العدد 1591 - السبت 13 يناير 2007م الموافق 23 ذي الحجة 1427هـ

جولة رايس واستراتيجية بوش الجديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت أمس وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولتها السياسية على دول في «الشرق الأوسط»، وتشمل لقاءات الجولة زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة و «إسرائيل» والأردن ومصر والسعودية والكويت. ويتوقع أن تكون مدة الجولة أربعة أيام تعود بعدها إلى واشنطن لترفع تقريرها إلى الرئيس الأميركي بشأن النجاحات التي حققتها. ثم تعود مجددا إلى فرنسا للمشاركة في مؤتمر «باريس 3» الذي يعقد في 25 يناير/ كانون الثاني الجاري تحت شعار مساعدة لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية ودعم الحكومة في خطة النهوض المالي والاستثماري وإعادة إعمار ما دمرته الحرب العدوانية.

هذه هي خطوات رايس خلال الفترة المقبلة. ولكن المهم في جولتها واتصالاتها يقتصر على تلك الأفكار الجديدة التي يقال إن إدارة «البيت الأبيض» تنوي نشرها في المنطقة بعد إعلان الرئيس جورج بوش رسميا عن خطته في العراق و «الشرق الأوسط». فجولة رايس هي الأولى بعد إعلان الخطة ويرجح أن تحاول تسويقها لتنال الدعم الذي تحتاجه لتعويم نجاحها بعد ردود الفعل السلبية أو المتحفظة التي صدرت ضدها من معظم دول العالم.

إلا أن الجولة لا تقتصر على إقناع زعماء الدول العربية بأهمية دعم الخطة وتشجيعها وإنما أيضا تشمل اقتراحات ترى واشنطن أنها ضرورية لتسهيل نجاح «الاستراتيجية الجديدة». وهذا لا يتم إذا لم تتعاون الدول العربية المعنية بتداعيات الأزمة في العراق مع الولايات المتحدة لوقف موجة العنف واحتواء الاقتتال الأهلي والحد من التدخل الإيراني ومحاصرة القوى التي قد تستفيد من الفراغات في حال قررت واشنطن الانسحاب من بلاد الرافدين.

الهدف من جولة رايس إذا هو تسويق خطة بوش، وإقناع الدول العربية (الصديقة والمعتدلة) بدعمها، والتعاون من أجل احتواء تداعيات الحرب على العراق، ومحاصرة النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين. وباختصار، تطالب رايس الدول العربية بدعم سياسة الولايات المتحدة بعد أن كانت الدول العربية تطلب سابقا من الولايات المتحدة دعم سياستها. والمفيد في هذا المختصر أن الحال انقلبت وتغيرت. فبعد أن كانت واشنطن في موقع القوي الذي يفرض شروطه ويرفض الاستماع إلى النصائح العربية التي تمنت على واشنطن عدم ارتكاب ذاك الخطأ الاستراتيجي في افتعال الحرب على العراق واحتلاله باتت الآن في وضع فريق غير قادر على فرض شروطه وعنده الاستعداد للتعاون في ضبط تداعيات أزمة كبرى كان بالإمكان تجنب حصولها.

أميركا لاشك ليست ضعيفة. فهي تملك من الإمكانات والمال والسلاح والقدرات على افتعال الكثير من الأزمات وتهديد أمن دول المنطقة وزعزعة استقرارها وفرض شروطها والتحكم في الكثير من مداخل المشكلات ومخارجها. ولكن هذه القوة الاستثنائية باتت الآن محكومة بسلسلة اعتبارات داخلية وحواجز دولية وممانعات إقليمية وعربية. وكل هذه العقبات أخذت تتراكم لتشكل ذاك السد القادر على تحمل الضغوط الأميركية والتصدي لها. وهذا بالضبط ما دفع رايس إلى زيارة المنطقة والبحث مع دولها في «خريطة طريق» تسهل مهمات واشنطن وتلك النقاط التي نصت عليها خطة بوش.

ماذا تريد رايس من جولتها الجديدة؟ بالتأكيد ليست في صدد مساعدة الدول العربية على حل مشكلات مزمنة كالقضية الفلسطينية مثلا أو موضوع احتلال «إسرائيل» الأراضي العربية وتهديد تل أبيب أمن لبنان واقتصاده وتعطيل حياته اليومية وسياسة إعادة الإعمار. فهذه المشكلات القديمة/ الجديدة على جدول النقاش, ولكنها ليست على خريطة الأعمال. وأميركا في هذا المعنى باتت غير قادرة على التحرك في المجال المذكور حتى لو قررت تحريك الملف الفلسطيني أو احتواء الملف اللبناني. وأساس مشكلة الولايات المتحدة ليست الدول العربية وإنما عدم استعداد واشنطن لاستخدام نفوذها على حليفها الإسرائيلي ورفض تل أبيب التجاوب مع طلبات الإدارة لتمرير بعض التنازلات لضمان التفاوض وتشجيع العواصم العربية على التحرك لعقد ترتيبات تتناسب مع ذاك الميل نحو التفاهم. وحين تكون الأبواب مقفلة من جانب «إسرائيل» وأميركا تدعي عدم امتلاكها مفاتيح الأبواب فمعنى ذلك أن موقع الولايات المتحدة كطرف قادر على التحكم بشروط السلم والحرب تراجع إلى حدوده الدنيا.

هذا المأزق يشكل نقطة جوهرية في ضعف السياسة الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط». إلا أن هذا المأزق له جوانب أخرى غير واضحة وهي تتصل بذاك الكلام الإسرائيلي عن عدم رغبة واشنطن في تسهيل عملية السلام ورفضها مرارا تلك الاستعدادات التي ظهرت من جانب تل أبيب للاتصال بالدول العربية وسعي أميركا إلى تعطيبها والإطاحة بها.

المعضلة الأميركية كما يبدو باتت مزدوجة. فهي غير قادرة على الضغط على تل أبيب وبالتالي لا تستطيع تحريك الملف الفلسطيني ودفعه إلى الأمام، كذلك فهي غير راغبة في التوصل إلى حل سلمي (كما تدعي تل أبيب) لأنها لا تريد أن تخسر ورقة ضغط على الدول العربية بقصد ابتزازها سياسيا وماليا.

خطة بوش

إذا كان هذا هو واقع حال الاستراتيجية الأميركية فماذا أرادت رايس من وراء جولتها؟

هناك مجموعة عناوين يمكن افتراضها من خلال قراءة خطة بوش. فالاستراتيجية الجديدة قفزت فوق الموضوع الفلسطيني، كذلك أهملت الملف اللبناني، وأخيرا تحدت سورية وإيران. وبناء على هذه السلبيات قرر بوش في خطته زيادة عدد القوات في العراق لتحقيق ثلاثة أهداف في فترة زمنية لا تتعدى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهي: أولا، توجيه إنذار أخير لحكومة نوري المالكي وتنبيه القوى المتعاملة بأن صبر واشنطن نفد وهي غير قادرة على الدعم إلى ما لا نهاية. ثانيا، حشد قوات برية مدربة ومجهزة لخوض حرب عصابات مدن في بغداد ومحافظة الانبار لمطاردة أو معاقبة أو ملاحقة شبكات المقاومة و«الإرهاب» السنية والشيعية لمنع امتداد الاقتتال الأهلي. ثالثا، تثبيت مواقع القوات العراقية المسلحة وتدريبها وتأهيلها لأخذ زمام المبادرة وإعادة بناء دولة قابلة للحياة وقادرة على صد النفوذ الإيراني.

العناوين المذكورة تعطي فكرة موجزة عن الاستراتيجية الأميركية المقبلة خلال السنتين المقبلتين وبالتالي فهي تكشف بعض زوايا جولة رايس في المنطقة. مثلا عندما تكون الولايات المتحدة غير قادرة أو غير مستعدة لتحريك الملف الفلسطيني فمعنى ذلك أن واشنطن تبحث عن بديل لـ «إسرائيل» لتخويف المنطقة به وابتزازها سياسيا وماليا بذريعة تشكيل قوة ردع معتدلة وصديقة لمواجهة خطر النفوذ الإيراني. ومثلا إذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على احتواء العنف والاقتتال الأهلي عن قصد منها أو من دون قصد فمعنى ذلك أن أبواب الأزمة العراقية مفتوحة على احتمالات شتى منها انهيار محاولات إعادة بناء دولة قابلة للحياة وترك بلاد الرافدين تتفكك إلى دويلات طائفية ومذهبية متقاتلة.

هذه هي عناوين الجولة التي تقوم بها رايس إلى دول المنطقة، ويرجح أن تكون الأخيرة أو ما قبل الأخيرة لوزيرة الخارجية في حال لم تتوصل إلى صوغ قناعات مشتركة مع العواصم العربية الصديقة أو المعتدلة. فرايس لا تحمل الجديد بشأن الملف الفلسطيني أو الوضع اللبناني. والجديد الذي تحمله يتصل بالأزمة العراقية وما تعنيه من تداعيات محلية وإقليمية في حال لم تقبل الدول المعنية بخطة بوش وهي خطة تبدو سائرة في طريق الفشل. والفشل في حال انكشافه ميدانيا في الشهور التسعة المقبلة ستدفع ثمنه واشنطن جزئيا، إلا أن الكارثة الكبرى ستقع على شعب العراق ودول الجوار. فأميركا تستطيع سحب أو تجميع قواتها في بلاد الرافدين في حال وجد بوش نفسه في مكان صعب إلا أن دول المنطقة ستبقى في مكانها الجغرافي تدفع ثمن تلك الكارثة السياسية التي أوقعتها واشنطن بالعراق ومحيطه حين قررت اتخاذ قرار الحرب والاجتياح.

هذه المعادلة الميدانية باتت واضحة من خلال السلوك الأميركي أو تلك التصريحات التي أطلقتها رايس وهي بالطائرة في طريقها إلى المنطقة. فالوزيرة طالبت الدول العربية بالتعاون للحد من النفوذ الإيراني في العراق ومحيطه، كذلك أكدت ضرورة مساعدة العواصم العربية حكومة المالكي ودعمه في سياسة محاربة «الإرهاب» والتصدي للدور الإيراني. وبكلام أوضح تريد رايس من الدول العربية الصديقة والمعتدلة تأييد احتلال العراق ودعم القوى المتعاملة معه أو المستفيدة منه شرطا مسبقا لضمان نجاح خطة بوش. وإذا لم تحصل على هذا الشرط فمعنى ذلك أن حكومة المالكي ستسقط والفوضى ستدب في العراق والنفوذ الإيراني سيزداد قوة والانسحاب الأميركي سيحصل وأخيرا ستتحول بلاد الرافدين إلى بؤر «إرهابية» موزعة على دويلات طوائف، وهذا سيترك انعكاساته السلبية على دول الجوار والمحيط العربي - الإقليمي.

الجولة التي بدأت أمس تريد من الدول العربية المعنية مساعدة واشنطن على تعويم الاستراتيجية الأميركية في سياق مغاير لتلك السياسة التقليدية التي تأسست عليها التوازنات الإقليمية. فالمطلوب الآن بناء جبهة مضادة للنفوذ الإيراني وهذا يتطلب إعادة تدوير زوايا الصراع ووضع الملف الفلسطيني وربما اللبناني في الدرج واستبداله بملف جديد يبدأ من تهديد العراق بالتقسيم الطائفي والمذهبي وينتهي بإعادة ترسيم الحدود السياسية في ضوء تداعيات خريطة بلاد الرافدين الجديدة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1591 - السبت 13 يناير 2007م الموافق 23 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً