واقعة الطف... الملحمة الخالدة التي على رغم مرور أكثر من ألف عام على حدوثها، ظلت طرية ومتجددة وكأنها قد حدثت للتو... هي واقعة لا تضاهيها أيّة واقعة أُخرى في خلودها وبقائها حيّة في الأذهان، ولا حتى في مدى شمولها واتساعها الزماني.
سر تجدد ذكرى عاشوراء، هو تفنن محبي أهل البيت (ع) في أحيائها، فمنهم من يقيم المآتم والعزاء، ومنهم من ينظم المراسم ويجسد الواقعة بأسلوب مسرحي حي يبقى ثابتا في الأذهان من خلال «التشابيه».
و «التشابيه الحسينية» عبارة عن اجتهادات شخصية وأداءات فطرية يقوم بها عموم محبي أهل البيت (ع) أيام عاشوراء محاولة منهم لتمثيل واقعة الطف التي استشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام ونيف وسبعين من أنصاره وبيت عياله في العام 61هـ .
مع مطلع القرن العشرين، ظهرت «التشابيه» بصورتها البسيطة في مدينة النبطية في لبنان على يد عدد من التجار الإيرانيين الذين كانوا يتعاطون عمليات الوساطة التجارية بين مرفأي صيدا وحيفا والعمق العربي والفارسي... وكان هؤلاء الإيرانيون يحتفلون بذكرى عاشوراء على طريقتهم الخاصة، إذ كانوا يقدمون تمثيلية يؤديها شخصان باللغة الفارسية تروي واقعة كربلاء. كان الإمام الحسين (ع) يتواجه مع الشمر في إطار تمثيلية بسيطة لم تكن تدوم طويلا... كانت هذه التظاهرة المسموح بها للجالية الإيرانية في النبطية، باللغة الفارسية فقط، وبإذن خاص من الباب العالي... وفي 1917م حضر إلى النبطية إبراهيم ميرزا وهو طبيب إيراني واستقر في عاصمة جبل عامل إذ بدأ مزاولة مهنته... وعمل هذا الطبيب على ترؤس الشعائر الشعبية لذكرى عاشوراء، إذ كان يتقدم حلقات المعزين، وإبان انسحاب الحكم العثماني من لبنان، وضع أول حوار بالعربية لتمثيلية عاشوراء... هل وقفت «التشابيه» عند النبطية؟ أو هل ظلت قصيرة يمثلها شخصان بأدوات بسيطة...؟ قطعا لا، فالتجار نقلوها إلى دولهم، وباتوا يطورون فيها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، فنحن لا نستطيع أن نتجاهل كل الانتاجات التلفزيونية والسينمائية والمسرحية الضخمة التي تحكي «واقعة الطف»... إذا التجديد هو «سر خلود عاشوراء».
العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ
