العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ

السلطة الرابعة... سلطة معنوية بالأساس

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحوار الذي نظمته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان يوم أمس الأول، وجمع صحافيين ومهتمين بحرية التعبير عن الرأي تطرق إلى الموضوعات الساخنة في الساحة السياسية البحرينية، وخصوصا ما يتعلق بقانون الصحافة والنشر الذي صدر في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبعث الإحباط في نفوس المدافعين عن الحقوق الأساسية للمواطن.

وبغض النظر عن بعض الدعوات الشاذة عن النهج المعترف به إنسانيا وأخلاقيا، فإن الدعوات كلها تتجه إلى الصعود بالبحرين إلى مستوى التحضر المطلوب في التعامل مع السلطة الرابعة، على أن الحديث عن السلطة الرابعة ينبغي ألا يثير الفزع في نفوس الماسكين بالسلطات الثلاث للدولة (السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية). فالسلطة الرابعة هي سلطة معنوية أدبية تتجاوز أسوار الحديد للسلطات الثلاث الرسمية التي تمتلك كل إمكانات الدولة. والسلطة المعنوية تعبر عن الرأي العام، وهي سلطة رابعة لأنها توازي السلطات الفعلية الأخرى من ناحية الأثر. وهي ليست فقط متنفسا للرأي العام، وإنما هي وسيلة أيضا لإحداث التوازن في المجتمع وبين المجتمع والدولة.

على أنني كنت ممن استمع إلى أحد المداخلين المحترمين وهو يصور الصحافة بأنها تعبر عن الطبقة الثرية (البرجوازية) التي تملك المال وتستطيع أن تؤثر في الحياة السياسية، وإن الفقراء ليس لهم دور في ذلك. ولعل هذا التفسير الذي تبناه عدد من المنظرين الماركسيين في العالم صحيح في جوانب محددة، عندما تكون الصحافة خاضعة لرغبات هذه الطبقة أو تلك ولكن الحال يختلف عندما تكون هناك ضوابط صحافية حرفية ونقابية ووعي جماهيري عام يقيم الصحيفة وما يكتب فيها.

النظرة الأخرى للصحافة لا تنظر إلى انها تعبر عن الطبقة البرجوازية أو الطبقة الفقيرة والتضاد بينهما، وإنما تنظر إليها بالطريقة التي عبر عنها المفكر الليبرالي وعضو البرلمان البريطاني أدموند بيرك الذي عاش بين 1729 و1797. بيرك نظر إلى الصحافة على أنها المقاطعة الرابعة، وتعبير المقاطعة يوازي تعبير السلطة، وكان آنذاك ينظر إلى المقاطعات (السلطات) الأخرى على أنها الملك (أو الملكة) والكنيسة والبرلمان. أما السلطة الرابعة فهي خارج إطار الدولة الرسمي.

وقد عبر عن المقاطعة الرابعة بالمعلومة المطبوعة، التي هي نتيجة لمهنة الكتابة، والكتابة المنطلقة والمسئولة هي الديمقراطية. والكتابة لا تتطلب ثروة أو مالا، بل إن أصحاب الثروة والمال يبحثون عن الكتاب بمختلف أنواعهم.

وهذا يطرح النقطة الأخرى التي لا تذكرها النظرة الماركسية للإعلام، وهي قوة القراء. ففي دول كثيرة هناك من الفقراء من تصبح لديهم ثروة بليونية، لأن هناك من يقرأ. فمؤلفة قصص «هاري بوتر» الآن من أكثر الكتاب ثروة، ولكنها عندما بدأت تكتب لم يكن لديها ما يكفي لإعالتها وإعالة ابنتها بعد أن انفصلت عن زوجها وعادت لتعيش فقيرة في مدينة أدنبرة الاسكتلندية. وقد استوحت أفكار «هاري بوتر» من معاناتها ورحلتها مع الأمل، وإذا بكتبها تنتشر بسرعة فائقة، وإذا بالثروة تنهال عليها، وإذا بأفلام هوليوود تنتج قصصها.

مؤلفة قصص «هاري بوتر» لم تكن برجوازية وأفكارها في القصص ليست برجوازية، بل انها تساند المستضعفين والمحرومين، وتخرج من إطار القصص الواقعي إلى القصص الخيالي لتنتج عددا من الكتب التي يسرع الأطفال والنساء والرجال لحجزها قبل صدورها، وثم شرائها وقراءتها. بل إن أطفال المدارس في بريطانيا وأميركا يتسابقون على عدد المرات التي قرأوا فيها كل قصة من قصصها بتلك الصفحات التي تزيد على المئة.

المشكلة إذن ليست في الطبقية، وإنما في قوة سوق القراءة. وفعلا البلدان العربية تعتبر من أقل البلدان اطلاعا على ما يكتب محليا ودوليا، ولذلك فإن السوق تحتكرها السلطات التي تؤمن بالنهج القمعي للحريات أو بعض المتنفذين، ولكن كل ذلك ينتهي إذا وجدت السوق القارئة وهي التي تحدد من له الأثر.

وللحق يقال إن المملكة العربية السعودية أصبحت الآن تنافس بلدان شمال افريقيا في القراءة، فهناك الآن سوق قراءة في السعودية وهناك إقبال على الصحف والكتب، وهذا ما دفع إلى نشوء طبقة من المفكرين والأدباء الكبار في السعودية، وهؤلاء الآن ينافسون المفكرين في مصر ولبنان والدول العربية التي تصدرت تقليديا الفكر والثقافة.

وهذا هو محور النقاش الدائر حاليا في البحرين. فمنذ الانفتاح السياسي ازداد التوجه العام للقراءة والاطلاع، والمنتدون في الحلقة الحوارية يوم أمس الأول ركزوا على ضرورة رفع اليد السلطوية لوزارة الإعلام لكي يتم تحرير الإعلام وتتعزز بذلك سوق القراءة، وتتعزز سوق النشر والصحافة وجميع الصناعات المرتبطة بها.

إن القطاع الإعلامي يعتبر من أكثر القطاعات نموا في العالم وفي منطقتنا الخليجية، وقد سبقتنا الإمارات وقطر في استقطاب جزء كبير من هذه السوق التي تتحرك في عالم معلوماتي متطور، ولذلك فإن القانون الذي نطالب به يجب أن يكون قانونا للمستقبل وليس قانونا تم اجتراره من الماضي البائس. فالبحرين رائدة في الفكر والثقافة سابقا ولديها القدرة للصعود والريادة مرة أخرى

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً