العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ

الجديد في تهديدات «إسرائيل» للدولة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التهديدات الإسرائيلية بتدمير لبنان وتحطيم البنى التحتية للدولة ليست جديدة. فهذا الكلام يتكرر دائما ومن دون مناسبة منذ توقف العمليات الحربية في أغسطس/ آب 2006 وصدور القرار الدولي 1701. الجديد في التهديدات يتمثل في تطور الذرائع الإسرائيلية وانتقالها رويدا من الجانب العسكري إلى الجانب السياسي.

سابقا كانت التحذيرات تصدر عن حكومة ايهود أولمرت التي خاضت المغامرة العسكرية تحت سقف سياسي. أدعى اولمرت أنه يريد الانتقام من عملية أسر الجنديين داخل «الخط الأزرق» على الحدود الدولية فقام بتوجيه ضربات ضد المؤسسات المدنية والقرى والهيئات الاقتصادية والصحية والتربوية والجسور، ولكنه أخفق في تحقيق أهدافه المعلنة فاضطر إلى العودة إلى استخدام قنوات التفاوض السرية لمبادلة الأسرى.

معركة حكومة أولمرت تكررت ضد قطاع غزة بذريعة حماية المستوطنات من «صواريخ حماس» وأدّت إلى تدمير البنى التحتية والجسور والهيئات المدنية والبلدات والمؤسسات الصحية والتربوية والاقتصادية. المعركة أيضا أخفقت في تحقيق أهدافها المعلنة فعادت تل أبيب إلى التفاوض الدبلوماسي بشأن الأسير والصواريخ.

الإخفاق لا يعني الفشل النهائي. فهناك جانب آخر للمعركة يرتكز على استخدام ذريعة (أسرى أو صواريخ) لتحقيق خطة تقويض مبرمجة تزعزع قواعد الإنتاج وتقطع أوصال الحياة تحت غطاء الخوف أو الحماية أوالدفاع عن النفس. هذا الجانب يشكل الوجه الآخر للعمليات العدوانية التي تخطط تل أبيب منذ العام 2006 لتنفيذها بعد أن استكملت إعادة الهيكلة وطورت أجهزة الرصد ودربت فرقها في ضوء التجربة الميدانية في الجنوب اللبناني وقطاع غزة.

التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع ايهود باراك في الأسبوع الماضي ليست جديدة في اعتبار أنها تمثل سياسة استنهاض لمؤسسة عسكرية تشكل تقليديا ذاك الحصن الذي يضمن وحدة الدولة الإسرائيلية ويعطيها تلك المناعة الذاتية لمواجهة الضغوط الدولية والتحديات الإقليمية. إلا أن التهديدات اشتملت على مستجدات سياسية تثير القلق لكونها جاءت في إطار توجهات حكومة متطرفة تطمح إلى إثارة مشكلة على الحدود اللبنانية تعطيها ذريعة للهجوم على دولة بلاد الأرز.

التطور السياسي يمكن ملاحظته من تلك العناوين التي أخذت حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان في التركيز عليها. فالعناوين تجاوزت خطوط الدفاع ولم تعد تقتصر على تحذير من احتمال إقدام حزب الله على خطوة عسكرية في الجنوب كما حصل في يوليو/ تموز 2006. التهديدات تجاوزت منطق الفعل ورد الفعل لترسم خطوط تماس مغايرة في التعامل مع قواعد اللعبة.

كلام باراك تناول مجموعة نقاط تبدأ من تحذير حزب الله من تكرار ذاك الخطأ العسكري وتنتهي بسياسة التخويف من فزاعة الصواريخ وترسانة 40 ألف صاروخ. والإشارة إلى عدد الصواريخ وضخامتها وطولها وعرضها وعمقها ترمز إلى سياسة تحاول تضخيم المخاطر الأمنية للتغطية على احتمال الإقدام على توجيه «ضربة استباقية» لمنع حزب الله من التفكير باستخدامها من دون سابق إنذار.

سلبيات كلام باراك لا تقتصر بالإصرار على المبالغة في قوة صواريخ الحزب وتهديدها للعمق الإسرائيلي وإنما في ربط ذاك التضخيم بالدولة والجيش اللبناني وتشكيل الحكومة ومشاركة نواب من حزب الله في هيئة البرلمان أو الحقائب الوزارية. فالتهديد اتسعت شروطه وانتقلت من الحدود إلى الداخل ومن الجنوب إلى العاصمة ومن رد الفعل (التحذير من خطوة استفزازية) إلى الفعل (تحذير الدولة من مخاطر مشاركة أعضاء من الحزب في الوزارة الجديدة).

لبنان كتلة واحدة

تل أبيب بدأت تتعامل مع لبنان بصفته يشكل ساحة تهديد لها من دون تمييز بين دولة ومقاومة أو بين جيش رسمي وحزب أو بين قوة تأتمر بالحكومة وحركة عسكرية مستقلة عن توجيهات الدولة. حتى البيان الوزاري اللبناني بدأت حكومة الثنائي الإسرائيلي تعتبره بلاغا عسكريا في حال تضمن إشارة للمقاومة والحق بالدفاع عن الأرض والمياه والمؤسسات. وعملية الربط بين الجيش والحزب أو الدولة والمقاومة أو البيان الوزاري ومنشورات تصدر عن حزب الله تمثل خطوة سياسية باتجاه التصعيد وجرجرة لبنان إلى مواجهة عسكرية مفتوحة لا تميز بين فريق وآخر ومنطقة وأخرى.

الجديد في كلام باراك أنه يريد تبرير الإخفاق في عدوان 2006 من خلال التركيز على تلك الضوابط والموانع الدولية التي حدّت برأيه آنذاك من قدرات الجيش الإسرائيلي ومنعته من استخدام قوته الكلية لاعتبارات دبلوماسية وسياسية. سياسة التكبيل برأي باراك كانت السبب في إخفاق «إسرائيل» من الثأر والانتقام وتسجيل انتصار حاسم على حزب الله. وهذه السياسة التي وافقت عليها حكومة أولمرت أدت برأي باراك إلى الفشل لذلك فإن حكومة نتنياهو- ليبرمان لن تلتزم بها في حال أقدم حزب الله على ارتكاب خطأ عسكري في الجنوب أو داخل الحدود أو في مكان آخر.

كلام باراك التحذيري رفع سقف الشروط الكيدية لحكومة تل أبيب لأنه وضع كل لبنان في دائرة حزب واحد من دون اعتبار لكل الخصوصيات والمعطيات واختلاف الظروف بين حال وآخر. وهذا الربط العضوي بين الدولة والمقاومة يشكل بحد ذاته خطوة سياسية خطيرة تقتضي التعامل معها بحذر. فالربط يشير إلى أن الرد سيعتمد استراتيجية الحرب المفتوحة على الجيش اللبناني ومؤسساته وثكناته ومواقعه ومرابضه المدفعية والصاروخية. كذلك لن تتردد تل أبيب في توجيه ضربات مباشرة للعاصمة وهيئاتها الرسمية والمدنية من دون تفرقة بين الحزب والدولة.

سياسة الدمج تعني أن تل أبيب بدأت تتعامل مع كل لبنان في إطار عسكري واحد يربط حلقات بلاد الأرز في سلسلة واحدة من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق بذريعة أن الدولة متحالفة مع حزب الله، والحكومة تشارك أعضاء الحزب في الحقائب، والبيان الوزاري يتضمن فقرات تعطي شرعية للمقاومة ومشروعية لحق الدفاع. ولكل هذه الاعتبارات ترى حكومة الثنائي الإسرائيلي أن جبهة لبنان باتت مفتوحة وهي لن تستمع لنصائح أوروبا والولايات المتحدة بالامتناع عن ضرب الدولة في حال حصل «خطأ ما» في الجنوب وغيره من المناطق.

هذا الجديد في كلام باراك تعاملت معه مراجع الدولة اللبنانية بجدية وانتباه لأنه يشكل خطوة سياسية إضافية على تجارب سابقة. إلا أن الجانب الذرائعي في توجهات حكومة الثنائي الإسرائيلي ليس جديدا على الإطلاق لأن كل الاعتداءات السابقة بما فيها حرب 2006 تعاملت مع لبنان بصفته كتلة واحدة وساحة مفتوحة للضربات العسكرية من دون تمييز بين ما هو للدولة وما هو للحزب. فالمدن والبلدات والقرى والإحياء والمؤسسات والمرافق والشركات والهيئات والمستشفيات والمدارس والمعاهد والجسور والمصانع والمطارات والمرافئ والمحطات المائية والكهربائية التي تعرضت للتحطيم وتقطيع الأوصال تعود كلها للدولة أو ملكيات خاصة ولا علاقة للحزب بها. الحزب كان أقل تضررا من الدولة في عدوان 2006 لأسباب تتصل بضعف المعلومات الإسرائيلية. وقلة الأهداف الحزبية دفعت حكومة أولمرت إلى توسيع جبهة الحرب بعد ثلاثة أيام والتركيز على المواقع المدنية والأهلية التابعة للدولة ومؤسسات القطاع الخاص.

إذا لماذا لجأ باراك إلى ابتداع هذه الذريعة مادامت «إسرائيل» استخدمت سياسة تحطيم البنى التحتية في كل حروبها على لبنان؟ لابد من وجود رسالة سياسية من كلام التحذير. والرسالة تحمل عناوين جديدة تتركز هذه المرة على تهديد الدولة (مشاركة الجيش في الدفاع) والحكومة (مشاركة حزب الله في حقائبها) والبيان الوزاري (الإشارة إلى المقاومة وعدم تعارضها مع مفهوم السيادة). النقاط هذه تشكل مجتمعة خطوة سياسية نوعية في التعامل مع جبهة لبنان وقوة ضغط للتأثير النفسي على تعاطي المجموعات الأهلية مع مسألة الدولة وبرنامج حكومتها المراد اعتماده في المرحلة المقبلة. فالذريعة التي تريد «إسرائيل» اختلاقها لم تعد تقتصر على حسابات عسكرية يعتمدها حزب الله في قراءاته للظروف والمعطيات والتوقيت، وإنما أخذت تمتد لاستعادة زمام المبادرة من الحزب وتتوسع لتشمل نقاط عبور تتجاوز الحدود الجنوبية إلى العاصمة وعدم انتظار مبرر للرد. كلام باراك يتجه نحو صوغ دفتر شروط سياسية ضد الدولة وأهلها من دون داع للمرور بالذريعة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً