العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ

قد أصوّر فيلم «الحسين» في العراق

المخرج العراقي قاسم حَوَلْ:

عادت قصة فيلم «الحسين (ع)» للظهور بعد أن خبت لسنوات بعد وفاة السيدمحمد مهدي شمس الدين الذي تعهد بإنتاجه. لكن الفيلم الذي كتب حَوَلْ السيناريو له وسيقوم بإخراجه عاد الأمل لظهوره مرة أخرى بعد سقوط نظام صدام حسين، إذ سيوفر ذلك فرصة تصويره في مكان الواقعة الأصلي بعد مراوحته سنوات من ولادة فكرة السيناريو.

وكان المخرج قاسم حَوَلْ يجيب سائليه عن تمسكه بالفيلم طوال هذه السنوات التي قد تكون كفيلة بنسيانه بأن فيلم «غاندي» قد استمر الإعداد له منذ ولادة فكرته سنوات أطول. وبمناسبة اقتراب يوم عاشوراء حيث ستدور مجريات فيلمه غير المنجز التقته «إيلاف» وسألته:

كيف ولدت لديك فكرة فيلم عن الإمام الحسين (ع)؟

- في العام 1977 وأنا في لبنان قررت أن أبدأ رحلة البحث سينمائيا عن الإمام الحسين (ع) الذي يعيش في وجداني صورة متألقة لرجل مسالم مدهش... هذا الإنسان العظيم الذي جابه الظلم لم يعرف الحقد، فعندما أصابه من أعدائه أول سهم في رقبته جثا على ركبتيه بعد أن أرهقته الجراح ونزف الدم من خده ورقبته، رفع يديه الكريمتين إلى السماء وقال: «اللهم متعالي المكان، أدعوك محتاجا، وأرغب إليك فقيرا، وأفزع إليك خائفا، وأبكي مكروبا، وأستعين بك ضعيفا، وأتوكل عليك كافيا... يا أرحم الراحمين»... كيف حتى الآن لم نر عملا دراميا للسينما عن شخص الإمام الحسين في تلك الملحمة الخالدة في التأريخ الإنساني. قال لي صاحبي في بيروت: سوف لن يسمحوا لك بتنفيذ الفيلم! قلت من؟ قال: العرب!

وفي العام 1995 وعندما استقرت بي سفينة التطواف حول الموانئ واستقرت بي الحال في هولندا بدأت أكتب في الخطوط العامة لسيناريو الفيلم. وكان لقائي مع الصديق محمد سعيد الطريحي الذي تحمس للفكرة وبدأنا نلتقي حتى صرنا بعد ذلك ثلاثة إذ دعم المشروع علي الدباغ وبدأت رحلة البحث في الكتابة فيما صديقاي يجريان الاتصالات مع جميع الجهات التي تدعم المشروع وكان في المقدمة منها المجلس الشيعي الأعلى في لبنان ورئيسه الراحل سماحة الإمام محمدمهدي شمس الدين الذي أصبح الأب الروحي للمشروع. بدأت أكتب وأرسل له المعالجة والسيناريو ويبدي ملاحظات دقيقة وحريصة ومتنورة.

وهل كان الاتصال بالشيخ شمس الدين فقط؟

- بل قابلت شخصيات مرجعية كثيرة متخصصة بفكر الإمام الحسين والحوادث التاريخية للواقعة وفيما إذا كان بالإمكان إظهار شخص الإمام الحسين عليه السلام على الشاشة وبأية صيغة ومن يمثل هذه الشخصية. كثيرون من رجال المرجعية أثاروا إعجابي فهم خزين ثقافي... ما أن تدخل الديوان حتى ترى جدرانا من المجلدات من الأرض إلى السقف وفي كل ديوان سلم يصعدون عليه لجلب المطبوع وعلى الأرض فرشت المجلدات والمصادر... أتذكر إني التقيت بالعلامة الشيخ محمد الهرندي في قم المقدسة وأول ما بدأ الحديث معي تحدث عن فيلم «سالومي» وذكرني كيف لعبت فيه الممثلة إليزابث تايلور والممثل ريتشارد بيرتون أدوارهما ببراعة... أنا لا أتذكر الممثلين فقد شاهدت الفيلم في الستينات. وبعد ذلك بدأنا نتناقش بشأن فيلم «تيتانيك» حتى عرجنا على فيلم الإمام الحسين عليه السلام... عقول مدهشة عندما تلتقيها تشعر أنك لا تخاف على الوطن... فهناك رافد كبير للثقافة... قوم بسطاء طيبون تعلو وجوههم الابتسامة السمحة... رجل دين بتلك العمامة البيضاء ومجلدات التأريخ الإسلامي وهو يناقشك بفيلم «سالومي» ويتحدث عن أداء اليزابث تايلور وريتشارد بيرتون ثم يعرج بالتفاصيل والتحليل والنقد الواعي لفيلم «تيتانيك». فكيف تخاف ومم تخاف أن تنتج فيلما عن الحسين إذا كانت مرجعيتك بهذا القدر من الوعي.

ثمة أفلام ومسرحيات تناولت قصة الأمام الحسين... هل سيكون فيلمك مختلفا عن كل ما تم تقديمه عن المأساة الحسينية؟

- ليس كل ما حصل في التاريخ قد تم تدوينه، وليس كل ما دون في التاريخ كان صحيحا.

من هذا المنطلق ينبغي النظر إلى ملحمة الإمام الحسين عليه السلام في تحكيم العقل عند قراءة التاريخ، لأن ثمة عوامل عدة كانت تلعب دورها في صوغ ذلك التاريخ. ولقد كتبت السيناريو وأمامي ثلاث نقاط مهمة:

أولا: هدف ثورة الإمام الحسين عليه السلام وهي الفكرة الأساسية التي يحققها الفيلم.

ثانيا: التحليل الاجتماعي لطبيعة المجتمع الإسلامي في تلك الحقبة.

ثالثا: مسألة الحزن والبكاء في هذه الملحمة التراجيدية.

عليَّ هنا كمخرج أن أوازن بين الفكرة الأساسية والحقيقة التاريخية والاجتماعية وبين موضوعة البكاء، لاسيما أن أمامي ثلاث فئات من المشاهدين: المسلم الشيعي، المسلم السني، والمشاهد غير المسلم.

المسلم الشيعي يتوارث الحزن من جيل إلى جيل، ويطهر نفسه بالبكاء على الحسين عليه السلام. فهو سيبكي الحسين وستتحول مشاهد الفيلم إلى مأساة في وجدانه مهما عملت كمخرج على تخفيف المأساة.

المسلم غير الشيعي، الذي ينبغي مخاطبته بعدالة الحسين وثورته. إنها ثورة رسالية ضد القمع والظلم والحيف والإرهاب الذي توقعه السلطات الظالمة على المواطن، وإنها ليست معركة طوائف. وهذا ما حاول الحسين عليه السلام وأنصاره أن يخاطبوا الجيش المقابل في أنهم ضحية الظلم أيضا.

وكيف تجاوب الإعلام العربي مع فكرة الفيلم؟

- عندما بدأ الإعلام يتحدث عن الفيلم فوجئت بهجمة صحافية غير عادية ومكثفة وللأسف من مصر إذ هاجمني كبار الكتاب على التوجه لإنتاج فيلم عن الإمام الحسين، واندهشت، فالمفروض أن يناقش الفيلم بعد إنتاجه وليس قبل إنتاجه. وبقيت ساكتا لم أرد على أحد حتى اتصلت بي مجلة «روزاليوسف» وأجروا معي حديثا مطولا اشترطت أن ينشر كاملا من دون حذف، وهذا ما كان، فقلت لهم إنني أنتج فيلما عن جندي مصري مات عطشانا في الصحراء من أجل وطنه... هذا هو فيلم الحسين، فلماذا تهاجمونني بهذه الطريقة!؟

كان مفترضا أن يكون الفيلم الآن على الشاشة لولا وفاة رئيس المجلس الشيعي الأعلى سماحة الإمام محمدمهدي شمس الدين (رحمه الله) إذ كان أكثر الذين يتحملون عبء الإنتاج بحكم تأثيره على من يملك قدرة التمويل من محبي الإمام الحسين عليه السلام. لم تكن ثمة مشكلة في تمويل الإنتاج لولا المفاجأة في رحيل سماحته.

نبوءة شمس الدين

في لقائي بسماحته وقبل رحيله بشهر كنت شكوت له المتاعب التي يضعها (بعض) الإيرانيين في مؤسسة السينما، إذ كنت أريد استئجار المدينة السينمائية منهم لأن الإيرانيين بنوا مدينة الكوفة داخل مدينة السينما (شهرنك) كما كانت المدينة في عهد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فقال لي إذا شئت أن تغير مكان التصوير من إيران إلى سورية فخبرني وأنا أتصل بالسيد الرئيس الأسد وأرتب لك الموافقات، ثم أردف قائلا: من يدري عندما تنجز السيناريو كاملا أن يتم تصوير واقعة الطف في مكانها الأصلي (كربلاء، يقصد أن النظام ربما سيسقط مع نهاية كتابة السيناريو)! وقد سقط النظام بعد أن انتهيت من كتابة السيناريو بأشهر.

وهل تعتقد إمكان إنتاج الفيلم الآن؟

- الآن أنا منشغل بالإعداد لإخراج فيلم «المغني» المدعوم فرنسيّا وهو عن شخصية الدكتاتور العراقي السابق، وفيلم الحسين هو هاجسي الحياتي وأمنيتي التي أحلم بها أن أجسد واقعة الطف والمأساة الحسينية أو بالأحرى الملحمة الحسينية، أن أجسدها على الشاشة... يومها سأشعر بالكفاية... أتمنى ألا يخذلني قومي هذه المرة لأني سأزعل كثيرا على الوطن!

خمسة وثلاثون عاما قضيتها من دون جواز سفر... ترأست رابطة الكتاب والصحافيين والفنانين... جابهت الدكتاتورية على أشد ما تكون المجابهة... كتبت عن الدكتاتورية بكل تفاصيلها وكشفتها للعالم وعرضت مأساة وطني... أعرف أن الحال ملتبسة بعد أن تهاوى تمثال الدكتاتور... وهذا الالتباس له قوانينه وأصوله، وكل ما يحدث لا يفاجئني، فنظام دكتاتوري أوجد مدرسة في عملية التجهيل ومدرسة في السرقة ومدرسة في فنون الذبح لابد أن يترك هذه الحال الملتبسة، ولكني أعرف أيضا أن الأوطان عادة تستوعب الحال حتى تخرج منها منتصرة وذلك يحتاج إلى وعي، وأقدر وعي شعبي العراقي وصبره، وأتمنى أن يخرج من الحال الجحيمية منتصرا. تفاصيل هذا الالتباس وهذه الفوضى كثيرة وكثيرة جدا وتحتاج إلى خطة عمل متوازنة ودقيقة وأدوات تنفيذ ولكن هذه الخطة وأدوات تنفيذها غير مرئية بوضوح عندي... لو توافرت في تقديري فستعجل بالخروج من الأزمة نحو الحياة والخروج من المأزق نحو الحرية الواعية والمسئولة وليست الحرية بمعنى المنفلت والمتجاوز للقيم وللإرث الجميل لا الإرث السلفي المتخلف.

ماذا عن الوضع الثقافي والإعلامي؟

- الوضع الثقافي هو انعكاس للحال السياسية وليس منفصلا عنها، كذلك الإعلام... هناك غياب للثقافة ليس بعد سقوط النظام بل أيضا في صفوف ما كان يسمى بالمعارضة العراقية، إذ كنت أرى شخوصها لا يقتربون من الثقافة ولا تعنيهم، وأشك أن أيّا منهم قد قرأ رواية يوما أو شاهد فيلما سينمائيا أو قرأ قصيدة شعر أو شاهد مسرحية أو حضر معرضا للرسم... السياسي الذي يغيب منه الثقافي يصبح شخصا من دون ملامح... من دون هوية... ويصعب عليه تقييم الحال السياسية بشكل إنساني ووطني.

ما أهمية إنتاج فيلم الحسين الآن؟

- يشكل إنتاج فيلم الحسين أهمية إنسانية عظيمة في تأريخ الفكر الإنساني وليس الفكر الإسلامي فقط. فالإمام الحسين عليه السلام واجه أسس الظلم والظلام وكشف حقيقتها بموقفه الذي وبعد مرور أكثر من ألف عام نراه يتألق وتزدهر قيمه. ففي لحظة المواجهة قال زهير بن القين لمعسكر عبيدالله بن زياد وعمر بن سعد والشمر بن ذي الجوشن ورؤساء القبائل الذين خذلوا الحسين وانحازوا لمعسكر أعدائه مثل شبث بن ربعي وحجار بن أبجر وقيس بن الأشعب ويزيد بن الحارث، قال لهم زهير بن القين: «إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف. وأنتم للنصيحة أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وكنتم أمة. إن الطاغية يزيد وعبيدالله بن زياد سوف لن تحصدون من عمر سلطانهما إلا السوء. والله ليسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل».

نلاحظ أهمية هذه الكلمات في المجابهة... ولو تأملناها الآن لوجدناها قائمة وعبيدالله بن زياد المعروف باسم زياد بن أبيه الذي لا يعرف والده هو قريب جدا ومتطابق حتى في الألفاظ مع شخصية الدكتاتور الذي لا يعرف أباه هو الآخر... إن هذا نفس عينة ذاك... يتشابهان بشكل كبير وقد قرأت لقاءات بن زياد مع شرطته وطريقة مناورته في كسب رجال القبائل وفي إثارة الفتنة في المجتمع فوجدتهما متطابقتين.

فيلم الحسين وفي قراءتي الشخصية للحوادث وجدت فيه كشفا لسيكولوجية مجتمع بكامله وفيه دور الفرد في عملية تخريب المجتمع وبشكل خاص عندما يكون في موقع القرار وهو يتصف بصفات مريضة ومركبة.

على من تعول اليوم للإسهام في انتاج الفيلم؟

- أقول أمنيتي ألا يخذلني قومي هذه المرة وأن يدعموا إنتاج الفيلم من دون تردد لاسيما أن السيناريو قرئ من قبل لجنة شكلت لهذا الغرض وكتبت بيان إعجاب شديد بالسيناريو فقال عنه العلامة السيدباقر الإيرواني: «في سيناريو الفيلم روعة العرض وقوة الجذب»، وقال العلامة الحجة السيدمحمد هادي آل الشيخ راضي: «السيناريو بحمد الله وافيا بالغرض مستعرضا الحوادث المهمة في حياة الإمام (ع) بأسلوب مناسب للعمل السينمائي»، كما أن المرجع الأعلى السيد السيستاني دام ظله الشريف قد بارك المشروع وجاء في رسالته إلى الحاج علي الدباغ «وإننا نرجو لكم الموفقية والنجاح في مشروعكم فيلم الإمام الحسين عليه السلام نؤكد على حفظ قداسة مقام الإمامة السامي ومنزلته الشامخة ومراعاة مشاعر الأمة من خلال الاحتياط التام في جوانب الموضوع المختلفة داعين المؤمنين لدعم هذا المشروع، سائلين تبارك وتعالى أن يسدد خطاكم لما فيه الخير والصلاح»، كما كان سماحة الإمام محمدمهدي شمس الدين (قدس سره) قد أرسل رسالة مطولة معنونة باسم مخرج الفيلم ومدير الإنتاج الطريحي والمدير المفوض للشركة المنتجة الدباغ ناقش فيها كل أبعاد السيناريو بناء على عدد من الأسئلة توجه بها إليه المخرج وطلب منه الإجابة مكتوبة لما عرف به من تخصص في شخصية الإمام الحسين والمؤلفات التي كتبها (رحمه الله) عنه.

مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله السيد الخامنئي بارك المشروع ووافق على إنتاج الفيلم.

الآن وضعت اللمسات الأخيرة على السيناريو واخترت مواقع التصوير تاركا لوطني القرار في إنتاج هذا الفيلم الذي أعتبر أن توقيت إنتاجه هو الآن ولا يتحمل التأخير... وكلفته المالية قد أعددتها ضمن ما نسميه الموازنة المخفضة (وهي لا تشكل قيمة تذكر) قياسا بالأفلام العربية ولكن قيمة الفيلم لا تقدّر بثمن، ولاسيما أني أعددت مع السيناريو سيناريو للأطفال ينتج من مادة الفيلم نفسها تحكي لهم قصة الإمام الحسين بشكل مبسط فيصبح لنا فيلمان على مر الأجيال فلنحتفل كل عام بمشاهدة الحسين عليه السلام على الشاشة البيضاء كل عاشوراء. أيها العراقيون «انتهت مسئوليتي وبدأت مسئوليتكم فلا تتركوا الحسين وحيدا وعطشانا للمرة الثانية»!

@ بالتعاون مع موقع «إيلاف» الإلكتروني

العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً