العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ

منتدى دافوس 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

افتتح يوم (الأربعاء) الماضي الموافق 24 يناير/ كانون الثاني في منتجع دافوس في سويسرا المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي تحت شعار: «نحو توازن جديد للقوى»، بحضور أكثر مكثف من زعماء العالم في السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والإعلام.

المنتدى الذي سيخصص أكثر من 250 جلسة نقاش لقضايا الطاقة والبيئة والتنمية والنمو الديموغرافي، سيحيي نقاش الشرق الأوسط بحضور الرئيس الفلسطيني، من دون إهمال قضايا القارة السمراء وأميركا اللاتينية، بعد أن ركز في الدورة السابقة على الصين والهند. ويخصص المنتدى أكثر من 223 جولة نقاش تتطرق لقضايا السياسة والاقتصاد والطاقة والثقافة والأديان والإعلام.

يستقطب دافوس أكثر من 2400 مشارك من 90 بلدا 50 في المئة منهم من عالم الاقتصاد، 73، ومن بينهم مديرو 100 أكبر شركات العالم ورؤساء دول وحكومات من بينهم المستشارة الألمانية، ورئيسة سويسرا، والوزير الأول البريطاني من أوروبا، والرئيس البرازيلي والرئيس المكسيكي من أميركا اللاتينية، والعاهل الأردني، والرئيس الفلسطيني، ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي من منطقة الشرق الأوسط، والرئيس الجنوب إفريقي تامبو مبيكي من إفريقيا.

وتعود الإعلاميون والمراقبون قبل كل دورة جديدة للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي تحول منذ ثمانينات القرن الماضي إلى «قبلة» لقادة العالم في مجالات السياسة والاقتصاد (حديثا حتى في الميدان الديني والثقافي)، على تلقي توجيهات جديدة توحي بتوجيه النقاش في كل هذه المجالات الآنفة الذكر بغية «تحقيق عالم أفضل»، لكنهم فوجئوا هذه المرة بمؤسس المنتدى كلاوس شواب، يقول إن عالم اليوم يعيش حالا من انفصام الشخصية (شيزوفرينيا).

المنتدى

ويثير منتدى دافوس الكثير من التساؤلات التي تصل أحيانا إلى مستوى الخلافات بين مؤيد له ولنتائجه، ومناهض له ومعارض لتلك النتائج. ترى ما هو دافوس؟ إنه منظمة غير حكومية لا تهدف للربح مقرها جنيف بسويسرا، أسسها أستاذ في علم الاقتصاد كلاوس شواب في العام 1971. يعتبر هذا المنتدى بمثابة الساحة التي تلتقي فوقها النخب العالمية من 1000 من ممثلي الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى من أمثال نستلة ونيكي وميكروسوفت وبكتل، والقادة السياسيين بهدف النقاش في المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم وكيفية حلولها. يعقد المنتدى اجتماعاته السنوية في دافوس، إذ يتم وضع مسودات لخطط ومشروعات اقتصادية مشتركة، هذا إلى جانب دوره التعبوي لسياسات النيوليبرالية للبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والتي تستهدف بالأساس خصخصة الخدمات الأساسية وتحرير السوق وخلق مناخ يسمح بالاستثمار بما يتطلبه ذلك من إصلاحات سياسية.

وعلى رغم أنه رسميا «منظمة غير حكومية ولا تستهدف للربح ومفتوحة لمن يرغب»، فإن شروط عضويته تحتم على أن يكون دخل الشركة لا يقل عن مليار دولار في السنة، إلى جانب اشتراك عضوية سنوي 12.500 (أثنا عشر ألفا وخمسمئة) دولار، أما الاشتراك في المؤتمر السنوي فيتكلف 6.250 دولارا، وإذا أرادت الشركة الاشتراك في وضع أجندة هذا المؤتمر قبل انعقاده فتتكلف 250.000 دولار، وإذا أرادت أن تكون شريكا دائما فتدفع 78.000 دولار.

ويتخذ منتدى دافوس مكانه إلى جانب بعض الهيئات والمؤتمرات العالمية المشابهة، مثل: «نادي روما» أو «ندوة ميونيخ لقضايا الأمن الدولي»... ويشكل معها أرضية صناعة القرار السياسي والاقتصادي والأمني على أعلى المستويات. ويجدر التنويه هنا إلى أن «القمة الاقتصادية» للدول الصناعية الرئيسية في العالم، إنّما بدأت أيضا على شكل «لقاء غير رسمي»، دون وفود كبيرة، ولا جداول أعمال ملزمة أو قرارات وبيانات ختامية... وعلى رغم ذلك كان لها في السنوات الأولى تأثير أكبر من تأثيرها الحالي في صناعة القرار الدولي، على صعيد العلاقات بين الشرق والغرب، وفي قضايا التسلح والأمن، فضلا عن قضايا اقتصادية ومالية حاسمة كعلاقة الدولار بالمصرف المالي العالمي، ودور صندوق النقد الدولي على صعيد الاستثمارات وغير ذلك.

لا يقلل من أهمية منتدى «دافوس» إذا عدم صـدور قرارات ملزمة عنه، بل على النقيض من ذلك ترتكز أهميتـه على الاكتفاء بتأثير الجهات القادرة على ممارسة الضغوط المالية وغيرها على صناعة القرار، من دون أن يأخذ ذلك صورة استعراضية تجاه الرأي العام... فيسبب ردود فعل مضادة.

ولئن كانت البداية مؤتمرا سنويّا، أصبح هو المناسبة التي يطرح فيها اسم «دافوس» في وسائل الإعلام، أو أصبح بمثابة الصورة المعروفة والغالبة على طبيعة المنتدى، فالواقع أنّ المؤتمر السنوي لا يمثل سوى جانب محدود من النشاطات الجارية على مدار العام، أو هو بمثابة ساعات للحوار المباشر حول قضايا بقيت مطروحة وموضع اهتمام ومتابعة في أعوام ماضية أو ينتظر أن تكون كذلك في أعوام تالية.

ولعل هذه الوضع هو الذي جعل قادة العالم يرون أن الاجتماعات السنوية ليست بكافية لدرء مخاطر العالم، فوجبت الحاجة لعقد اجتماعات إقليمية من 5 إلى 10 اجتماعات إقليمية على مدار العام في أميركا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط من أجل التسريع لعملية «الانفتاح والاندماج الاقتصادي» والتعبئة لسياساته.

وعلى هامش تلك الاجتماعات الإقليمية، يتم عقد اجتماعات ثنائية لوضع خطط مشروعات اقتصادية مثل مشروع مد قناة بين البحر الأحمر والبحر الميت وهو مشروع مشترك بين الأردن وفلسطين و «إسرائيل»، وبحث منطقة تجارة حرة بين أميركا والعرب، وبين العرب و «إسرائيل» إلى جانب مناقشات قضية السلام الكبرى المتمثلة في اجتماعات اللجنة الرباعية لخريطة الطريق مع شيمون بيريز وعباس وكولن باول.

وكان نصيب منطقة الشرق الأوسط ثلاثة اجتماعات إقليمية بدأت في 2002 حتى 2005 في الأردن على التوالي، تستهدف بالأساس لدمج المنطقة في الاقتصاد العالمي ومناقشة مستقبل «الشرق الأوسط الكبير» السياسي والاقتصادي وما يتطلبه ذلك من استقرار لتنشيط وجذب الاستثمارات. تناولت تلك الاجتماعات أسباب الإرهاب في المنطقة ومستقبل العراق وتأثيره، إلى جانب نقاش اتفاق تحرير التجارة وفتح الأسواق وارتفاع أسعار النفط. وبما أننا كما قال الملك عبدالله «نعيش فرصة ذهبية للسلام والاستقرار والإصلاح الشامل بحلول 2010» فلا مفر من «حدوث تغييرات أليمة» كما وصفت وزيرة اقتصاد الإمارات لبنى القاسمي من دون ذكر ما نوع تلك «التغييرات الأليمة»، ولكي يحدث أي تطوير في المنطقة يجب أن «يتم من فوق» عن طريق قيادة حكيمة ومثابرة وصبورة كما عبر عنها عبدالحفيظ الشيخ من باكستان.

وعلى سبيل المثال بدأ في العام 1973م تأسيس «منتديات قطرية»، وكان من نشاطاتها بعد زهاء 20 سنة ما يقدر بخمسمئة لقاء وندوة محلية وإقليمية... فضلا عن التقارير والدراسات التي تصدر بالعشرات حول بلد أو منطقة إقليمية بعينها كتقارير دورية عن الهند وتركيا وجنوب إفريقيا وغيرها، أو عن قضايا يراد إبرازها للعيان كالتقرير الصادر العام 1997م بشأن «المؤتمر الاقتصادي الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا»... ويذكر أن التوزيع الإقليمي لنشاطات المنتدى يضع جزءا من البلدان العربية والإسلامية التي شاعت تسميتها بالشرق الأوسط في «منطقة إفريقيا والشرق الأوسط»، ويضع الجزء الآخر في نطاق «منطقة آسيا».

وكان العام 1973 من المحطات الرئيسية لمنتدى «دافوس» بعد ثورة أسعار النفط الخام، وما ترتب عليها على الأصعدة المالية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك العلاقات المالية الأوروبية - الأميركية وولادة قمة البلدان الصناعية... ويسري شبيه ذلك على المحطة الرئيسية التالية في العام 1982م على ضوء أزمة المكسيك التي طرحت قضية الديون الخانقة على كاهل الدول النامية، جنبا إلى جنب مع بوادر متغيرات جديدة في العلاقات بين الشرق والغرب على ضوء سياسة الانفراج الدولي باتت ترجّح الوفاق بين المعسكرين، وإن لم تصل التنبؤات آنذاك إلى مستوى سقوط الشيوعية نفسها. ووضعت التغييرات العالمية ركائز رئيسية في دافوس... كالانفتاح الأوروبي العام 1987م - قبل الأميركي - على مبادرات «غورباتشوف»، أو التقارب التركي - اليوناني العام 1988م لأول مرة منذ حرب قبرص، أو اللقاء الحاسم العام 1989م بين زعماء شطري ألمانيا تمهيدا لإعادة وحدتها... وهكذا مما يكشف عن حجم ما وصلت إليه نشاطات المنتدى على الأصعدة السياسية، التي لم تكن منعدمة من قبل، ولكنها بلغت في النصف الثاني من الثمانينات مداها، وتابعت ذلك في التسعينات من القرن الماضي، فرافقت انهيار المعسكر الشرقي، ثم حوادث البلقان. وأصبح لمنتدى دافوس دور رئيسي على الساحة الفلسطينية بتحرك مكثف للغاية، وكان قد بدأ الاهتمام بالقضية منذ السنوات الأولى لنشأة المنتدى نفسه.

ومادامت النسبة العظمى من المشاركين في المؤتمر ما يسمّى «النخبة» السياسية والاقتصادية، بمعنى القائمين على صناعة القرار في مواقع رئيسية من الساحة العالمية، وبمشاركة الأطراف الأقرب إليهم وإلى توجهاتهم من داخل البلدان النامية أو ما يسمى العالم الثالث، وهذا ما يدفع إلى التساؤل عمّا ينتظر من المنتدى إذا ماذا بالنسبة إلى الأطراف الأضعف سياسيا واقتصاديا في عالمنا المعاصر، لاسيما بعد استفحال أضرار ظاهرة العولمة وثورة الاتصالات، وكلاهما في موقع الصدارة من لقاءات ماضية ومن اللقاء القائم لمنتدى دافوس؟

الواقع أنّ التسعينات الميلادية شهدت - بغض النظر عن النوايا الأولى لصاحب فكرة المنتدى ومؤسسيه - تطوّرا كبيرا في طبيعة نشاطاته وتوجّهاته، وسيان هل كانت مسيرته مقصودة في هذا الاتجاه من البداية، أو تمخضت تلقائيا عن توجهات جديدة، فالنتيجة واحدة، وهي أن المنتدى أصبح من الأدوات الفعالة والرئيسية للتحرك «السلمي» الذي يمكن أن يكمل التحركات الأخرى ما بين الضغوط السياسية والاقتصادية وحتى توجيه الضربات المالية والعسكرية، لتحقيق حصيلة سلبية لا نجد لوصفها تعبيرا أنسب من «الهيمنة» في إطار ظاهرة العولمة، وعلى مختلف الأصعدة الفكرية والسياسية والأمنية لا الاقتصادية فقط. وكان المنتدى قد أعطى لظاهرة العولمة مكانة الصدارة في برامج لقائه السنوي في العام 1997م، وسرى هذا على لقاء 2000 أيضا مع إضافة جوانب رئيسية منها ثورة الاتصالات وتقنية شبكة العنكبوت.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً