العدد 2530 - الأحد 09 أغسطس 2009م الموافق 17 شعبان 1430هـ

التعددية الإندونيسية يجب أن ترشدها المبادئ وليس السياسة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

اعتاد المسلمون منذ فترة طويلة في إندونيسيا على التنوع الديني. إلا أن هذا التنوع لا يُقبَل به إلا كحقيقة وليس كمبدأ إرشادي. لسوء الحظ أن مستقبل التعددية في إندونيسيا ما زالت تقرره المفاوضات السياسية بين النخب الدينية والنخب الحاكمة في الدولة، وليس من قبل المبادئ التي يعترف بها جميع أتباع الديانات. نتيجة لذلك، يقف التسامح الديني في إندونيسينا على أرض هشة.

لا ينعكس التنوع في إندونيسيا، كدولة تتواجد على أكثر من 17000 جزيرة، في مواردها الطبيعية فقط، وإنما كذلك في أعراقها ولغتها ودين شعبها.

كان لسكان الدولة قبل وصول البوذية والإسلام والمسيحية وغيرها من الأديان العالمية إليها نظم معتقدات خاصة بهم، ما زالت تُمارَس في العديد من المجتمعات القبلية اليوم.

قرر الآباء المؤسسون الإندونيسيون العام 1945، وحتى يتسنى لهم إدارة هذا التنوع، إتّباع أساس مشترك يسمى بانكاسيلا، يضم المبادئ الأساسية الخمسة وهي التديّن والإنسانية والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتحكم هذه المبادئ الحياة العامة، ويتم الاعتراف بالدور المهم للدين في الحياة العامة من خلال المبدأ الأول، وهو «الإيمان بإله واحد أعلى». إلا أن هذا المبدأ لا يعترف بدين معين، ولا حتى الإسلام، وهو دين الغالبية، على أنه عقيدة الدولة.

يضمن الدستور الإندونيسي، الذي كتب العام 1945 أيضا، حرية كل مواطن في ممارسة دينه، ويعلن أن «الدولة تضمن لجميع المواطنين حرية العبادة كل حسب دينه أو معتقداته» (المادة 29).

إلا أن الدولة في الواقع لا تضمن سوى حرية ممارسة ديانات معينة هي الإسلام والهندوسية والبوذية والبروتستنتية والكاثوليكية ومؤخرا الكونوفوشيوسية. ولا يتم الاعتراف بديانات ونظم معتقدات أخرى كأديان رسمية.

ولم يكن حال حتى الأديان المعترف بها حاليا هكذا دائما. فلم يتم رفع الحظر على الكونفوشيوسية، التي بدأت ممارستها العام 1967 إلا في العام 2000. وفي أثناء إدارة الرئيس سوهارتو «النظام الجديد» العام 1965 - 1998، والتي سيطر عليها الجيش وتميّزت بضعف المجتمع المدني، طُلِب من أتباع كونفوشيوس، وأتباع الديانات المحلية الانتماء إلى واحدة من الديانات المعترف بها من قبل الحكومة والمسمّاة على بطاقات هويات المواطنين الشخصية.

إلا أنه ومنذ العام 2006 لم يعد هؤلاء الذين يتبعون ديانات غير معترف بها رسميا من قبل الدولة مضطرين لإدراج واحدة من الديانات المعترف بها من قبل الدولة على بطاقات هوياتهم، رغم أنه لا يسمح لهم كذلك إدراج دياناتهم أيضا.

إضافة إلى ذلك، وحسب القانون الإندونيسي الجزائي تملك الدولة سلطة التحقيق في أية مجموعات تُتهم بانتهاك التعاليم الدينية ومعاقبة المخالفين. وتجري هذه التحقيقات من قبل فريق التنسيق للرقابة على المجموعات والطوائف الدينية العامة، الذي يضم هيئات حكومية مختلفة ونخبا دينية.

يعني انعدام الانسجام بين مُثُل الدستور وسياسات الحكومة في الماضي أن إدارات ما بعد حقبة سوهارتو لم تكن تملك سياسة واضحة حول معاملة مجموعات كانت تعتبر خارج التيار الرئيس، مثل الأحمدية، التي يؤمن أتباعها أن المسيح المخلّص عاد في القرن التاسع عشر على صورة ميرزا غلام أحمد، أو تجمّع ليا إيدن، وهي طائفة صغيرة تجمع عناصر الإسلام والمسيحية.

ومنذ العام 1998، عندما بدأ السكان يشعرون بالارتياح للتعبير عن هوياتهم الدينية علنا، أصبحت هذه المجموعات أكثر ظهورا.

رأت العديد من المجموعات الدينية في التيار الرئيس، مدعية الدفاع عن الرأي القديم، ظهور هذه المجموعات على أنه تهديد يؤدي أحيانا إلى العنف لدى محاولة كل مجموعة الحفاظ على تأثيرها. ففي يونيو/ حزيران 2008 على سبيل المثال، قامت مجموعة تدعي الدفاع عن الإسلام بهجمات على مجتمعات إندونيسية محلية تعتنق الأحمدية.

ردا على هذه الأزمة، قامت الحكومة بإصدار مرسوم وزاري مشترك من وزارة الشئون الدينية ومكتب المدعي العام ووزارة الشئون الداخلية، تمنع فيه أتباع الأحمدية من نشر تعاليمهم بهدف «الحفاظ على التناغم الديني والنظام العام».

ومن الأمثلة الأخرى على غياب سياسة واضحة إحجام الحكومة عن اتخاذ موقف حول فتوى أصدرها مجلس العلماء الإندونيسي العام 2005 يمنع فيها المسلمين من «اتباع أفكار التعددية والليبرالية والعلمانية». لا يُسمح بموجب هذا المرسوم للمسلمين الاعتراف بحقيقة وجود الديانات الأخرى أو استخدام المنطق لفهم القرآن الكريم أو إبعاد الدين إلى الشئون الخاصة فقط، الأمر الذي يناقض بوضوح مبادئ التنوع التي تشكل أسس إندونيسيا كدولة.

تُظهر هذه الأمثلة أن إدارة التعددية في إندونيسيا، ارتكازا على مصالح الحفاظ على التناغم الاجتماعي، ضحّت بالحرية الدينية والحقوق المدنية.

لن يتحقق التناغم الاجتماعي الحقيقي من خلال إسكات التنوع، ولا يمكن تحقيقه إلا عندما يتم الحفاظ على حقوق كل مواطن وكل مجموعة بعيدا عن التمييز الديني. وحتى يتسنى حدوث ذلك، يتوجب على الدولة أن تكون غير منحازة للتعاليم الدينية.

*منسق برامج في مجال حل النزاع ودراسات السلام في مركز الدراسات الدينية والثقافية بجامعة هداية الله الإسلامية في جاكرتا. والمقال جزء من سلسلة حول التعددية في الدول ذات الغالبية الإسلامية، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2530 - الأحد 09 أغسطس 2009م الموافق 17 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً