقولون: نريد حكومة اختيارية منتخبة من الشعب.

وبين التعيين والاختيار يقف صنم صدام حسين ينتظر دوره. فالتعيين التمثيلي يعني الانتقال من سلطة الصنم الواحد إلى تعددية الأصنام. والاختيار الانتخابي يعني نهاية فعلية لحقبة صدام وصنمه السياسي.

حتى الآن تبدو المقارنة الموضوعية متشابهه. الولايات المتحدة تطمح إلى نوع جديد من سلطة صنمية لا تقوم على حكم الفرد، بل على حكومة أفراد تختار واشنطن من بعيد أسماء رجالها... بينما الشعب في ساحة الفردوس يحتج من جديد على مصادرة حقه في الاختيار والانتخاب بعيدا عن الصنم الذي سقط والدبابة التي أسقطته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً