العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ

الهجوم الأميركي... والممانعة العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اسئلة كثيرة تطرح في سياق الهجوم الاميركي السياسي على منطقة «الشرق الأوسط». فالهجوم هذه المرة يأتي من جهات مختلفة في ظروف دولية غير قادرة على «كبح» المطامح التي تعلنها ادارة البيت الأبيض. فروسيا مترددة وهي في وضع لا يسمح لها ان تواجه الولايات المتحدة كما كان حالها في فترة الاتحاد السوفياتي. فرنسا بدورها وجدت نفسها في مأزق سياسي فهي لا تستطيع تطوير صمودها ضد المطالب الاميركية لا في مجلس الأمن ولا في الاتحاد الاوروبي ولا تستطيع ايضا التراجع عن مواقف مبدئية صحيحة في مضمونها ولكنها لا تلقى الشعبية من اصحاب المصالح والشركات الفرنسية التي تربطها علاقات تاريخية وقوية في السوق الاميركية. كذلك المانيا فهي تعاني من مأزق سياسي لا يقل خطورة عن ذاك الذي تمر به فرنسا. فالمانيا ايضا خائفة من الغضب الاميركي ولا تريد ان تغامر بمصالحها في فترة لاتزال فيها بحاجة إلى الحماية الامنية وضمان انفتاح سوقها على الاستثمارات الآتية من المقلب الآخر من المحيط الاطلسي. أما الصين فحالها اصعب فهي من جانب تتعرض لاجتياح وباء «سارس» الذي ينتظر ان يقلص نموها الاقتصادي نصف في المئة (من 7 في المئة إلى 6,5 في المئة) في السنة الجارية، وهي ايضا تراقب حدودها الجنوبية - الشرقية وما يجري حول شبه الجزيرة الكورية. فالصين ترى في ازمة كوريا الشمالية ومشكلتها مع الولايات المتحدة ازمة صينية نظرا إلى حساسية موقعها الجغرافي ومسئوليتها السياسية والمعنوية عن ضمان أمن جارتها التي ترتبط معها بعلاقات قربى جغرافية.

هذا الوضع الدولي الذي ظهر فجأة ومن دون ترتيبات مسبقة عشية استعداد اميركا للحرب على العراق أصيب بوهن سياسي بعد ان نفذت واشنطن تهديداتها وذهبت إلى حربها الخاصة على العراق ضاربة بالحائط كل الاعتراضات الدولية والاحتجاجات التي اندلعت في أكثر من 60 دولة ومدينة في العالم.

هذا الوضع الدولي يراوح مكانه، بل ان الدول الكبرى تتجه الآن الى اعادة قراءة مواقفها تحت سقف مصالحها الخاصة في وقت تتمسك فيه واشنطن بسياستها الهجومية معلنة ان ما حصل في العراق ليس النهاية.

اذا كان ما حصل هو بداية فكيف يمكن تصور النهاية. وما هي النهاية التي تطمح اميركا إلى الوصول اليها في حال استمر الهجوم السياسي وبقيت الدول الكبرى حائرة في امرها تعرف ماذا تريد ولا تستطيع الوصول او تنفيذ ما تريده؟

هناك اذن مشكلة. والمشكلة ليست عربية وإنما دولية. وحين ينكشف السقف الدولي وتنفرد دولة واحدة بقيادة مصالح العالم ضد رغبة دوله وشعوبه تصبح الدول الاخرى وتحديدا دول «الشرق الأوسط» في حال انكشاف كلي امام الهجوم الاميركي والاستعداد الاسرائيلي للاستفادة من الخلل العام الذي ضرب بنية النظام الدولي والاسس والتقاليد والقوانين التي قام عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

المشكلة الآن ليست عربية إلا ان الطرف الاكثر تضررا وربما تعرضا للهجوم الاميركي هو الدول العربية من دون تمييز بين دولة صديقة لواشنطن ودولة موضوعة على خانات الخصوم ولائحة الاعداء. وما اصاب العراق من انهيار عسكري وما اعقبه من فوضى عارمة طال في سلبياته كل الدول العربية حتى تلك التي تعتبر نفسها في جبهة الاصدقاء. فالانهيار الخاص لدولة عربية واحدة هو في جوهره بداية تفكك نظام علاقات عام يربط مجموع الدول العربية حتى تلك التي تعتبر نفسها انها اصبحت خارج المنظومة الاقليمية لنظام «الشرق الأوسط».

هذا التفكك الذي يمر به «النظام العربي» وتعيش الدول العربية بداياته يعني في منطقه الخاص ان احتمالات تصدي الدول العربية للهجوم الاميركي السياسي باتت صعبة لأنها تفتقد الى مرجعية دولية تتميز بالقوة والحيوية المضادة للطموحات الاميركية... وهي صعبة اكثر في مرحلة اخذت المنظومة العربية تتبعثر وتتوزع على مجموعات اقليمية تبحث كل مجموعة عربية عن نظام خاص ومستقل عن تلك الرابطة العامة التي جمعت الدول العربية منذ نهاية الحرب العالمية الاولى.

المشكلة الآن مع الولايات المتحدة عالمية... إلا ان واشنطن اختارت لحسابات جغرافية وسياسية ونفطية المساحة العربية لاختبار مشروعها الضخم الذي يبدأ في «الشرق الأوسط» ولكنه لن يكتفي بهذه الرقعة الجغرافية بل يرجح ان يطور هجومه خارج دائرة المنطقة حين يجد ان امكاناته وظروفه تحسنت في مرحلة لاحقة.

اذن هناك اسئلة كثيرة تطرح في سياق الهجوم الاميركي السياسي على منطقة «الشرق الأوسط» وهي باتت تتناول جوهر النظام الاقليمي وثوابته السياسية والامنية وربما مستقبله في حال تعرضت المنظومة العربية لهزة جديدة تشبه أو توازي تلك التي حصلت في بغداد.

ولا شك في ان مراقبة ماذا يحصل في فلسطين تؤشر على المفاصل التي تضرب عليها واشنطن محاولة استثمار ضرباتها في العراق والاستفادة من نتائجها السياسية في الدائرة الجغرافية المحيطة ببلاد الرافدين.

فلسطين في هذا المعنى نقطة الدائرة وهي الثابت الاساسي واحيانا الوحيد لمنظومة الدفاع العربية التي أسست مقوماتها الامنية على قواعد مواجهة الخطر الاسرائيلي ومنع انتشار ذاك الخطر وانتقاله كوباء «سارس» من منطقة إلى اخرى. وفي هذا المعنى ندرك الاهداف الحقيقية من وراء تأجيل الولايات المتحدة طرح مشروع «خطة الطريق» إلى فترة لاحقة... إلى ما بعد الحرب على العراق.

الحرب العدوانية التي افتعلتها اميركا في العراق كانت هي بداية «خطة الطريق»... والخطة لو طرحت قبل الحرب لكانت لاقت الاعتراض العربي والرفض الفلسطيني إلا ان تأجيلها كان لاختبار مستوى الممانعة العربية ومدى التأثيرات السلبية التي تركتها تداعيات الحرب على مجموع المنظومات العربية انطلاقا من رصد ردود الفعل العربية والفلسطينية على خطة ترى فيها واشنطن بداية جديدة لمنطقة «الشرق الأوسط» وهي المدخل الخاص لمشروع عام يطول أكثر من ثابت من ثوابت النظام العربي على مستوييه السياسي والامني.

والجواب عن تلك الاسئلة الكثيرة التي تطرح في سياق الهجوم الاميركي السياسي لابد انه يتطلب اعادة قراءة لاستراتيجية النظام العربي وقدراته واستعداداته ومدى امتلاكه عناصر القوة والممانعة.

الوضع العربي ليس ضعيفا إلا أنه يمكن ان يستضعف في حال لم تسارع الدول العربية الى اعادة النظر ليس في ثوابتها بل في الوسائل التي اعتمدتها تقليديا لحماية تلك الثوابت. وفي طليعة تلك الوسائل المصالحة. مصالحة الدول العربية مع شعوبها ومصالحة علاقاتها مع العالم وتحديدا تلك الدول التي لها مصلحة في دعم الدول العربية لكبح الهجوم الاميركي العام. المصالحة الاخيرة ضرورية بينما الاولى هي الشرط السياسي لتعزيز الممانعة لمنع انتشار الوباء الاسرائيلي (السارس السياسي) في الدول المحيطة بفلسطين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً