العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ

لنتعلم كيف نمجّد التنوع

اديتي بادوري comments [at] alwasatnews.com

على رغم تجمع حشود من البشر في قطاع غزة لحماية الأناس من النيران الإسرائيلية، برز مشهد غير عادي في بهو الانتظار في فندق «بورتو بيلو» الخمس نجوم في المنتجع التركي المتوسط، في أنتاليا. فقد وصل نحو 200 إسرائيلي وفلسطيني على متن طائرة مستأجرة ليحضروا مؤتمرا لأربعة أيام عن ثقافة السلام، في محاولة للاستماع إلى بعضهم بعضا والتحاور، والمناقشة، والتوصل أخيرا إلى إيجاد سبل لإنهاء هذا الصراع الذي لا معنى له والذي شن على جميع سكان هذا البلد الجميل على مدى قرن تقريبا الآن. أتى المؤتمر بمبادرة من المركز الإسرائيلي - الفلسطيني للأبحاث والمعلومات (IPCRI)، وهو منظمة غير حكومية أنشئ في العام 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، وذلك لإيجاد سبل لحث الإسرائيليين والفلسطينيين على التوصل لحل لهذا النزاع يرضي كلا الحكومتين. المدير التنفيذي المساعد في IPCRI غيرشون باسكين أوضح أن المؤتمر كان مقررا منذ أكثر من سنة، عندما بدت العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين تدعو للتفاؤل.

لا أحد كان يتصور أن بعد مرور عام واحد، ستشن «إسرائيل» حربا على لبنان وستقصف غزة، في حين تهبط صواريخ القسام على البلدات والقرى الواقعة على الحدود الإسرائيلية. ولكن عندما حصل ذلك، بات المؤتمر أمرا لا بد منه. قال باسكين: «ثقافة السلام هي فلسفة، وتفكير نقدي قائم على المعرفة فقط من خلال التعرف إلى الآخرين». «هي تعطينا الأدوات لمعرفة الاختلافات، ولمعرفة أن حياتنا تصبح غنية عندما نتعلم الاحتفال بالتنوع وليس فقط تحمله». كان هنالك أربعة أيام من النقاش المكثف، والحوار، والاستماع الوجداني، وتبادل الخبرات. كان حاضر كل من كان تقريبا في مخيم السلام الإسرائيلي أو في فلسطين. فحضر الأكاديمييون، والنشطاء، والناشطون الدينييون، والفنانون، وعلماء النفس، والعاملون في مجال حقوق الإنسان، والمثقفون، والمحامون، والفلاسفة، والحركات النسائية، والشخصيات الرياضية، والصحافييون. كما حضرت أيضا أخصائية في ممارسة «الريكي» التي استخدمت معرفتها لتقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لأنه «أحيانا يكون حوار الإتصال أقوى من حوار الكلمات».

كان من الصعب اختيار حضور قاعة معينة. كانت نوريت بيليد حاضرة من المنتدى الإسرائيلي - الفلسطيني للسلام للآباء الثكالى، والتي فقدت ابنها البالغ 16 عاما في هجوم انتحاري في القدس، وأيضا كمحاضر في الجامعة العبرية، قدمت دراسة عن السبل التي تعززت من خلالها الهويات اليهودية الإقليمية والوطنية في الكتب الإسرائيلية على أساس إنكار الهوية الفلسطينية. كما كان حاضرا أيضا، الصحافي الفلسطيني ناظير مغالي، الذي قدم تجربة الرحلة الدراسية التي قام بها برفقة مجموعة من الإسرائيليين العرب إلى «أوشفيتز» في بولندا، وذلك لتعلم الأحداث وفهمها بشكل أفضل للتعرف على الألم والمعاناة الإسرائيلية. قدم محمود أبوكمال وشارلي زيدان - كلاهما أكاديميان فلسطيننيان - خططا تعليمية وضعها أكاديميون فلسطينييون، صانعوا سلام وأساتذة، للأطفال والشباب الفلسطيني لأن هؤلاء هم أمل مستقبل فلسطين. كما أشار ييهودا ستولفو من جميعية اللقاء بين الأديان المختلفة، كيف تيسرت الأنشطة المتعلقة بالأديان المختلفة وأدت إلى فهم أفضل للطوائف الدينية المختلفة التي تعيش ضمن مساحة جغرافية صغيرة تشكل إسرائيل و فلسطين. ولكن كان هنالك أيضا اتهامات، كلمات صارمة، أذى ودموع. أما الدلالات فكان لها أهمية خاصة. فسألت طفلة فلسطينية «كيف نجد بديلا لكلمة نكبة»؟، في حين قدم جونيثين كوليب، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، شرحا عن مدى أهمية ان تكون المفردات معبرة وبعيدة عن الإتهامات. يستخدم الفلسطينييون كلمة «النكبة» منذ أن تأسست دولة «إسرائيل» في العام 1984، وهي كلمة تحمل في طياتها معنى العذاب والحرمان، والكابوس الذي لا يزال يعيشه ملايين الفلسطينيين. وسأل شخص آخر، ما الذي يمكن استخدامه بدلا من نقاط التفتيش؟ هل توجد بدائل أكثر رحمة للحواجز والإحتلال وبطاقة الهوية وعمليات التفتيش وهدم المنازل؟ وتوالت الأسئلة. ولكن جرى مناقشة كل هذه الأسئلة، وآستمرت النقاشات حتى بعد إنتهاء الجلسات رسميا. بالإجمال، كان هنالك 150 قاعة و عرض افلام ومحاضرات. وبعد إنتهاء الجلسات، كان هنالك مأدبة غداء وتسوق وتجول حول المكان و حفلة رقص - ووعد بمواصلة هذا الحوار بعد عودة الجميع إلى بيوتهم. كما حثَ المؤتمر على الكثير من النقد و التأمل الذاتي. كذلك، وجه رفاييل كوهين - ألماغور، وهو مدير مركز الدراسات الديمقراطية في جامعة حيفا، إنتقادات لاذعة إلى الديمقراطية الإسرائيلية التي فشلت في رسم حدود الدين والدولة بشكل واضح، ودعت إلى دولة أكثر علمانية. انتقد باسم عيد، مدير المركز الفلسطيني لمراقبة حقوق الانسان، الفوضى السياسية التي وصلت لها الأراضي الفلسطينية المحتلة وخطر انتشار الأسلحة الخفيفة.

حددت سيلفيا مارغياه، مواطنة مسيحية فلسطينية من «اسرائيل» وعضو في ابتكارالسلام، وهي مبادرة عربية - يهودية تنظم مخيمات «الصداقة» الصيفية السنوية للمراهقات الفلسطينيات والاسرائيليات، المسكلات التي يواجهها الفلسطينيون المسيحيون في اسرائيل اليهودية والمناطق الإسلامية الفلسطينية. والذي يتضاءل عددهم في المنطقة بشكل مستمر. صرح نزار رابايا، مدرس من جنين، بهدوء انه جاء الى المؤتمر بسبب عدم قدرة القيادة الفلسطينية تقديم دعمها للعديد من الفلسطينيين العاديين، الأمر الذي أقنعه بأن الأمل الوحيد الآن هو التواصل، إلى حد ما، مع الاسرائيليين. سار المؤتمر في جوٍ من الانفتاح والصدق، بعيدا عن الخوف والنفاق اللذين غالبا ما كانا يسودان المؤتمرات المكرسة للسلام وحقوق الإنسان في الهند. لم يشعر أحد بالحاجة الى أن يبدو سليما سياسيا.

وتوجد حقيقة مريحة أخرى وهي أنه على عكس الهند، لم يُنبذ الدين ولا يزال يلعب دورا مهما. وكان هناك اعتراف سليم بأن الدين لعب دورا مهما فى حياة الشعوب، وعوضا عن معارضته، خُصص الكثير من الوقت للتأكيد على إيجابيات كل دين ولإيجاد قواسم مشتركة بين الأديان المختلفة والدخول في حوار لتبديد الخرافات التي تطال دين الغير.وإقتبس الحاخام أشر إدر، رئيس الشراكة الإسلامية - الإسرائيلية، من القرآن ليظهر أن وجود الكثير من الأديان هو جزء من التصميم الالهي - ما يشبه نظام متعدد الاحزاب ليضمن الديمقراطيه الدينية والروحية على الارض. كما إقتبس من الثوراة ليظهر انه حتى في أدق اشكال التمييز ضد الوثنيين - غيراليهود - والمنبوذة في اليهودية. أعلن أبدولالي توكلي من معهد ندى (Neda) للأبحاث العلمية والسياسية في طهران - وهو المشارك الوحيد من إيران - عن دهشته مما شاهده بعينه في حلقة عمل معينة. كان هناك امرأتان أحداهما فلسطينية والاخرى إسرائيلية تنظران بعمق في عيون بعضهما البعض والدموع تنزل على خدوديهما.

وأعرب عن اسفه لعدم تمكنه من دعوة الناشطين من «إسرائيل» إلى إيران. غير أن التباين عند الشعبين، يلقي بظلاله حتى في المنتجع المتوسطي الدافىء. وقد بدأ حتى قبل بدء المؤتمر. وتمكن الكثير من الفلسطينيين من الحضورفقط لأن غريشن أمضى ساعات في الطلب ودعوة ومناشدة السلطات الإسرائيلية لمنح تصاريح السفر للفلسطينيين لحضور الإجتماع. وهناك العديد أمثال «حكمت باسيسو» من مؤسسة الكويكر في رام الله (Quaker Foundation) لم يتمكنوا من الحضور لأن أيا من المناشدات والتوسلات لم تجعل الإسرائيليين يمنحوهم تصاريح السفر. أما البعض مثل عمر فقيه من وزارة الخارجية الفلسطينية تمكن من الحضور لأنه يحضر سافر عبر الأردن - فلم يحصل على الإذن بالسفر مع الوفد عبر مطار بن غوريون. لم تحل تلك الأيام الأربعة في أنطاليا أي مشكلة. ولم يكن ذلك متوقعا على أية حال. وما فعله المؤتمرهو توفير منبر لتبادل صرخة ألم للأمتين المتألمتين وتعهد بعدم الاستسلام.

إقرأ أيضا لـ "اديتي بادوري"

العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً