العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ

ابتزاز الأموات عبر «ذاهبون إلى القصيدة» وغيرها!

أكثر من مدينة عربية احتفلت بمرور عام على رحيل الشاعر العالمي محمود درويش، يوم الأحد الماضي (9 أغسطس/ آب الجاري). كل احتفل بطريقته وطقوسه. وثمة من احتفل بفبركات. والنص المنشور تمت فبركة زمنه بعيد رحيل صاحبه. ربما لأنه لم ينشر في إحدى مجموعاته الشعرية!

نص يُزعم أنه كتب في العام 1975؛ لكن اللغة التي يتلقاها قارئ محمود درويش، يتيقن أنها تنتمي إلى مرحلة ما بعد حصار بيروت. ما بعد التجربة الشعرية في تطورها الأفقي والعمودي؛ إذ الانتقالة النوعية.

للشاعر في الوقت لفتة. ونص «ذاهبون إلى القصيدة» ينتمي إلى وقت يبتعد كثيرا عن العام 1975، إذا ما أعملنا مجساتنا وحواسنا، وحتى ذائقتنا بحثا عن درويش في زمنه ومكانه. تأكيد أن النص من المحال أن ينتمي إلى العام 1975، يأتي وفق رصد لخريطة التجربة وحتى متاهاتها منذ الستينيات؛ إذ تبدَّتْ لقارئه وراصده لغة في حدودها الانفعالية والغنائية التي لا تضع وزنا لجمالية ورصانة ودهشة مركبة تورط فيها درويش بعد العام 1982.

هذا النص بالتاريخ الذي ينسب إلى درويش، محاولة لابتزاز من نوع آخر، مارسته صحف وستمارسه دور نشر. يمكن الجزم بحسب متابعة مستفيضة للقاموس الشعري لدرويش، ولمحاولاته الأكيدة في الخروج بنص صاعق واستثنائي أن النص المذكور ينتمي إلى مابعد مرحلة «مديح الظل العالي».

المضحك أن الخبر في نصه: « في العام 1975، بعد نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب في لبنان، صدر العدد السادس والأربعون من مجلة (شئون فلسطينية) (يونيو/ حزيران) حاملا قصيدة الشاعر محمود درويش عنوانها (ذاهبون إلى القصيدة - إلى بابلو نيرودا) لكن ظروف الحرب حالت دون انتشار العدد من المجلة»!!!

كثيرا ما تكون الحروب، وأحيانا الموت سببا لممارسة الكذب المضاعف و»التغفيل» المركَّز!!!


ذاهبون إلى القصيدة

شعر - محمود درويش

يتسلّقُ الجيتارَ:

ستُّ سنابل تأتي من الأسرارِ.

تنهمرُ الجهاتُ عليه - منه. وهكذا تأتي الخلاصةُ:

إنّ خمس أنامل تحمي المحيطَ من الجفاف

ويغضبُ الجيتارُ:

ستُّ زوابعٍ تأتي من الصمتِ المهدِّدِ.

هكذا تأتي الخلاصة: إنّ خمس أصابع

تحمي الصباح من التردّدِ.

إنّ نيرودا

يُغنّي

بين الفراشة واللهيب يسافرُ الشعراءُ

بين السيف والدم فوق حدّ السيف ينتظرون وردتهم

يُحبّون القصيدة حيث تفلت من هواجسهم وينتحرون في أوجِ القصيدةْ

الموتُ يسكنهم ولا يدرون... ينفجرون مثل شقائق النعمان في يومٍ

ربيعيّ قصيرْ.

بين القصيدة والقصيدة يطردون البحرَ...

ينتقمون من زَبَدٍ يفرّ من الأصابعِ

يذهبون إلى الشوارع عاجزين ومُتعبين

كأيّ بوليس يفتّشُ عن علاقات مُحرّمة ليكتبَ أيّ

شيء ضدّ شيء...

يكذبون على النساء...

يزوّرون الحبرَ والقبلاتِ...

عاديّون عاديّون ما بين القصيدة والقصيدة يسأمون الشّعر والفجر

المبكّر و... الوطن.

... وكما يموت النّسرُ ينطلقونَ

نيرودا!

جَمَعْتَ لنا الندى من كلّ زنبقة وجمجمةٍ

شربتَ هدير هذا البحر نخبَ يدٍ تقاومُ في حقول الموزِ -

والأصدافُ بين يديكَ -

كان الشرقُ يغسل وجههُ في لهجةٍ صينيّةٍ

والحربُ تجعل كلّ شيء واضحا كالخبزِ

هل يتمهّلُ الزلزال أمسية لنخرجَ من قواميس اللغات إلى

ضواحي الصوت؟

فلاَّحوك

صيّادوكَ

جلاَّدوك

يحتشدون فوق أصابع الجيتار...

أحصنةٌ تدور مع الرياح السودِ

إمرأةٌ تهاجمها بأغنيةٍ، وتسقطُ في البنفسجِ

تستطيعُ وتستطيعُ وتستطيعْ.

دمُنا على المحراثِ

نيرودا! تُغنّي أمْ تروّض غابة

تمشي على الإيقاع أم يتجوّل البركانُ فيكَ

وحارسُ البستان يختزن الأفاعي خلفَ صوتكَ.

إنّ جمهورية أخرى تُعيد قصيدة أخرى إلى أفراحها...

لكن شطآن القصيدة لا تُدجّنها البحيرةُ -

كان فيدريكو يموت على «سياجٍ يحجبُ القمر» الحبيبُ يموتُ.

أجراسٌ تدقّ وتختفي في القلبِ...

كان الموتُ يجعلُ كلّ شيء واضحا كالعشبِ

هل يتمهّل الزلزال أمسية لنجمع عن خناجرهم دمَ الأطفال

والشعراءِ؟

كان الليل أوضحَ من خطى الشهداءِ

لكنّ المياه تسيلُ من وَتَرٍ يقاومُ صخرة صمّاء...

نيرودا! سننتصرُ

القيود لنا - سننتصرُ

النشيدُ لنا - سننتصرُ

الضروعُ مليئةٌ بالبرقِ - ننتصرُ

الضلوع منازلٌ للعشق - ننتصرُ

الجيادُ السودُ تهبط من مكانٍ ما - سننتصرُ

النهايةُ تنتهي

هذا هو الجيتارُ أرضٌ في تمامِ الصوت تزخر بالوضوح من الوريد

إلى الوريد...

وها همُ الشعراءُ في أوجِ القصيدةِ ذاهبون إلى القصيدةِ في

شباكِ الصيد

يولدُ فوجُ ضبّاط جديدٌ. سورةُ الموتى تزيدُ. وعاملُ التعدين

يدخل عامه السبعين. والشعراء يختارون هاجسهمْ

وينتحرونَ خلف البرلمانِ...

منذ البدايةِ: إنّ هذا المسرحَ الخالي من الجمهور والجدران

ينتظر البشارةَ في الأغاني.

ها نحنُ نتّفقُ: الغزالةُ لا تحبّ الشعرَ

والشعراء حقلٌ أزرقٌ لم يُفتَرعْ إلا بأقدام الغزالةْ.

ها نحن نختلفُ: الجبالُ بعيدةٌ...

نتسلّقُ الجيتارَ. ستّ زنابقٍ تأتي من الفحم. الجهاتُ تعودُ

من ساحات غربتها وتأوي للنوافذِ. إنّ خمس أصابع تحمي الفضاء

من البقاء على سطوح البرلمانِ.

وإنّ

نيرودا

يغنّي.

ها نحن نختلفُ - اتفقنا

ها نحن نتّفقُ - اختلفنا.

للجبالِ يدٌ هي المطرُ. القصيدة ملء هذا المسرح الخالي من

الجدرانِ

للأرضِ ارتعاشاتٌ هي الدمُ. حين ينهمرُ الرصاص عليكَ - منك

ومن لصوص الليلِ تصرخُ في وضوحْ

إنّ الجروح هي الجروحْ.

لكنّ هذا البحر أزرقْ

لكنّ هذا الحقل أخضرْ

ودم المغنّي أبيضٌ فوق الشوارعِ والأصابعِ.

عاملُ التعدين يدخل عامه السبعين...

يقرأ أبجديّة قلبه المشويّ فوق الفحم فحما...

والرغيفُ غزالةٌ تعدو وتعدو في القيودِ..

وفوج ضبّاط جديدٌ يُتقن السهر الطويلَ على حدود الخبزِ...

قد مرّوا «جماجم من رصاص» مرة أخرى... ونيرودا يموتُ.

«خيولهم سوداء». نيرودا يموتُ على قصيدته... فتذهب في الفضاء...

وعاملُ التعدين يقرأ صفحة أخرى ويسقط في البنفسجِ

يغضبُ الجيتارُ

ستُّ زاوبعٍ

تأتي من الصمت المهدِّدِ

إن خمس أصابعٍ

تحمي

الصباحَ

من

التردّدِ.

كان نيرودا يغنّي

ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ بين أيدينا.

دمُ الشعراء محراثٌ

ويحتفلُ الترابْ.

ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ بين أيدينا.

لأجلك يرجعُ البطّ المخيِّمُ في جنوب البحرِ

نيرودا! لأجلكَ نكتفي بالعمر أغنية وكأسا من سحاب.

مدنٌ تنام على السلالم في انتظاركَ. آه نيرودا. شواطئ هذه

الأرض الصغيرة - عبر صوتك - قبلةٌ مفتوحةٌ للنورس الباكي وللبجع

الذي يتعلّم الرقص المميتَ

لكَ القرنفلُ. شهرُ أيارَ. البديلُ الاشتراكيُّ. المدارسُ. أبجديّةُ

عامل الميناء. تمثال الصدى والعطرِ. أوّل خطوة بعد الزنازين.

الأغاني في حوانيت الفواكهِ

آه نيرودا! حدودُ الأرض في ليمون صوتكَ ملعبُ الكرةِ،

المظاهرةُ، احتفالُ الذاهبين إلى الجحيم. لك اعترافاتُ النساء العاشقاتِ.

لك النشيدُ الأزرقُ... الحريةُ الزرقاءُ... أبعدُ قريةٍ في الأرض

لكنْ / بعد موتك

عبر موتك

قرب موتكَ

كلُّ فجرٍ كان ينتظرُ انطفاءك كي يضيءْ

وكلُّ صوت كان ينتظر اختفاءك كي يجيءْ.

ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ لا تحبّ الشعرَ في الزمن الرديءْ

العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً