العدد 1633 - السبت 24 فبراير 2007م الموافق 06 صفر 1428هـ

أحزاب المناطق... وسيكولوجية الطوائف(1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

متابعة المشهد اللبناني من محطات التلفزة والفضائيات تعطي فكرة سريعة عن تقلبات الحوادث واختلاط صورة التحالفات. ولكن هذه المتابعة ليست كافية لتقديم فكرة واضحة عن مشهد بات على قاب قوسين من الانفجار الداخلي الموصول بخطوط توتر إقليمية.

لبنان يحتاج إلى قراءة دقيقة تحفر في الواقع لمعرفة مصادر تلك الطاقة المتوترة على أكثر من صعيد. فهناك اضطرابات سياسية عامة مبرمجة وفق شعارات ومطالبات لا تعطي المشاهد سوى آراء بينما حركة الواقع تندفع باتجاهات ليست متطابقة مع الأفكار والايديولوجيات.

هناك أسماء كثيرة تظهر على المحطات والفضائيات منها من دخل حديثا إلى الساحة ومنها من كان موجودا في فترات سابقة. والأهم من بين هؤلاء تلك الوجوه التي تنتمي إلى عائلات سياسية لعبت أدوارا متفاوتة في صنع تاريخ لبنان الحديث. كارلوس أده مثلا ابن عائلة مارونية قادت تحركات سياسية في زمن الانتداب الفرنسي وبعده. ودوري شمعون ينتمي إلى عائلة مارونية كان لها دورها في الحوادث السياسية التي عصفت بلبنان بعد الاستقلال. وسليمان فرنجية حفيد رئيس جمهورية سابق انفجرت في عهده الحروب الأهلية/ الإقليمية في العام 1975.

هؤلاء الثلاثة ينتمون إلى مناطق مختلفة. فأده من قضاء جبيل الماروني. وشمعون من قضاء الشوف الدرزي/ السني/ الماروني. وفرنجية الماروني من قضاء زغرتا في الشمال المحاط بأقضية مارونية وسنية وعلى خط تماس مع مدينة طرابلس. فالثلاثة موارنة ومن أقضية مختلفة وهذا ما أدى إلى تنويع مواقفهم وتلوينها بفضاءات ثنائية ضيقة لعبت دورها في تشكيل سياسات متحولة ومحكومة بالمناخات الدولية والإقليمية العامة وظروف البيئة الثقافية.

كارلوس أده عميد حزب «الكتلة الوطنية» من قادة قوى «14 آذار» وفي الآن هو وريث عمه العميد ريمون أده النائب السابق وأحد أهم وجوه السياسة التقليدية وأبرز معارض للوجود السوري سابقا، إذ عاش في المنفى (باريس) وعاد إلى لبنان محمولا بعد وفاته. والد العميد ريمون رئيس سابق للجمهورية اللبنانية في عهد الانتداب الفرنسي. فوالده اميل (1881 - 1949) انتخب لهذا المنصب في العام 1936 واستمر فيه إلى العام 1941 وحاول التجديد وفشل.

دوري شمعون رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» من قادة «14 آذار» وفي الآن وريث زعامة سياسية أسسها والده كميل نمر شمعون (1900 - 1987) الذي ولد في دير القمر ونجح في انتخابات رئاسة الجمهورية وتولى منصبه من 1952 إلى العام 1958 وفشل في التجديد بعد حصول انتفاضة شعبية أدت إلى إشعال فتيل حرب أهلية محدودة.

سليمان فرنجية الحفيد رئيس حزب «المردة» من قادة «8 آذار» وفي الآن وريث زعامة سياسية تنتمي إلى عائلة زغرتاوية مهمة لعب أقطابها سلسلة أدوار تركت أثرها في تاريخ لبنان. وسليمان فرنجية الجد (1910 - 1992) انتخب في العام 1970 رئيسا للجمهورية وفي عهده دخلت القوات السورية لبنان في العام 1976 بغطاء دولي/ عربي.

الثلاثة ينتمون إلى ثلاث عائلات سياسية محلية أنتجت ثلاثة رؤساء للجمهورية خلال 40 عاما ولاتزال حتى الآن تلعب ذاك الدور المحرك للحياة العامة في لبنان. وهذا يدل على أهمية الموروث ومكانه الخاص في بلد لاتزال آليات الواقع الطائفي/ المذهبي/ المناطقي تتحكم في إنتاج السياسة وتصديرها لتحتل موقع الصدارة في واجهة الحوادث الآنية. فالثلاثة أبناء أو أحفاد أو أبناء عمومة رؤساء للجمهورية. والثلاثة ورثة زعامة سياسية محلية دمجت بين تقاليد مناطقية وفكرة الحزب الحديث. فأده ورث حزب عمه الذي تأسس في سياق ثنائية سياسية بدأت منقسمة في العهد الفرنسي بين كتلة وطنية وكتلة دستورية وانتهت منقسمة في نهاية العهد الشهابي بين كتلة «الحلف» المارونية وكتلة «النهج» الشهابية/ الجنبلاطية. وشمعون ورث حزب والده الذي تأسس بعد الحرب الأهلية السريعة في العام 1958 في سياق ثنائية سياسية بدأت منقسمة في منطقة الشوف مع الجنبلاطية ثم توسعت لتشكل قوة خاصة في كتلة «الحلف» المضادة للشهابية، ثم في «الجبهة اللبنانية» التي قادت المواجهات الأهلية إبان الحرب التي عصفت بالبلد الصغير. وفرنجية ورث حزب والده (طوني) وجده سليمان الذي تأسس وفق ثنائية محلية عصفت بها التحالفات والصراعات العائلية في القضاء (زغرتا) أو خارجه (بشري) لتنتهي في انقسامات أهلية دفعت العائلة إلى الخروج من «الجبهة اللبنانية» والذهاب إلى الضفة الأخرى.

هذه المتغيرات طرأت على مواقف أحزاب مناطقية (الكتلة الوطنية، الوطنيين الأحرار، والمردة) تأسست على قواعد عائلية احترفت السياسة ضمن شروط محلية. فالأحزاب الثلاثة لم تنجح في التحول إلى هيئات جامعة ومنتشرة في مختلف البقاع اللبنانية. وهي في الأصل لم تطمح إلى ذلك وإذا طمحت فإنها فشلت في إقناع الأطراف الأخرى في الانضواء تحت شعاراتها وبرنامجها. فالدافع أصلا لتأسيسها يقوم على وظيفة الدفاع عن مواقع تقليدية وفق أسلوب حديث وإطارات تنظيمية معاصرة.

فكرة الحزب/ العائلة أو الحزب/ المنطقة موجودة عادة في البلدان التي لاتزال في طور النمو والتحول، أي تلك البلدان التي وصلت إلى مرحلة مزدوجة تجمع بين الموروث والوافد. وحين يكون حضور الوافد غير مكتمل ولا هوية واضحة لقسمات صورته يتكفل الواقع في استيعابه وينجح في إعادة هيكلته في شخصية متجانسة ومتصالحة مع هيئة أهل المنطقة أو القضاء أو الطائفة. وهذا ما حصل مع معظم أحزاب لبنان بما فيها العلمانية والقومية والاشتراكية والملحدة من دون إسقاط الاختلافات وتنوع المفارقات وتحولاتها الدولية والإقليمية بين تجربة كل حزب وآخر.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1633 - السبت 24 فبراير 2007م الموافق 06 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً