العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ

تداعيات غياب الدور السياسي للبرجوازية التجارية

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

البرجوازية التجارية البحرينية تبتعد عن المعترك السياسي مخلية الساحة أمام لاعبها الأساس: الدولة ومن بعدها القوى السياسية على اختلاف مشاربها وحجمها ومستوى تأثيرها.

تغيب البرجوازية التجارية متكئة على استمرار الهيمنة الحكومية الكاملة على المفصل الاقتصادي وتسيير شأنه، بل ورسم دور الفعاليات الاقتصادية الوطنية فيه. وهذا يعزز التناقض بين توجه الدولة نحو اقتصاد السوق ودخول فضاء العولمة الاقتصادية والخضوع لشروطها الليبرالية، وبين هيمنتها المطلقة على مفاصل الاقتصاد.

ليس القصد هنا الدعوة للإلغاء الكلي لدور الدولة والنأي بها عن الشأن الاقتصادي، فالدولة - باعتبار مسئوليتها المركزية عن التنمية المجتمعية الشاملة - ليس غيرها منوط بتوفير خدمات البنية الأساسية للتنمية الاقتصادية والإشراف عليها بما يحقق الصالح المجتمعي العام. الغياب الكلي للدولة مدعاة للفوضى وتولد الأزمات الاقتصادية وظلم الطبقات المجتمعية الدنيا. وعلى العكس، فوفقا لتجارب الدول - الجنوب شرق آسيوية على وجه الخصوص- فإن حضور الدولة المتكافئ مع الفعاليات الاقتصادية الوطنية ضمان للتوازن والنمو الاقتصادي على كل الصعد.

من أهم أهداف البرجوازية التجارية زيادة مداخيلها ومضاعفة ثرواتها، وأهم سبلها لذلك توسيع فرص الاستثمار وتحقيق الانتعاش الاقتصادي في المجتمع. إلا أن بلوغ ذلك يتطلب مستويات معقولة من الحريات المجتمعية المحفزة لحركة الاستثمار والتحديث الداعم للتنمية الاقتصادية. كما يتطلب حزمة من القوانين والأنظمة الداعمة لفاعلية الحركة الاقتصادية. ولا يتحقق ذلك إلا تحت مظلة نظام سياسي ديمقراطي يتطور بتطور مؤسساته التمثيلية ويقوى بقوة دولة القانون والمؤسسات. وحينما تنأى البرجوازية التجارية بنفسها عن الشأن السياسي وتبتعد عن التفاعل مع المؤسسات السياسية القائمة فهي تسهم بشكل كبير في تعطيل بناء نظام ديمقراطي سليم وتحقيق تنمية اقتصادية متنوعة متصاعدة ومستدامة.

من جانب آخر، تعيش مملكة البحرين مثلها مثل كثير من البلدان العربية مرحلة دخول قوى الإسلام السياسي حلبة العملية السياسية وتحقيقها انتصارات ملموسة بل وكاسحة في غير بلد. وليس سرا يُفشى القول إن لهذه القوى منظورها وأجندتها الخاصة فيما يتعلق بمستوى ومحتوى التنمية الشاملة للمجتمع التي قد تصل - لدى بعض التوجهات - لمسعى إضفاء طابع الأسلمة على مناحي التنمية الاقتصادية للمجتمع وتأطير التطور الديمقراطي المرتجى داخل أطر محددة. وطوال الفصل التشريعي الأول منذ 2002 كان واضحا توجه القوى المذكورة لتحقيق بنود أجندتها من خلال تفعيل كافة صلاحياتها النيابية وتوظيف كل المنابر التي تتيحها لها مواقعها السياسية والدينية. و أدخل الفصل التشريعي الجديد بعد انتخابات 2006 مزيدا من القوى الإسلامية بوابة السلطة التشريعية فاكتملت حبات السبحة وبتنا نتوقع المزيد من طرح أجندات مشابهة. في الوقت ذاته فالدولة كأهم وأقوى طرف في اللعبة السياسية لم تزل تعزز مواقعها ومصالحها واضعة في اعتبارها الأول القوى السياسية الكبيرة التي تملك الشارع وتحوز سطوة التأثير عليه.

البرجوازية التجارية تقع إذا بين طرفي رحى قد تكون طاحنة تُذهب بطموحات وطنية عامة لتأسيس دولة المؤسسات الدستورية والقانون. ويتمثل أحد طرفي الرحى في تفرد الدولة بالهيمنة على كامل مفاصل الشأن الاقتصادي وثانيهما في تعزز حلف المصالح غير المعلنة بين الدولة وقوى الإسلام السياسي. ويضاعف المشكل ضعف كافة القوى الديمقراطية وانحسار تأثيرها في الحراك السياسي وبالتالي في اتخاذ القرار المجتمعي.

وقد تطرقنا إلى أن الدور المهيمن للدولة على الاقتصاد يشكل أهم أسباب تقاعس البرجوازية التجارية عن دورها الوطني التاريخي. ويبدو أن لدى برجوازيتنا المدللة والمهمّشة في آن مبررات أخرى لهذا الابتعاد لا تشي بدور قادم في المستقبل المنظور. ففي الوقت الذي يشكل وصول ممثلي الطبقة البرجوازية للكرسي النيابي في مجتمعات أخرى طموحا لبلوغ أعلى المراتب السياسية بما تعنيه من مكانة مرموقة وشرف اجتماعي يرفد نفوذ المال، نجد أن الأنظمة الدستورية في الدول الخليجية تحد كثيرا من ذلك وتكاد تقصره على أفراد العائلات الحاكمة.

كما أن شرائح من البرجوازية التجارية في ظل معايشتها - عقودا من الزمن - لحراك اقتصادي لا تحكمه تشريعات ديمقراطية صادرة عن سلطة تمثيلية للشعب، قد ألفت هذا الوضع ولم تعد راغبة في تغيير يضع على كاهلها رسوما أو ضرائب لم تعتد على تحملها. أضف لذلك ما تتطلبه المشاركة السياسية من ضخ أموال لفتح جسور وقنوات تواصل بين هذه الطبقة وجمهور الناخبين. ومن جانب آخر فمع اعتلاء بعض فئات الإسلام السياسي ذات التوجه الأصولي المتزمت الكرسي النيابي، يبدو أن أنماطا من التوجه ذاته قد اخترقت فكر شرائح قديمة وجديدة من البرجوازية التجارية. وذلك بدوره ينذر بدرجات من تراجع الانتعاش الاقتصادي والتجاري اللذين أثبتت تجارب بلدان العالم أنهما لا يمكن أن ينتعشا في ظل فكر متزمت منغلق تتبناه الفئات القائمة على هذين المفصلين الحيويين.

كثير من المؤشرات تومئ بعدم توفر توجهات حقيقية في صفوف البرجوازية التجارية لاقتحام المعترك السياسي لا اليوم ولا في الغد المنظور. وستبقى الكرة في ملعبها بانتظار تقدم هذه الطبقة للاضطلاع بدورها التاريخي نحو مجتمعها.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً