معرض مشترك، أناس مشتركة، فنانون يشتركون تحت سقف واحد عرضة لجنون اسمه الفن. أقدام تصعد سلّم الوقت بفرح، أخرى تعيد عيونها إلى سطح اللوحة الملقية على الجدار. الصالة تمتلئ، فيمتلئ الإحساس بوجود فضاء منهك بالعابرين، والمعرض لوحده يستمر. تتدلى على جدرانه أعمال الفنانين، ويستمر في حمل عبء الجمالية، لكن أحدا لا يلتفت إليه. إنه الصحيفة التي يلقي بها عابر، لأنها بكل بساطة استوفت تاريخ صلاحيتها، لكن هذا المعرض، أقصد الصالة، بل أقصد الجدران والسقف والأرضية، أقصد المكان الذي نشعر بالألفة إليه، لماذا يتم تجاهله والكتابة عما فيه، فقط لأنه غير معلن؟ أم لأنه ليس جزءا من هذه الجمالية التي تستلقي على الجدار؟ غير أني سأعتبره جزءا من جمالية كاملة نطلق عليها اسم «معرض»، من هنا يأتي تلقي الأعمال المقدمة في المعرض المشترك، بين جمعية البحرين للفنون التشكيلية، وجمعية «جغرتي»، برعاية السفير الهندي لدى المملكة.
«جغرتي» جمعية أو مؤسسة تهتم بتشجيع الفن الهندي الحديث، كما تقيم معارض وورشا لتبادل الخبرات بين الفنانين، وتم تقديم هذا المعرض كشكل من أشكال التبادل الثقافي، والحوار الحضاري بين الثقافة والفن الهندي، والفن في البحرين، ومن هنا أتت تسمية المعرض بـ «وجها لوجه»، وهو أول معرض يتم تدشينه بهدف التبادل الثقافي بين البلدين، أتى هذا المعرض ثمرة لجهود الفنانين أنفسهم. قرابة الأربعين عملا، وأربعة عشر فنانا، اختلفوا في مشاربهم ومدارسهم وجنسياتهم، لكنهم كانوا تحت سقف واحد، هو صالة جمعية البحرين للفنون التشكيلية. أعمال تفاوتت وتراوحت، لم ترتبط بموضوع أو سمة واحدة، كان نوعا من التبادل الثقافي، والحوار بين الثقافات، معتمدا على لغة كونية هي الفن، لتشكل نقطة التقاء بين الحضارة الهندية، والفن الهندي بشكل أكثر خصوصية، والتجربة البحرينية، في أكثر مجالاتها وفنونها رقيا وتطورا.
من الجانب البحريني قدم كل من الفنانين عباس الموسوي، حامد البوسطة، خالد الطهمازي، وهم المنتمون للجمعية، تصحبهم الفنانة أوزما دادباي، أعمالا مختلفة ومتنوعة، ومن الجانب الهندي شارك كل من الفنانين ابيجيت مترا، اربان بوميك، بسوديف غوش، بيليندرا ناث موندال، ديباشيش دارا، كازي نزير، بارثا دازغوبتا، براديب غوش، برازانتا سيل، ساناتان ساها. ويظهر أن كل الفنانين الهنود ينحدرون من أصول بنغالية، كما أنهم من مدينة كلكوت الهندية.
اتجهت أعمال أوزما دادباي إلى التذهيب واستخدام الأحرف والكتابة القرآنية، مع استخدامها قطعا طينية بارزة على سطح اللوحة، وتعتبر دادباي من الفنانات الجدد على الساحة الفنية في البحرين، غير أن اللوحات الثلاث المقدمة، وان كانت عبارة عن أعمال مكرورة من حيث الموضوع وطريقة المعالجة، فإنها من جانب آخر أضافت طريقة مختلفة في كيفية تعاملها مع إطار لوحاتها، كما أن الأعمال التي وضعت لها كنماذج في منشور المعرض، كانت ذات تفرد وسمة خاصة، سواء من حيث معالجتها للحرف العربي، أو التوزيع اللوني وتدرجاته، أو حتى في كيفية التعامل من تجريدية تجريدية، ما يجعل منها اسما جديدا يضاف إلى قائمة الفنانين، التي نتمنى أن نشهد لها في القريب معرضا آخر.
أما الفنان الهندي «مترا»، فقدم في أعماله المرأة كموضوع، ولم يغفل تراثه في لباس المرأة الهندية، غير أنه ذهب في تجريد شخوصه، وإعطائها وضعيات دلالية لكل نسائه داخل اللوحة. قدم خلال المعرض ثلاث لوحات، ظهرت من خلالها سمة وموضوع واحد، أثبت من خلاله مترا تميزه، وبراعة في التعامل مع أشكاله، في حين تركت ألوانه انطباعا بتمايز الدرجات اللونية بطريقة حادة، وقد وضع توقيعه الخاص في يد كل نساء لوحاته، من خلال وردة في الكف اليمنى.
لا يوجد هنالك خلق دون الطبيعة، ولأن المرأة هي علامة هذه الطبيعة البارزة، كانت أعمال الفنان الهندي بومك مقاربة للمرأة الهندية، أخذت لوحات بومك بصمة واحدة تدل على الفنان نفسه، وشغلت المرأة الموضوع الرئيسي فيها، في حين تمتعت جميع أعماله المقدمة بألوان ترابية، وإظهار المرأة بزيها الهندي التقليدي (الساري)، إلا أنه في تعامله مع المرأة العاملة، والمرأة العادية التي يلاقيها في البيت والحي عادة، استخدم ألوان الأكرلك على قماش الكانفس. من جانب آخر، تمتعت أعمال الفنان الهندي بسوديف برؤية واضحة للطبيعة، وهي كما يقول الفنان عبارة عن انعكاس لما هو في الكون، من قبح وجمال، وفي لوحاته يُظهر بسوديف حركة اللون، فتظهر طبقات من اللون الزيتي المتراكم على سطح أعماله، التي تتميز بفوضوية مرتبة، قد تكسبها جمالية ما، ومعنى قد يسقط عليها، لكنها في الجانب الآخر تشعر المتلقي بشيء من العصبية في فعل الرسم، غلب على معظم أعماله المقدمة اللون الأخضر، وربما في إشارة إلى بيئة الفنان. أما الفنان الهندي موندال فقدم أعمالا قريبة من التجريد بصورة ما، لها سمة واحدة، سواء في درجة الألوان المستخدمة، أو في ملامح وجوه شخصياته، كما صاحبت هذه الشخوص وجوه وأجساد حيوانات، شغل فيها اللون الأحمر الكثير من مساحة لوحاته، وغلبت على تقديمه الصورة التشاؤمية، سواء من ملامح شخوصه السوداوية، أو العيون التي جعل الرعب من سوادها أقل حجما، أو حتى من خلال بنيتها الجسدية. غير ذلك، أن درجة ألوانه القاتمة تضيف إلى الذهاب في قراءة لوحاته بشكل تشاؤمي سبابا آخر.
العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ